قضايا وآراء

الإسلام والرجم (15): حادثة زنا الأجير وعقوبته (2)

عصام تليمة
1300x600
1300x600
تحدثنا عن بعض الوقفات مع حادثة زنا أجير مع زوجة صاحب العمل، وملخص القصة: أن أجيرا زنى بزوجة من يعمل عنده، ودفع الأب مائة شاة وخادما لزوج المرأة المزني بها، ثم ذهب والد الزاني وزوج المزني بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، فحكم بجلد الأجير، وبرجم المرأة إن اعترفت. وذكرنا بعض الوقفات مع الحادثة، ونكمل الحديث عن بقية الوقفات. 

من يملك هذه الثروة كيف يكون خادما؟

الأمر المحير أيضا هنا: أن والد العسيف افتدى ابنه بمائة شاة وخادم، أي أن الأب موسر، فلن يقوم بدفع فدية لابنه بهذا الحجم إلا إذا كان مالكا لها، ولأكثر منها كذلك، فكيف يؤجر ابنه للعمل خادما في بيوت الناس، بينما عنده من اليسار ما يغنيه وولده؟! وهو أمر محير جدا، خاصة أن الخدمة كانت من الأمور التي تعاب عند العرب، عند أهل الثراء.

اعتراف الأجير والمرأة:

نلاحظ في اعترافهما أنه لم يدقق فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل مع ماعز والغامدية، ولذا اختلف الفقهاء.. هل يكفي الاعتراف مرة أم أربعة؟ 

بل لاحظ ابن العربي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله بالأصل، لا مرة ولا أخرى، فقال: (لم يسأل عن العسيف أحصن أم لا ينقل إليه عنه أنه لم يجب عليه الرجم لأجل عدم النكاح، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على ظاهر السؤال، وقدم فيه النظر).(1)  

لماذا أفتاه البعض برجم ابنه؟

وفي عبارة والد الأجير: (وإني أُخبرت أن على ابني الرجم)، تدل على أنه سأل صحابة عن الحكم في ابنه، وسواء كانوا أهل علم، أم كانوا ليسوا من أهله، وقد بين الملا علي القاري تفسير العبارة: (فأخبروني) التي وردت في رواية من الروايات، في تفسيرها، فقال: (فأخبروني): أي: بعض العلماء.(2) فقد أفتوه بما يعلمونه، وهو أن الرجم على ابنه وعلى زوجة الرجل، وهو ما يدل على قرب الحادثة من رجم اليهوديين، الذي لم تبين النصوص هل كانا محصنين، أم لا، وهو ما يتفق مع تشريع اليهود، بأن الرجم حد على الزاني محصنا كان أم غير محصن، فمن أجابه وأخبره، أخبره بما يعلمه من قرب معاشرتهم لليهود.

وإن حاول بعض العلماء أن يتأول قولهم: (فأخبروني أن على ابني الرجم) بأن هذا يدل على أن الرجم كان عندهم حكما ثابتا، ولكنهم لم يكونوا يعلمون كيفية وجوبه على التفصيل، وقد كان الرجم في كتاب الله ملفوظا به ثم نسخ لفظه، فثبت حكمه محفوظا).(3)  

وهنا نقطة مهمة، مثار خلاف في أحاديث عقوبة الزنا بين الأحناف وغيرهم، وهي أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم المرأة إذا اعترفت، ولم يأمر بجلدها مع الرجم، كما في حديث عبادة بن الصامت، وكما فعل ـ فيما بعد ـ علي بن أبي طالب، وقد أشار لذلك الإمام ابن العربي فقال: (لم يذكر مع الرجم، وقد كان ثبت في قوله: "قد جعل الله لها سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم" ثم نسخه فعله، فإن كل من رجم أو أمر برجمه لم يجلده، وقد بيناه في المسائل والأحكام، أما أن عليا جلد ورجم وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأحكم، وهناك رأي ثالث باطل لا يحل ذكره).(4)   

ولا نعلم ما مقصود ابن العربي بالقول الباطل هنا الذي لا يحل ذكره؟ هل هو القول القائل بعدم الرجم، أم ماذا؟ فلو كان هذا الرأي هو المقصود، فقد ذكره أكثر من مرة في كتبه، فلماذا الإحجام عنه هنا؟ 

ماذا تم مع العسيف؟

لم تخبرنا الروايات التي وردت، ماذا تم مع العسيف، فقد أخبرتنا عن رجم المرأة، ولم تخبرنا عن جلد العسيف، أو إقامة الحد عليه، ومن كلفه النبي صلى الله عليه وسلم بإقامته، فقد كلف أنيس بسؤال المرأة، وإقامة الحد عليها إن اعترفت، لكن لم يرد ذكر لما فعل مع الزاني بها. وهو ما لاحظه ابن العربي فقال: (ولم يقم الحد على الابن، ولا أمر به، ولا شك إلا أنه قد كان نفذ أو ينفذ لاتفاقهم عليهم، وكلامهم فيه).(5)  

وهو توقع من ابن العربي، لكن الذي ورد في الروايات، أنه لم يأمر بمن يقيم الحد، كما أمر أنيسا، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم هنا، فكما فوض إقامة الحد لأنيس، فلمن فوض إقامته على الأجير؟

زمن الحادثة:

لم يبين رواة الحادثة زمنها، بل الحديث فقط عن رجم المرأة، وجلد العسيف، ولعل من يقول بتأخرها عن آية النور، يستشهد برواية أبي هريرة رضي الله عنه لها، وهو ما لا يصلح دليلا لذلك، كما ذكرنا من قبل، فإن رواية الصحابي لحادثة لا تعني شهوده لها، إلا إذا قال: فكنت فيمن رجمها، أو كنت فيمن رجمه، كما رأينا بعض الصحابة ينص على حضوره حادثة رجم ماعز، أو رجم اليهوديين، وهو ما لم يرد على لسان أبي هريرة رضي الله عنه.

فرواية أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما، تدل على عدم الحضور، بل كل الروايات تدل على أن من ذهب للقاء المرأة هو شخص واحد، وهو أنيس رضي الله عنه، وقد ذهب وحده، وعاد فأخبرهم، كما ذكرت الروايات الواردة، فأبو هريرة وزيد لم يحضرا الحادثة، بل هما رواة لها فقط. 

بل هناك دليل على أن الحادثة كانت قبل آية سورة النور، وهو ما ذكرناه، من أن رؤية الرجل امرأته تزني، أو إخباره من أحد الناس أنها زنت، لا تعطي له الحق في اتهامها، وإلا فبينهما اللعان، وهو ما حدث مع أحد الصحابة قبل نزول آية اللعان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأته تزني، فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالشهداء، أو حد في ظهره، وهو حد القذف، ولم يقل له صلى الله عليهوسلم : ائتني بها لتعترف، أو نواجهها بمن تتهمها به؟ فصنيعه صلى الله عليه وسلم دلالة على أن الحادثة كانت قبل نزول آية اللعان في سورة النور.

الهوامش:

1 ـ انظر: عارضة الأحوذي لابن العربي (6/208).
2 ـ انظر: من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا القاري (4/59).
3 ـ انظر: عارضة الأحوذي لابن العربي (6/206).
4 ـ انظر: عارضة الأحوذي لابن العربي (6/209،208).
5 ـ انظر: عارضة الأحوذي لابن العربي (6/208).

[email protected]
التعليقات (0)