أخبار ثقافية

نوادي القراءة والثقافة العامّة

فعالية لقراءة الكتب في المدرج الروماني الأثري وسط العاصمة الأردنية عمان- موقع نيروز
فعالية لقراءة الكتب في المدرج الروماني الأثري وسط العاصمة الأردنية عمان- موقع نيروز

تشكّل نوادي القراءة في المجتمع العربيّ في العقد الحاليّ ظاهرةً لافتةً تستدعي الكثير من الاهتمام والتحليل، وهي مجموعات قراءة خاصّة تعمل خارج أطر المؤسسات الثقافيّة والتعليميّة الرسميّة. وتتوازى هذه النوادي والمجموعات في نشأتها وانتشارها مع امتداد الحراك السياسيّ الذي تخطّى مؤسسات الأحزاب والتنظيمات التقليديّة في العالم العربيّ في اعتمادها على وسائل التواصل الاجتماعيّ للتنسيق والتفعيل، وتجاوز حالة الركود التي أدّت في نهاية المطاف إلى انقلابات جذريّة ليس فقط على مستوى الإعلان الجمعيّ بعدم الإيمان بقدرة الأحزاب والتنظيمات السياسيّة التقليديّة على التعبير عن مواقف هذه المجتمعات من قضاياها المحوريّة، وإنّما أيضا على مستوى الإجراء الفعليّ في البحث عن وسائلَ للعمل على توجيه القوى الفاعلة والتأثير فيها.

وظّفت مجموعات القراءة وسائل التواصل الاجتماعيّ للتنسيق بين أفرادٍ تجمعهم علاقاتٌ واهتمامات ثقافيّة ومعرفيّة، ليس بالضرورة مع وجود علاقات شخصيّة بينهم. وظهرت بعد ذلك تنظيمات ثقافية تعتمد في الغالب الأعمّ على أفرادٍ لتشكيل لقاءات للتداول في هذه الاهتمامات المشتركة، وتطوّرت إلى مناقشات دوريّة لكتبٍ وأفلامٍ وأطروحاتٍ حولها. وأخذت هذه الظاهرة في الازدياد عددا، والانضباط تنظيما، إلى أن باتت جزءا من الحراك الثقافيّ الذي يحقق أهدافَه بنمو مطّرد.

وكما هي الحال في الحراك السياسيّ، يعكس انتشارُ أندية القراءة فقدانَ الثقة بالمؤسسات الرسميّة، ويُبطل ما راج من أقاويلَ عن أنّ مستوى المتعلّمين في مؤسسات التعليم العامّ أقلّ من الاعتماد عليه في بناء نهضة المجتمع وتطويره، ويُحرج، في الوقت نفسه، المؤسساتِ الثقافيّةَ المرعيّةَ رسميّا والمُسيطر عليها بطريقة غير سويّة، تلك التي تُدار على شكل تنفيعات لا يتجاوز أثرُها مجموعةً من المنتفعين ماديّا والمتنفّذين سلطويّا.

ويمثّل هذا الحراك الثقافيّ بديلا عمليّا سيؤدي استمرارُه ونموُّه إلى القيام بالدور الذي يُعدّ جزءا جوهريّا من واجبات المؤسسات الثقافيّة والتعليميّة الرسميّة، وسيتجاوز أثرُه إحراج هذه المؤسسات إلى تشكيل وجهات نظر ومواقفَ تتخطّى الموقف الرسميّ وعوامل التأثير التي تحاول جاهدة القيام بها.

ومع انتشار ظاهرة مجموعات القراءة في المدن والقرى، تميّز بعضُها بمناقشة أعمالٍ تنتمي إلى حقول مختصّة، مثل مجموعةٍ في العاصمة الأردنية عَمّان اسمها "نزهة الأربعاء" تختصّ بمناقشة الأعمال الأدبيّة العربيّة والمترجمة شعرا ونثرا، ويحضرها عددٌ من الأدباء والنقّاد من الأردن، وناقشت هذه المجموعة التي تجتمع كلّ أربعاء منذ سبعة أعوام عشراتِ الأعمال الأدبيّة، والتقى أعضاؤها في ندوتهم الأسبوعيّة مع عدد من الكتاّب الذين نوقشت أعمالُهم فيها.

وتمتاز أنديةٌ أخرى بالتنوّع بين الحقول الأدبيّة والفلسفيّة والتاريخيّة، وتعتمد على تنظيمٍ عالٍ عبر وسائل الاتصال الاجتماعيّ، وتجمع في لقاءاتها عددا كبيرا من المهتمين بعد الإعلان مسبقا عن موعد اللقاء واسم العمل الذي تناقشه، اشتُهر منها في الأردن على سبيل المثال مجموعة "انكتاب"، ومجموعة "كتاب".

وهذه الأخيرة، أعني مجموعة "كتاب"، يديرها الناشط الثقافي أمجد فيومي، وتجمع عددا كبيرا من القرّاء والمهتمين من حقولٍ مختلفةٍ، ويسلك منسّقُها نهجا ديمقراطيّا في اختيار الأعمال المُقررة للمنقاشات القادمة من خلال التصويت عبر صفحة المجموعة على الفيسبوك، وبإمكان كلّ عضوٍ اقتراحُ عملٍ أو أكثرَ للتصويت عليه. وهذا النهج يعبّر أساسا عن طبيعة فهمٍ للحريّة وإمكانيّة ممارستها بنجاحٍ، ليس فقط بالنسبة لمجموعة القراءة هذه، وإنّما أيضا فيما يتعلّق بفكرة القراءة العامّة والوعي الذي تقوم عليه.

والاستمرار على الطريقة الديمقراطيّة نفسها يعبّر، من جهة أخرى، عن أنّ المجتمع قادرٌ بشكل طبيعيٍّ وسلس على إنتاج آليّات ديمقراطيّة حقيقيّة بصورة عمليّة بعيدة عن التعقيد. مجتمع قرّاء هذه النوادي جزء من المجتمع عموما وما يجري فيه يمكن أن ينطبق ويُعمم على قطاعات أخرى، إذا توفّرت الاستقلاليّة التي تمتاز بها هذه المجموعات، فيكون المجتمع ، بالقياس على ذلك، قادرا على إفراز خياراته والتعبير عنها وتفعيل قراراته. ومع أنّ مجتمع نوادي القراءة الخاصّة تتوفّر فيه سمة مهمّة للتناغم والبعد عن الصراع، وهي عدم وجود تنافس على مصالحَ ماديّةٍ مباشرةٍ أو على سلطةٍ تستدعي المواجهة، إلا أنّها في الحقيقة تدلّ على تنظيم عفويّ ينتمي للمجتمع ولثقافته، ويقدّم نموذجا في التنظيم وإنتاج آليّات العمل المستمر دون أن تصبح عثرةٌ أو خطأٌ عقبةً أمام مواصلة العمل والنمو.

يحدث هذا الحراك الثقافيّ والمعرفيّ في وقت تشتعل فيه المنطقة بصراعات وانقسامات سياسيّة واقتصاديّة، وفي ظلّ تراجعٍ ملحوظٍ لدور المؤسسات الرسميّة وتردي المستوى المعيشي، الأمر الذي يعكس الصورة الحقيقيّة للمجتمع القادر على التعلّم والنجاح في حال نجا من التدخّلات الرسميّة المُعطِّلة للفاعلية الإنسانية ولتراكم الخبرات.

ربّما لا تستطيع القراءة الخاصّة أن تدفع عجلة المعرفة الاختصاصيّة الدقيقة، لكنّها وسيلة فعّالة لنشر الوعي ورفع سويّة الثقافة العامّة، وتحطيم التمترس خلف مقولاتٍ أيديولوجيّةٍ أو تحيّزاتٍ إلغائيّةٍ.

 

مجموعات القراءة تربّي في جماعاتها مبدأ الحوار والتفاعل والوقوف على حجج الرأي المخالف التي تكشف الثغرات والعيوب في الآراء والمواقف، وتجعل التصوّرات عن المعرفة قائمةً على المراجعة وخاضعةً للسؤال بشكّل متواصل. هذه العلمية تسري في المجتمع وتنتشر من فرد إلى آخر ومن مجموعة إلى أخرى لتتكثّف في مرحلة ما من التطوّر لتكون جزءا جوهريّا من الثقافة العامّة والوعي الجمعيّ.

التعليقات (2)
تولين
الأحد، 28-03-2021 08:41 ص
انا حبيت إلي كتبينوا
محمد عتوم
الثلاثاء، 15-10-2019 05:24 م
بوركت د. يوسف حمدان المبدع