كتاب عربي 21

عَرَبُ الجَاهِليَّةِ ومِلَّةُ أَبيهِمْ

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

الفرعون أمنحوتب الرَّابع المُتوفى عام 1336 أو 1334 ق.م، تَخَلَّى عن تعدد الآلهة المصرية القديمة بعد أن نظر في النجوم، وعبدَ آتون "إله الشمس" أو توحَّدَ معه ودعا إلى عبادته، وسُمي إخناتون أي "روح آتون"، وقيل إنه أول المُوحدين.. وهذا يجافي الحقيقة فهناك أسبقية عليه تجعله في تبعية، لأن أول الموحِّدين هو إبراهيم الخليل المولود "1900 أو 1850 ق.م." الذي تنكَّر لعبادة الأصنام وحطَّمها، بعد أن نظر إلى النجوم والقمر والشمس ورفض عبادتها، فآمن بـ "الله" أبدي الوجود، وهجَرَ "أُورَ" الكلدانيين وسكن مكة المكرمة ثم الخليل في فلسطين، حيث مات ودُفن هناك.
 
وجاء خاتم الأنبياء "ص"، فنهج نهج أبيه الرُّوحي إبراهيم وحطم الأصنام والأوثان وطهَّر بيتَ إبراهيم وإسماعيل منها.. وقد فعَل فِعلَ إبراهيم ليعيد الناس إلى مِلَّة أبيهم.. مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ.. سورة الحج 78   

 

كان عمرو من سادة مكة وسادة العرب وأغنيائهم، وجاء ببدعته من بلاد الشام فأدخل "هُبَلَ" إلى مَكَّة.."، فلمَّا جاء الحج دفَعَ أصناماً إلى القبائل فذهبت بها إلى أوطانها".. وهكذا انتشرت عبادة الأصنام في جزيرة العرب


أردت هذا مدخلاً إلى القول بأن عرب الجاهلية كان "الله" في خلفية شركهم وعبادتهم للأصنام التي اتخذوها "زُلْفَى" يتقرّبون بها إلى الله، وظلَّ اللهُ في ثقافتهم بعد أن زاغوا عن عقيدة أبيهم جهلاً واتباعاً وابتداعاً.. ومَن أزاغهم ونشر الشرك بينهم "عمرو بن لُحَيٍّ الخُزاعي" الذي قال فيه رسول الله "ص": (رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يَجرُّ قَصَبَه ـ أمعاءه ـ في النار، فكان أوَّل من سَيَّبَ السَّوائب وغيَّرَ دينَ إبراهيم). 

وكان عمرو من سادة مكة وسادة العرب وأغنيائهم، وجاء ببدعته من بلاد الشام فأدخل "هُبَلَ" إلى مَكَّة.."، فلمَّا جاء الحج دفَعَ أصناماً إلى القبائل فذهبت بها إلى أوطانها".. وهكذا انتشرت عبادة الأصنام في جزيرة العرب، وصار لكل قبيلة صنمٌ "مِن الحجر"، أو وثَنٌ مِن "الخشب" أو من "التَّمر" يأكلونه إذا جاعوا. 

ولم يستطع شِرْكُ ابن لُحيٍّ أن يُلغي "الله" من ثقافتهم حتى لا أقول فطرتهم، لكن غشَّى مِلَّة أبيهم ما غَشَّاها، وظَلَّت تظهر في توجههم إلى الله من خلال تعظيم البيت، والحج إليه، والطّواف به.. إلخ، وظهرت في أدعية قبائلهم.. فقبيلة "نزار" تقول في إهْلالِها: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكُه وما ملَك"، وقريش تُعلن حُجَجَها بوجه العرب، تقول: "نحن بنو إبراهيم وأهلُ الحَرَم، وولاة البيت، وقاطنو مكة، وليس لأحد من العرب مثل حَقِّنا ومنزلَتِنا".

وأسوق أدلَّة على ما أذهب إليه من الشعر الجاهلي، من المُعلَّقات، فيها ذكرُ الله ومآلُ الأمر إليه.. وهو مما رسَخَ في أنفسهم وأصبح بحُكم الفطرة.

قال امرؤ القيس 130 ـ 80 ق.هـ./ ـ 496 ـ 544 م:
 
فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي       أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي 
فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً       وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي 
حَلَفْتُ لَها بِاللَهِ حِلْفَةَ فاجِرٍ       لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صَالِ 

وقال:
 
فَقالَت يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةٌ       وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي
 
وقال، وقد سأله عبيد بن الأبرص:

ما السودُ والبيضُ والأسماء واحدة       لا يستطيع لهنَّ الناسُ تسَّاسا

فقال امرؤ القيس:

تلك السّحاب إذا الرَّحمن أرسلها         روى بها من مُحول الأرض أيباسا 


وسأله:

مالحاكمون بلا سَمعٍ ولا بَصَرٍ            ولا لسانٍ فصيحٍ يعجِبُ الناس 

فقال:

تلكَ المَوازين والرَّحمنُ أنزلَها ... ربُّ البريَّة بين الناس مقياسا

ولم يكن اليهود ولا النصارى يقولون بالرَّحمن، وقال به مُحمَّد "ص". وقوله "ربُّ البريّة" واضح الدِّلالة على انعدام الشريك.

وقال امرؤ القيس أيضاً: 

نحن جَلَبْنا القُرَّحَ القوافلا ... تالله لا يذهب شيخي باطلا 

وقال:

حَلَّتْ لي الخمرُ وكنت امرءاً ... عن شربها في شغل شاغلِ
فاليوم أُسقى غير مستحقبٍ ... إثماً من اللهِ ولا واغلِ

وقال:
 
وَاللَهُ أَنجَحُ ما طَلَبتَ بِهِ       وَالبِرُّ خَيْرُ حَقيبَةِ الرَّحلِ

وقال طَرَفة بن العبد " 86 ق.هـ. ـ 60 ق.هـ./ 539 ـ 564 م:

فَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خالِدٍ       وَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ عَمروَ بنَ مَرثَدِ 
فَأَصبَحتُ ذا مالٍ كَثيرٍ وَزارَني         بَنونَ كِرامٌ سَادَةٌ لِمُسَوَّدِ

وقال عنترة بن شداد العبسي ؟ ـ 22 ق.هـ /. ـ ؟ ـ 601 م 

جَزى اللَهُ الأَغَرَّ جَزاءَ صِدقٍ       إِذا ما أوقِدَت نارُ الحُروبِ 

وقال:

فَبِاللَهِ يا ريحَ الحِجازِ تَنَفَّسي       عَلى كَبِدٍ حَرّى تَذوبُ مِنَ الوَجدِ

وقال:
 
أَلا قاتَلَ اللَهُ الهَوى كَم بِسَيفِهِ            قَتيلُ غَرامٍ لا يُوَسَّدُ في اللَحْدِ

وقال:
 
إِلى اللهِ أَشكو جَوْرَ قَومي وَظُلمَهُم       إِذا لَم أَجِد خِلّاً عَلى البُعدِ يَعْضُدُ

وقال النابغة الذبياني ؟ ـ 18 ق.هـ/؟ ـ 605 م


لَهُم شِيمَةٌ لَم يُعطِها اللَهُ غَيرَهُم         مِنَ الجودِ وَالأَحلامُ غَيرُ عَوازِبِ 
مَحَلَّتُهُم ذاتُ الإِلَهِ وَدينُهُم             قَويمٌ فَما يَرجونَ غَيرَ العَواقِبِ

وقال زهير بن أبي سُلمى " ؟ ـ 13 ق. هـ/ ؟ ـ 609 م:
 
فَلا تَكْتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم          لِيَخْفَى وَمَهما يُكْتَمِ اللَهُ يَعلَمِ 
يُؤَخَّرْ فَيوضَعْ في كِتابٍ فَيُدَّخَر         لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ

وقال أمية بن أبي الصلت ؟ ـ 5 هـ ـ /؟ ـ 626 م 

الحَمدُ للهِ مَمْسانا وَمَصبَحَنا            بِالخَيرِ صَبَّحنا رَبِّي وَمَسَّانا
رَبُّ الحَنيفَةِ لَم تَنفَدْ خَزائِنُها            مَملوؤَةٌ طَبَّق الآَفاقَ سُلطانا

وقال لبيد بن ربيعة ؟ - 41 هـ /ـ؟ـ 661 م وهو لم يقل سوى بيت شعر واحد بعد أن أسلم: 
 
وَأَنَّكَ ما يُعطِيكَهُ اللَهُ تَلْقَهُ           كِفاحاً وَتَجلُبُهُ إِلَيكَ الجَوالِبُ 
فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ        أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ 
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ               تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ 

وقال:
 
وَلِلهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ       وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ

وقال أيضاً:
 
حَمِدتُ اللَهَ وَاللَهُ الحَميدُ       وَلِلهِ المُؤَثَّلُ وَالعَديدُ 
فَإِنَّ اللَهَ نافِلَةٌ تُقاهُ            وَلا يَقتالُها إِلّا سَعيدُ

التعليقات (1)
محمد
الأحد، 03-11-2019 03:02 م
طيب وبعدين؟ يعني شو المطلوب؟