كتاب عربي 21

المغرب والإمارات.. ما بين الحقائق والادعاءات

طارق أوشن
1300x600
1300x600
أصدر فريق الرجاء البيضاوي مجموعة ألبسة رياضية تؤرخ للريمونتادا "التاريخية" التي حققها في مباراته الأخيرة ضد غريمه الوداد قبل أسبوع. أحد القمصان حمل كلمات للإماراتي فارس عوض، معلقا على اللحظات الأخيرة قبل تسجيل هدف التأهل الرجاوي. قبل ذلك، كانت تغطية المباراة ذهابا وعودة؛ الحدث الأبرز على قناة أبو ظبي الرياضية، وحملت من كلمات الإعجاب والانبهار بالمغرب وشعبه الشيء الكثير.

بعض الجرائد والمواقع الإلكترونية المغربية حذرت من الانجرار وراء هذا البريق، واعتبرت التغطية "تغطية" على الخطر الإماراتي الذي لا يريد للمغرب خيرا. العلاقات بين البلدين دخلت كما يعرف الجميع مرحلة جفاء غير مسبوقة؛ وصلت حد العداء والتنافس الحاد على الاستقطاب في مراكز كانت "محجوزة" للنفوذ المغربي، مما شكل تهديدا مباشرا للمصالح السياسية والاقتصادية للرباط.

وفي ظل الحديث المتواتر، هذه الأيام، عن اعتماد مرتقب لسفير إماراتي يملأ الفراغ الديبلوماسي الذي خلفته المغادرة المفاجئة لسلفه علي سالم الكعبي بـ"طلب سيادي عاجل" نهاية شهر نيسان/ أبريل الأخير، عادت حمى التراشق الإعلامي تغلب على العلاقات بين البلدين. وكثير من الجرائد والمواقع المغربية "الرصينة" تحدثت في مقالات متطابقة عن السر الكامن وراء غض الطرف الإماراتي عن وجود شخص مطلوب للعدالة المغربية على أراضيها، حوّل منصة يوتيوب إلى وسيلة تواصل لبث عشرات الفيديوهات الحاملة لاتهامات مباشرة لمسؤولين ومؤسسات أمنية بالارتشاء والفساد والتغطية على عمليات تبييض أموال، ويعترف بتورطه الشخصي فيها. بعض المؤسسات الإعلامية المغربية اعتبرت نبيل الشعايبي مجرد عميل "مجند من قبل جهات سيادية تريد إشعال فتيل السيبة (الفوضى) في المغرب"، مرجحة فرضية "تجنيده في إطار أجندة إقليمية معادية للمغرب؛ تهدف ضرب ثقة المغاربة في مؤسسات الدولة"، مع الإشارة إلى تزامن ذلك مع المواقف المغربية الأخيرة من عدة قضايا، كاليمن والحصار على قطر.

المواقف المغربية المعلنة من مختلف قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعود لشهور مضت، وربط ظهور الشعايبي بها يسيء إلى الرواية المغربية، ويظهر أصحابها بمظهر العجز في مواجهة الاتهامات الصادرة عن "عميل عجمان"، شأنها شأن بعض المزايدات الصحفية التي تعتبره مجرد "مدمن مخدرات معروف بعجمان، وتساهم في إحداث تغييرات في الفم والوجه، وتمنح صاحبها القدرة على الحديث لوقت طويل.."، والادعاء أيضا بتخطيطه للهرب خارج الإمارات بتواطؤ مع "بارونات آسيويين كانوا يقدمون له خدمات في مجال النصب والاحتيال والتزوير".

الحل الوحيد لوأد "الفتنة" هو في مطالبة السلطات الإماراتية بتسليم الرجل، للنظر في القضايا المرفوعة ضده في المغرب، كما تكفل ذلك اتفاقيات التعاون القضائي وتسليم المجرمين الموقعة بين البلدين، لتتم محاكته أمام الهيئات القضائية المغربية في مواجهة من يدعي عليهم ويدعون عليه.

من حق المديرية العامة للأمن الوطني أن تصدر بيانها الذي نفت فيه كل الادعاءات الصادرة ضد منتسبيها، وأصدرت مذكرة بحث على الصعيد الدولي ضد "المدعي". لكن النيابة العامة والمؤسسات القضائية مدعوة إلى تفعيل إجراءات النظر في الاتهامات الصادرة في المقاطع المصورة لنبيل الشعايبي، إجلاء للحقيقة وتطمينا للرأي العام بالنظر إلى الأرقام المهولة التي حملتها، وتشكل خسارة مهمة لخزينة الدولة إن ثبتت، خصوصا وأنها لن تكون إلا الجانب الظاهر من جبل الجليد.

التهرب الضريبي والتحايل على قوانين الجباية العامة أمر واقع لا يقتصر على المغرب، لكن التحقيق في مزاعمه والبت فيها وحده الكفيل بإعادة الثقة في الأفراد والمؤسسات، والتعامل بمنطق القانون وما يتيحه كفيل لوحده أيضا بوضع البلد المستضيف للشعايبي وغيره أمام مسؤولياته، والكف عن تغطية الأزمة بالغربال.

في الحادي عشر من شهر حزيران/ يونيو الماضي، أصدر مجلس الجالية المغربية في الخارج بيانا يرد فيه على ما ورد في مقال تحقيقي لجريدة إلموندو الإسبانية. حمل المقال اتهامات لمسؤولين مغاربة، بينهم أمنيون ورئيس مجلس الجالية، بالقيام بعمليات تمويل غير قانونية من خلال التلاعب بمخصصات كان المغرب يرسلها لمراكز إسلامية أوروبية بهدف بناء المساجد وتكوين الأئمة. أهمية الموضوع تكمن في علاقتها بالمجال الاستخباراتي الذي ينشط من خلال تلك المراكز والجمعيات.

وانطلقت تحقيقات الجريدة من خلال وقائع قضية مرفوعة أمام المحاكم الإسبانية أظهرت، حسب الجريدة، تورط زوجات ثلاثة مسؤولين في تحويلات غير قانونية، من خلال علاقة شركة وهمية للنقل يمتلكنها في الديار الإسبانية، بموازاة شركة تنشط في نفس المجال بالرباط يملكها أزواجهن.

انتهت القضية إعلاميا بحديث عن قضية تقدم بها رئيس مجلس الجالية ضد الجريدة. وكما العادة، لم تتحرك السلطات القضائية المغربية للبحث في الموضوع، بالرغم مما يشكلها من اختراق أمني كبير. لكن المركز الأطلسي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني؛ تكفل بترويج وجهة النظر الرسمية في قراءتها لتحرك الصحافة الإسبانية وتغطيتها للقضية، حيث أشار إلى أن الموضوع كله مرتبط بـ"المال الإماراتي المخترق للأوساط اليمينية الأوروبية والصحافة اليمينية الإسبانية على الخصوص".

توسع المركز البحثي في تفسير أسباب الهجمة وربطها بالصراع الإماراتي المغربي على النفوذ على المنظمات الإسلامية في أوروبا، مجسدا في إنشاء الإمارات للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بهدف التأثير على الجاليات المسلمة ومحاربة المذهب المالكي بين صفوفها، تأسيسا لزعامة إسلامية جديدة في أوروبا. وأضاف أن ذكر المسؤولين المغاربة في المقال ما هو إلا ضريبة لمواجهتهم لهذا التمدد الإماراتي المشبوه.

جدير بالذكر أن مدير المركز الأطلسي سبق له العمل قبل سنوات قليلة في مركز بحثي إماراتي، وكان ضيفا مفضلا على قناة سكاي نيوز عربي الإخبارية لتمرير وجهة النظر الإماراتية في مختلف قضايا المنطقة، وخصوصا حصار دولة قطر منذ ما يقرب الثلاث سنوات. تغيير المواقف وتغيير التفسير الاستراتيجي عملة رائجة، لكنها لا تحقق الهدف المنشود منها في غياب فعل ميداني على الأرض، يصون الأفراد المتحركين على الأرض، ويصون قبلهم الحقيقة التي لا مجال للقفز عليها بمجرد صدور بيانات.

العلاقات الإماراتية المغربية تشهد مرحلة قاتمة لا ريب، لكن الاحتماء بسوئها لمواجهة كل الأخبار الواردة من هنا وهناك صار أمرا يحتاج إلى مراجعة أو موقف واضح لا لبس فيه. والمؤسسات القضائية هي الأمثل في إثبات الباطل وإحقاق الحق، مهما علا صوت الباطل أو علت التجاوزات التي لم ولن تكون استثناء مغربيا.
التعليقات (0)