أفكَار

"اتحاد الكتّاب اللبنانيين".. الترهّل يقصيه عن حراك التغيير

جدل في لبنان حول سر غياب اتحاد الكتاب عن الخراك الثوري- (الأناضول)
جدل في لبنان حول سر غياب اتحاد الكتاب عن الخراك الثوري- (الأناضول)

15 يوماً على مشهد ثوري نادر في لبنان، لم يحفّز "اتحاد الكتّاب اللبنانيين" لإعلان موقف، مؤيد أو معارض أو محفّز... ولم يدفعه لقراءة الحدث أو الإحاطة به أو تقييمه، فضلاً عن أن أحداً من أعضاء اتحاد الكتّاب، لم ينخرط على نحو قيادي بالحراك، استلهاماً، بالحد الأدنى، من ثورات تغييرية عصفت بالمنظومات الثقافية والفكرية حول العالم منذ 250 عاماً على الأقل.
 
وفتح هذا الغياب عن المشهد باب التكهنات عن ما إذا كان الاتحاد يمارس سياسة الإنكار لحدث يوقظ المواطنين من سبات مستمر منذ نهاية الحرب اللبنانية تجاه استقرار الحكم في البلاد على تسويات سياسية وطائفية حكمت البلاد وفق مقاربتين للحكم، أولهما تشاركية بين الطوائف وزعمائها، وثانيها تشابكية بين أمراء الطوائف وطبقة رجال المال والأعمال.

 


 
وفتح غياب "اتحاد الكتاب اللبنانيين" باب التكهنات عن ما إذا كان تم تدجينه من قبل السلطة، كمؤسسة رديفة احتوتها الطبقة الحاكمة، وفرضت عليها "التشاركية"، ونقلت إليها لوثة الانكفاء، وأصابتها بعدوى القصور عن محاكاة آمال التغيير. 

إنكار وتدجين

والحال أن الغياب في حدث مشابه، يبدو خليطاً من التهمتين السابقتين: فهو، في الشكل، يرتقي إلى مستوى الإنكار، خلافاً لتجربة مشرقة بدأت في الستينيات، إثر صعود الشعور القومي والنَفَس التحرري، أثمرت حضوراً في فترة الحرب، ولو أنها أخذت الطابع الانقسامي استكمالاً للانقسام العمودي بين اللبنانيين، وسرعان ما تحول الحضور في حقبة السلم في التسعينيات، إلى دينامية ثورية موازية تستكمل العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي. واستقرت عند هذا الحد بعد التحرير في العام 2000، وسكنت إثر الانقسام اللبناني المستمر بعد العام 2005، متبنية، من غير إعلان، استراتيجية "النأي بالنفس" التي اتبعتها الحكومة. وانسحب هذا الحياد السلبي حتى الاحتجاجات الداخلية في 2015 على خلفية أزمة النفايات، والآن بعد موجة الاحتجاجات العارمة التي سطرت المشهد الأمني والسياسي اللبناني منذ 17 تشرين أول (أكتوبر) الماضي. 

مؤسسة ثقافية لا جزءاً من الاستحقاقات

انكفأ الاتحاد عن دور طليعي كان يُطمح لأن يكون موازياً لتحركات الشعب الذي خرج ضد السلطة، مطالباً برحيلها، ويتصدرها شباب لبنانيون، طلاب وفقراء ومنتمون إلى الطبقى المتوسطة، استلهموا فكر التغيير وفق المقاربة الناعمة، من تجارب عالمية في العقدين الأخيرين، وغيرت بهم التطلعات لتكريس التنوع والتعددية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والديمقراطية بمعناها الفاعل غير التسووي. سبق الشباب كل أفكار الكتّاب اللبنانيين، وحتى اتحادهم بنفسه.
 
ويجزم الأمين العام السابق لاتحاد الكتاب اللبنانيين والنائب السابق غسان مطر بأن الاتحاد لم يكن يوماً منخرطاً في الاستحقاقات الوطنية الداخلية، موضحاً في حديث لـ"عربي21" أن الاتحاد "كان يعتبر نفسه مؤسسة ثقافية نادرا ما تطل على المشهد السياسي الداخلي تلعب فيه دورا أو تسجل فيه موقفا، وبعد انتهاء الحرب في فترة التسعينات وما بعدها، دخلت عوامل سياسية كثيرة ومؤثرة ليس في الاتحاد فقط بل في النقابات وفي كل المؤسسات المدنية الاخرى، ولعبت دورا في جذب الاتحاد وهذه المؤسسات إلى سلطتها"، مضيفاً، "بمعنى آخر لا نقول أن الاتحاد خاضع لسلطة سياسية معينة، ولكنه متأثر إلى حد بعيد بسلطة سياسية ما".

وفي تصويره على أنه صورة عن المشهد السياسي اللبناني، يؤكد مطر أن "هذا غير صحيح"، ويقول: "الاتحاد يضم أعضاء من كل الأطياف السياسية ومن كل التوجهات وإن كان الحضور الأكبر فيه هو للجيل الشيخ أي الجيل العجوز، مع أننا أدخلنا أعضاء جدد من الشباب مراهنة على أن يكون لهم دورا مؤثرا وفاعلا".

وأضاف: "عندما كنت أمينا عاما أدخلت حوالي 20 شابا وشابة إلى الاتحاد وكذلك حذفت حوالي 300 إسم منه، لكن الأسماء الجديدة لم تشكل حضورا متوهجا كي تنجح في استقطاب الساحة الثقافية من جديد وحتى اليوم ليس لهم تأثير مباشر في الحياة الثقافية العامة ".

 



ويرى مطر أن تصوير الاتحاد على أنه صورة مصغرة للمشهد السياسي اللبناني، لا ينطبق عليه. يقول: "الاتحاد أن ينفجر أو لا ينفجر فهذا موضوع فيه الكثير من الإشكاليات"، لافتاً إلى أن الاتحاد "خسر الكثير من طاقاته التي كانت فاعلة ومؤثرة على المستوى الثقافي ما بعد الحرب، ربما رأى الكثير من المثقفين والشعراء والأدباء والمفكرين أنهم لم يعد بإمكانهم تأدية ادوار داخل الاتحاد فانكفأوا". 

التزام بالخطاب الوطني الجامع

يضم اتحاد الكتاب اللبنانيين منذ تأسيسه في أواخر ستينات القرن الماضي، كتاباً وأدباء وشعراء ومفكرين لبنانيين يمثلون عادة نخباً حزبية وثقافية واجتماعية متنوعة. وإضافة إلى اهتمامه بشؤون الكتاب فهو معني أيضا بالشؤون الوطنية والاجتماعية ومختلف جوانب الحياة في لبنان، ضمن مهامه ومقدراته. ويحرص الاتحاد، في أغلب المحطات الاقتصادية والسياسية التي تخص اللبنانيين، على إصدار البيانات التي تعني الجميع بما يحمي الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

ويقول مسؤول شؤون التراث في اتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور جهاد بنوت أنه في المشهد الراهن، "يلتزم الاتحاد بالخطاب الوطني الجامع مع التأكيد على دعم الحركة المطلبية بما هي قضية وطنية جامعة". 

 



ويقول بنوت في حديث لـ"عربي21": "في الاصطفافات التي أفرزتها الأحداث الأخيرة لا يمكن للاتحاد قمع أي رأي خاص، سواء لأعضاء الهيئة الإدارية او الزملاء أعضاء الهيئة العامة، فكل زميل حر في موقفه الخاص على أن يصدر بصفته الشخصية، ولا يلزم الاتحاد بذلك. مع الإشارة إلى أن هموم الناس وحقوقها وإنمائها هي في صلب ثقافة الاتحاد". 

تقصير وقصور

غير أن هذا الدور، لا ينفي تقصيراً أو قصوراً في محاكاة المشهد السياسي منذ 15 عاماً على الأقل، ويدفع للجزم بأن الاتحاد يتبنى مقاربة "الحياد السلبي" وينأى بنفسه عن الاستحقاقات الكبيرة. 

لكن بنوت، يشير إلى أن الاتحاد، نأى في ما مضى عن الاصطفافات الحزبية والسياسية سواء منذ انقسام  8 و14 آذار أو ما جرى بعد ذلك، مع التأكيد على تبني ثقافة المقاومة المشروعة للبنان ضد أي اعتداء خارجي وفي مقدمتها الاعتداءات الإسرائيلية. "لكن الاتحاد لم يكن في يوم من الايام بوقا للسلطة وللأمانة لم نلحظ في العقدين الأخيرين أي تدخل للسلطة السياسية في نشاطات الاتحاد فهو هيئة ثقافية مستقلة". 

ويضيف بنّوت: "بالنسبة لتركيبته لم تلحظ يوما التوازن الطائفي المعمول به في المحاصصة السياسية. بل تغلب عليه التحالفات الحزبية، ولا يمكن أبدا توصيفه على قياس القسمة داخل السلطة. وبذلك هو تمثيل نخبوي حزبي أو فكري وليس طائفيا، مع الإشارة إلى وجود العديد من المستقلين سواء في الهيئات الإدارية المتعاقبة أو في عضوية الهيئة العامة". 

ويقول بنوت: "التجانس يحكم نشاط وعمل الهيئة الإدارية في أغلب المراحل. الخلافات إن وجدت تكون على مصلحة الاتحاد، دوره ونشاطه وموقعه وقبل كل ذلك ديمومته. هبت على الاتحاد وما تزال العديد من التحديات وحملات الافتراءات. لا يمكن أن نقمع او نمنع أي نقد أو رأي لمصلحة الاتحاد وأبوابه مشرعة لأي زميل أو حتى مثقف عنده انتقادات محقة، إنما التراشق من بعيد لا يجدي نفعا. نحرص على الدوام العمل ضمن الأنظمة التي تحكم الاتحاد سواء الأساسي أو الداخلي أو تلك التي ترعى عمل الجمعيات على أنواعها". 

وبعد أن وجّه التحية لـ "الزملاء الذين ما يزالون يتصدون لاستمرار الاتحاد وديمومته"، قال: "إنها بالفعل مسؤولية وطنية وأدبية حبذا لو يشاركنا بها الباقون. نحرص دائما على دعوة الزملاء بالوسائل المتنوعة سواء لاجتماعات الجمعية العمومية أو لانتخاب الهيئة الإدارية. يتقاعس العديد ثم تبدأ الافتراءات ضد الهيئات الإدارية المتعاقبة. نحن بحاجة لمشاركة كل الأعضاء لأن ذلك يغني نتاج ونشاطات الاتحاد، وأغتنم الفرصة عبر موقعكم لمناشدة الزملاء الحريصين على بقاء الاتحاد للمشاركة مع الهيئة الإدارية في نهضة الاتحاد". 

مرحلة الترهّل

لعل عبارة "نهضة الاتحاد"، ترسم ملامح الشكل الأخير للاتحاد الذي دخل في مرحلة الترهّل. حين تترهّل المؤسسات، يصبح البحث عن آلية لضخ الدم في عروقها، مهمة معقّدة، تبدأ من عدم الإيمان بدورها، ولا تنتهي بمحاولة تنقيتها من الشوائب والاتهامات، مروراً بضعف الامكانات المادية، وبطغيان الجيل الكهل الذي يمارس قيوداً على مشاركة الشباب ولا يحاكيهم بتطلعاتهم، وهي مشكلة كل المؤسسات والهيئات، وتمتد إلى الأحزاب في العالم العربي.
 
ولا ينفي الكاتب مطر أن الاتحاد "يبقى حالة مربكة في الظروف الحاضرة لمجموعة من الأسباب، وكما قلت سابقا غياب الوجوه الثقافية الكبيرة عنه، وثانيا الوضع المالي الصعب الذي يعاني منه الاتحاد". ويشرح ذلك بالقول: "أما أن نقيم مقارنة بين الاتحاد اليوم والاتحاد بالأمس فالمقارنة برأيي لا تجوز، لأن الذين كانوا منضويين تحت راية الاتحاد قبل الحرب كانت هي الوجوه الأكثر حضورا في المشهد الثقافي الإبداعي، وجعلت منه شبه منارة على مستوى لبنان والعالم العربي لدرجة أن كل المثقفين والمتنورين في العالم العربي كانوا ينظرون إلى لبنان على أنه منارة الشرق، هكذا كان وضع الاتحاد بالأمس أما اليوم أعتقد أن الاتحاد يمر بحالة ترهل وعجز وانطفاء وانكفاء تدريجي، لم يعد له هذا الوهج ولا هذا التأثير على مستوى الداخل كما على المستوى العربي". 

 



ويضيف: "مع الأسف نحن بحاجة إلى إجراء إصلاحات كثيرة كي يعود الاتحاد ويطل بالوجوه القديمة وبالوجوه الجديدة التي نأمل أن تكون رافعة للثقافة في المستقبل".

ويرى مطر أن "إمكانية عودته إلى ما كان عليه شبه مستحيلة لأن من انكفأ منه وخرج من الكتاب والشعراء والمفكرين الكبار لن يعودوا، وهؤلاء من كان يشكل النواة والقيمة الحقيقية له". 

أما السبب الثاني فيعود إلى "ضعف الإمكانيات المادية للاتحاد، فهو إستفاد من مبلغ 100 مليون ليرة في عامي 1995 و1996 وعندما أتى (وزير الثقافة في العام 2004) غسان سلامة وزيرا للثقافة آنذاك وألغى القانون بشطبة قلم، وعندما تحن الوزارة على الاتحاد تدفع له 10 ملايين لا أكثر، فالدولة تتحمل أيضا جزءاً من التقصير ومن تراجع دوره وإذا كانت تتغنى بأن لبنان هو بلد الإشعاع والنور فكيف ذلك وهي تطفىء هذه المنارة الثقافية بيديها"؟

لبنان بين حقبتين

ويدافع بنوت عن هذا الترهّل، مرجعاً إياه إلى التحول الذي طرأ على المشهد اللبناني ككل. يقول: "لا يمكن على الإطلاق مقارنة المشهد السياسي العام غداة تأسيس الاتحاد والمشهد اليوم. كان لبنان قصة مختلفة، كان واحة ثقافية وفكرية وإعلامية وفنية وأدبية عربية وحتى عالمية تضج بالنشاطات والابداعات على اختلافها. فنحن نتحدث وآثار الحرب المدمرة ما تزال تحفر في يومياتنا. شتان بين الشعارات الوطنية والقومية وحتى الأممية آنذاك وبين حروب الزواريب الراهنة. كان يومها قضية عربية مركزية طاهرة وقامات سياسية عابرة للحدود وأخرى أممية وأحلام واهداف بكل الالوان. اليوم ألا ترونا معنا المشهد الضبابي والأسود الذي يخيم على هذا الشرق؟ فأي ثقافة يمكن أن يفرزها هذا المشهد الدموي العفن الذي يضرب مجتمعاتنا؟".

ويشدد بنوت على أن "الهيئة الإدارية الجديدة ملتزمة في كل الأحوال بأعضائها كافة وعلى رأسها الأمين العام الدكتور محمد أبو علي بإنجاز تحول هام على مستوى نشاطاتها وإنجازاتها بما يخص مهام الاتحاد الأساسية وبما يحفظ وحدة أدباء لبنان وكتابه، وبذلك برأيي نساهم مع المخلصين في هذا الوطن لما فيه خير اللبنانيين وحدة شعبه وأرضه وحماية حقوق أبنائه، كمقدمة أساسية في بناء المواطنة حلم اللبنانيين الشرفاء جميعا".

التعليقات (0)