قضايا وآراء

شرق الفرات.. صراع عسكري ومصير مجهول

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

مع سحب الولايات المتحدة لقواتها العسكرية في الشمال السوري، بدأت خارطة النفوذ العسكري في شرق الفرات تتغير بشكل دراماتيكي: تركيا تسيطر على منطقة بطول 120 كلم وبعمق 32 كلم بين تل أبيض غربا إلى رأس العين شرقا، وقوات النظام تنتشر في مناطق من محافظة الحسكة ومناطق في ريف حلب الشمالي الشرقي، في وقت تراجع الحضور العسكري لـ "قوات سوريا الديمقراطية".

في الظاهر، يبدو المشهد العسكري قيد التشكل، وكأنه يتجه نحو الاستقرار، لكن إعادة الولايات المتحدة لتثبيت نفوذها أعاد خلط الأوراق من جديد، من دون أن يعني ذلك العودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبيل انطلاق عملية نبع السلام العسكرية.

شكلت العودة الأمريكية مأزقا واضحا للنظام السوري وروسيا بعدما سيطرا بسهولة على مناطق جغرافية عدة، وهذا السبب الذي دفع موسكو للتعبير عن إنزعاجها حين شكك وزير الخارجية سيرغي لافروف في امكانية التوصل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة بخصوص الوضع في شمال شرقي سوريا.

 

بالنسبة لتركيا، فإن البقاء الأمريكي يعني حماية تركيا من أي انقلاب في الموقف الروسي، حيث تخشى تركيا أن تستغل روسيا الغياب الأمريكي للانقضاض على الوحدات الكردية،


ووصل الأمر إلى إعلان الكرملين أن قنوات الاتصالات السياسية مع الولايات المتحدة لم تعد تعمل باستثناء القناة العسكرية التي يسعى الطرفان من خلالها إلى تجنّب وقوع احتكاكات أو صدامات غير مقصودة.

على الطرف الآخر، تبدو تركيا و"قوات سوريا الديمقراطية" مستفيدة من التراجع الأمريكي ـ وهذه إحدى مفارقات الجيوعسكرية في سورية ـ فالوحدات الكردية تنفست الصعداء بعد تراجع الولايات المتحدة عن سحب كامل قواتها، لأن ذلك سيوقف اندفاعة النظام نحو المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية.

أما بالنسبة لتركيا، فإن البقاء الأمريكي يعني حماية تركيا من أي انقلاب في الموقف الروسي، حيث تخشى تركيا أن تستغل روسيا الغياب الأمريكي للانقضاض على الوحدات الكردية، وبالتالي سحب الذرائع من تركيا للبقاء في المنطقة الآمنة.

المشهد العسكري

في ظل هذه المعطيات، لا تبدو الصورة جلية بشكل كامل إلا بالنسبة لتركيا التي ستحافظ على مناطق سيطرتها الجديدة، أما بالنسبة للنظام السوري، فالأمر مختلف.

انتشرت وحدات من القوات النظامية السورية، في المناطق الحدودية مع تركيا من مدينة القامشلي غرباً إلى مدينة المالكية شرقا، وعلى امتداد نحو 60 كيلومترا.

وتركّزت نقاط الجيش الجديدة في عدد من قرى وبلدات الشريط الحدودي، منها دير غصن وكرديم فوقاني وعتبة وتل الحسنات وتل السيد والقحطانية وتل جهان وتل خرنوب وملا عباس التي يوجد بها حقل نفطي. 

ويكتسب انتشار قوات النظام في هذه المناطق أهمية استراتيجية، كونها تقع في مواقع غنية بالنفط، ما قد يمهّد للسيطرة عليها.

ويتوقف الأمر على حدود الانتشار العسكري الأمريكي، فإلى الآن ليس معروفا أين ستتمركز القوات الأمريكية بالتحديد، وإن كانت نية واشنطن تركيز تواجدها على كامل الحدود السورية ـ العراقية في محافظتي الحسكة ودير الزور، وفقا للتقارير التي تتحدث عن بدء القوات الأمريكية إنشاء ثلاثة قواعد عسكرية: القاعدة الأولى في بلدة الصور والثانية في مقر اللواء 113 بريف محافظة دير الزور الشمالي، فيما بدأت التحضيرات لإنشاء القاعدة الثالثة في قرية زغات ـ ينبوع بريف المالكية على طريق معبر سيمالكا بمحافظة الحسكة عند مثلث تركيا العراق سورية.

 

أغلب الظن أن الإدارة الذاتية لن تقدم على توقيع اتفاق مع النظام، وسترضى بالواقع الجديد الذي يسمح لها بالبقاء مع أذرعها العسكرية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا،


هذا التمركز العسكري يعني أن الولايات المتحدة ستبقي على سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" على أهم حقول النفط والغاز، وقد عبرت واشنطن عن ذلك صراحة حين أعلن وزير الدفاع مارك إسبر أن الهدف هو منع تنظيم داعش وغيره من اللاعبين في المنطقة من الوصول إلى حقول النفط. 

لكن الولايات المتحدة ستسمح على ما يبدو للنظام السوري بالسيطرة على حقول النفط الأخرى في وسط الحسكة وشمالها، وكلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحمل هذا المعنى عندما قال "سنحاول التوصل لحلّ مع الأكراد يضمن لهم بعض التدفقات النقدية من النفط"، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين الأمريكيين إلى التشكيك في احتمال منع النظام السوري من الوصول إلى هذه الحقول.

"الإدارة الذاتية"

أمام هذه المعطيات، تعيش الإدارة الذاتية في حالة تخبط، وتصريحات المسؤولين فيها تعكس هذه الحالة، فلا هم قادرين على التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري ولا هم قادرين على تجاهل وجوده، في ظل تراخ أمريكي وتشدد روسي.

ويمكن تلمّس هذا الوضع من خلال توصيف القائد العام لـ "قسد" مظلوم عبدي، للموقف الأمريكي، حين قال "إن الولايات المتحدة عرضت ضمانات جديدة، لكن هناك بطء في ترجمتها على الأرض."

يحاول الأكراد الاعتماد على لغة سياسية معقولة غير متشنجة في التعاطي مع النظام وروسيا، فقد أعلنوا من جهة استعدادهم لإجراء اتفاق مع دمشق حيال مصير المناطق التي يسيطرون عليها، ووضعوا من جهة ثانية شروطا لتنفيذ هذا الاتفاق.

وهذان الشرطان هما: أن تكون الإدارة القائمة حاليا جزءا من إدارة سورية عامة ضمن الدستور، والثاني، أن تكون لـ "قوات سوريا الديمقراطية" استقلالية، ضمن منظومة الحماية العامة لسوريا، وهو شرط طالما رفضه النظام السوري الذي يطالب بتفتيت كامل لـ "قوات سوريا الديمقراطية" أو انخراطها ضمن تشكيلات النظام العسكرية، بحيث تصبح إمرتها تابعة مباشرة لها.

وأغلب الظن أن الإدارة الذاتية لن تقدم على توقيع اتفاق مع النظام، وسترضى بالواقع الجديد الذي يسمح لها بالبقاء مع أذرعها العسكرية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، لحين حصول تطورات أخرى اعتاد اللاعبون المحليون والإقليميون والدوليون على حصولها بين الفينة والأخرى.

كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)