قضايا وآراء

ثورة النيل القادمة

1300x600
1300x600
البحر بيضحك ليه
وأنا نازله ادلع أملا القلل
البحر غضبان ما بيضحكش
أصل الحكاية ما تضحكش
البحر جرحه ما بيدبلش
وجرحنا ولا عمره دبل

النيل عند المصريين يسمى البحر، لعظمه وكبره ولا نهائيته، فأهل الدلتا وساكنو واديه الذين لم يروا البحر، أطلقوا على ذلك العظيم الجاري بحرا، وعبر نجيب سرور عن غضب الشعب من تصريف الحكومة لشؤونهم بغضب النيل أو البحر في قصيدة (البحر بيضحك ليه). ولأن الحكاية ما تضحكش، فإن ما هو قادم على هبة النيل جد خطير وتصريف النظام فيه لا يرضي إلا العدو، ويحزن بكل تأكيد الحبيب.

برقية التهنئة التي أرسلها رأس النظام في مصر لرئيس الوزراء الإثيوبي بمناسبة حصوله على جائزة نوبل للسلام، ذلك الرجل الذي سيصيب مصر بالجفاف بعد أن يحرمها من أغلب حصتها (المستحقة بالاتفاقيات الدولية المسجلة بالأمم المتحدة) في مياه النيل، بعد قراره بالبدء في ملء السد الذي يبنيه.. تلك البرقية من الفتن التي تجعل الحليم حيرانا. والحيرة هنا ليست من تصرف السيسي مع الملف منذ البداية، سواء بالسكوت على اتفاقية عنتيبي، أو بالحوار غير المجدي خلال السنوات الست الماضية، أو بالسكوت على الإمارات والسعودية، حلفيتيه وشريكتيه منذ التخطيط للانقلاب على الرئيس المنتخب وحتى يوم الناس هذا، في تمويلهما للسد من خلال رجال أعمال محسوبين على الأنظمة في كل من السعودية أو مباشرة من خلال القروض المباشرة من الإمارات..

وليس العجب من الاتفاق الإطاري الذي وقعه السيسي الذي تنازل بمقتضاه عن حق مصر التاريخي في حصة جعلت المؤرخين يطلقون على مصر هبة النيل، ولا من الطريقة التي تعاطى بها الرئيس المنقلب مع الأزمة بعد وصول رئيس الوزراء الحاصل على نوبل إلى سدة الحكم، واستنطاق السيسي له خلال زيارته للقاهرة بقسم لم يفهم معناه وردده على سبيل الدبلوماسية، أو ربما على سبيل السخرية من الزمن الذي أوقفه بجوار مدعي رئاسة دولة كبرى كمصر.. ولا أتعجب من ذلك المقترح الذي قدمته وزارة الخارجية المصرية لملء الخزان وتم توزيعه على السفارات، والذي ردت عليه إثيوبيا بأنه محاولة للحفاظ على تخصيص المياه القائم على حقبة استعمارية ولى عهدها، ولم ترد خارجية النظام.. ولا أتعجب أيضا من مقترح النظام لإثيوبيا بتمديد ملء السد خلال سبع سنوات من ثلاث، وكأن تمديد مدة الملء هو الحل الذي سيعوض مصر في حصتها المائية المفقودة.

وسبب عدم استغرابي من سلوك رأس النظام وحكومته، هو الهدف الحقيقي الذي تم تصعيد السيسي إلى سدة الحكم من أجله، فمتابعة بسيطة للخط التاريخي لقرارات وخطابات وسياسات رأس النظام الحالي في مصر، منذ أن انقلب على الرئيس المنتخب، تعرف بجلاء بأن هذا الرجل زرع زرعا للخلاص من هذه الدولة الكبيرة على المستوى الاجتماعي، بتدمير المجتمع سلوكيا وأخلاقيا وتدمير الذوق العام للشعب، وتدمير اقتصاد الفرد وصولا لإفقاره بعد تدمير الطبقة الوسطى، الطبقة الرافعة لأي مجتمع، وتدمير اقتصاد الدولة بالكلية بقرارات اقتصادية لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال. وعلى المستوى السياسي، دمر العلاقات الخارجية لمصر مكتفيا بحلف الشيطان بسيطرة من الكيان الصهيوني. فدوائر الأمن القومي القائم على دائرة العلاقات استطاع النظام تدميرها لصالح الكيان الصهيوني.

وما كان تقطيع أواصر الوطن بمانع مائي في سيناء، وإفقاد مصر ورقة استراتيجية ببيع جزيرتي تيران وصنافير، وخلق حالة نزاع تمت تسويتها مرحليا في الجنوب مع السودان، والمتمثلة بمثلث حلايب وشلاتين، والتنازل عن مقدرات الوطن من الغاز الطبيعي للكيان الصهيوني في شرق المتوسط، ثم خلق عداوة مع الدولة الإقليمية الأقوى في المنطقة، تركيا، بصناعة أحلاف وهمية مع اليونان وقبرص، لا طائل منها إلا خلق العداوة مع الدولة الإسلامية الأكبر اقتصاديا وعسكريا، إنما هي قرارات وسياسات الغرض منها إنهاء الدور المصري في المنطقة وتقزيمه، وتصويره على أنه تابع بعد أن كان متبوعا.

لكن استغرابي الحقيقي من عدم تحرك الوطنيين في الجيش والمخلصين من الشعب حتى الآن. فلم يعد في مصر شيء يمكن البناء عليه بعد أن دمر السيسي كل شيء وأي شيء. لقد ظهر الآن على حقيقته، ولا مكان للمغيبين في مقاعد هذا الوطن، ولا مكان للدجالين وحاملي المباخر فقد انكشف سحرهم. لقد استطاع قائد الانقلاب أن يفعل بمصر ما لا تستطيع حرب دروس فعله فيها.. لقد كانت الخطة أن يتم التخلص من العراق وقد حصل، ثم سوريا وقد كان، ولأن دولة بحجم مصر جغرافيا وسكانيا لا يمكن التخلص منها بنفس السيناريو الذي تم مع كل من العراق وسوريا، فكان لا بد من أن يزرع فيها السرطان، القاتل الصامت، والذي يقضي على ما تبقى من جسد الأمة حتى تنتهي للأبد. لكن الثورة قادمة والأمة لا تموت، وسيعود العراق، وستنهض سوريا، وسيهب المارد العربي من قمقمه، وستفشل مخططات الغرب الصهيوني. ولن تموت مصر عطشى، وثورة الشعب قادمة وإن كممتم الأفواه وغلقتم الزنازين.
التعليقات (0)