كتاب عربي 21

ثُنائيٌّ مُسْتَفِزٌ.. ولَافِتٌ للنَّظَر

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

قال ألبير كامي: "بين أمي وبين العدالة أنا اختار أمي".. أمَّا أنا فأختار العدالة، لأن فيها حياتي وحياة أمي وحياة الناس.

*  *  *

أتوقف وإياكم عند هذه الواقعة: "صدرت في إسرائيل ثلاثة أحكام بعقوبات على ثلاثة أشخاص في ثلاث حالات: الأولى: قَتَل فيها جنديٌّ فتى فلسطينياً في الخامسة عشرة من عمره، اسمه عثمان رامي حلّس، قتلاً مُتَعَمَّداً، من دون أن يحمل الفتي أي سلاح، أو أن يستفز الجندي، أو يسبب له أذى، أو يعرضه لخطر.. وقتلَه الجندي مِن دون أوامر ولم يكن في وضع "جندي تحت التهديد" كما "يُسمح بالقتل" في دولة العنصرية والاحتلال. 

والثانية حالة جنديٍّ وضَعَ في ثلاجَته الخاصة المُخصصة للَّبَن، بعض قطع من اللحم. والثالثة حالة مدني يهودي هاجم زوجته للمرة الرابعة، ولم يُذكَر بدقة هل ضربها أم لا.

وفي الحالات الثلاث حُكِمَ على كل مِنَ الأشخاص الثلاثة بعقوبة "شهر خدمة مدنية".. فهل يعقل أن تتساوى الأحكام في هذه الحالات الثلاث وتكون" شهرَ خدمةٍ مدنية"؟!.

 

طبيعة الصهيونية
 
لا تعجبوا ففي فلسطين المُحتلَّة يُكافأ الجندي والمُستوطن والإرهابي المتطرف الذي يقتل فلسطينيين أو يحرقهم أحياء وهم نيام في بيوتهم، أو يستولي على أرضهم، أو يتلف أشجار زيتونهم ويمنعهم من جني محصولها، أو يحصدهم بالرصاص في صلاة الفجر وهم ركَّع سجود "مثل باروخ غولدشتاين".. ونادراً ما يُحكَمُ عليه.. وإذا ما حُكم عليه بحكم رمزي تقوم الدنيا ولا تقعد.. والفلسطيني في هذا الوضع هو هدف القتلة، فهو قيد الإبادة وفق المخطط الصهيوني لإلغاء وجود شعب، وليس له في الكيان العنصري الصهيوني وضع الإنسان ذي الحقوق.. 

 

يزداد عجبنا حين نقف على حقيقة سياسات وممارسات وتصرفات الثنائي "ترامب ـ نتنياهو" اللافتة للنظر، الخارقة للقانون، الخارجة عن المألوف، الموغِلَة في العدوان والعنجهية، الصادمة للأخلاقيين والمنطقيين والمعتدلين من السياسيين


تلك هي طبيعة الصهيونية التي أدانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 3379 ـ تاريخ 10 تشرين ثاني (نوفمبر) 1975 الذي نَصَّ بالحرف على: "أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري".. ذاك القرار الذي هَمَّشه أو جَمَّده قرار آخر للجمعية رقمه 46/86، صدر في 16 كانون أول (ديسمبر) 1991م ونصَّ على "إلغاء أن الصهيونية أحد أشكال العنصرية"، وذلك لتوافق إسرائيل على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام. 

وقد شارك في التصويت على قرار الإلغاء بعض العرب لتبدأ في كواليس المؤتمر إرهاصات اتفاق أوسلو السيء الذكر الذي مات ولم يدفَن وأنتج الاستيطان الإجرامي في الضفة وتهويد القدس وذبح غزة وحاصرها وفتح شهية الاحتلال، حيث أكد الإرهابي نتنياهو يوم 8 كانون أول (ديسمبر) الجاري، أنه "حان الوقت لفرض سيادة إسرائيل على غور الأردن وأيضاً شرعنة كل المستوطنات في يهودا والسامرة.. جميعها ستكون جزءاً من دولة إسرائيل.. أريد اعترافاً أمريكياً بسيادتنا على الغور". وأعلن منافسه بني غانتس، "أن الغور سيكون جزءاً من إسرائيل في أي اتفاق مستقبلي."؟! 

 

موقف مُستغرب

ولا يكف الرئيس ترامب المغرم بالصهيونية والعنصرية عن تأييد المطالب "الإسرائيلية"، وشَرْعَنة التوسع والاستيطان، واعتبار قتل الفلسطينيين وسلبهم أرضهم وحقوقهم، وتنفيذ مخطط إبادة معنوي ومادي مستمر ضدهم.. بعضَ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"؟!
 
إن من حقنا أن نعجب مما يجري في عالمنا من دعم شامل للاحتلال والاستيطان والعدوان، واعتبار "اللاصهيونية لا سامية؟! ونستنكره"، وكلتاهما صناعة عنصرية ومخالب صهيونية دامية، وأن نستهجن تبني ذلك من دول تحارب العنصرية، ونضيق بعالمنا وبما يجري فيه حتى لنكاد نتنكر له نظراً لما فيه من طغيان القوة ودعم الطغيان والإجرام والاستثمار في الدم والقتل والإرهاب.. 

 

من حقنا أن نعجب مما يجري في عالمنا من دعم شامل للاحتلال والاستيطان والعدوان، واعتبار "اللاصهيونية لا سامية؟! ونستنكره"، وكلتاهما صناعة عنصرية ومخالب صهيونية دامية،


ويزداد عجبنا حين نقف على حقيقة سياسات وممارسات وتصرفات الثنائي "ترامب ـ نتنياهو" اللافتة للنظر، الخارقة للقانون، الخارجة عن المألوف، الموغِلَة في العدوان والعنجهية، الصادمة للأخلاقيين والمنطقيين والمعتدلين من السياسيين.. لا سيما حين نراه يستمر في مكابرته رغم الاتهام بالفساد، وإساءة استخدام السلطة، وتسخير المنصب لخدمات شخصية ومصالح ذاتية وبقاء في الحكم.. فترامب، كما قال رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي جيري نادلر: "خان الأمانة وعرض أمننا القومي للخطر.. وأساء استخدام السلطة وعرقل عمل الكونغرس.. إن تصرفاته توحي وكأنه أعلن نفسه فوق المساءلة". 

ونتنياهو قدّم بحقه المستشار القانوني لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي مندلبليت، بتاريخ 29 تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي لائحة اتهام بالاحتيال وخيانة الأمانة في ملفي ألْف وألْفين، وتهمة الرشوة في الملف 4000 المعروف بقضية "شركة بيزك ـ موقع واللا"، وقال: "إن القرار بتوجيه لائحة الاتهام جاء بناء على مئات الأدلة التي تراكمت خلال التحقيقات في القضايا الثلاث".. ومع ذلك نجد كلاً منهما يتباهى بعنصريته، ويتهم المشرعين والقضاء والإعلام و.. ويتصرف بشراسة، ويوجه تُهماً يُدان مُطلقُها؟!

 

لسنا وحدنا


لسنا وحدنا، نحن المستهدفين من العنصرييين الصهاينة وحلفائهم، مَن يستنكر هذه السياسات والأفعال والأقوال والجرائم، ويدينها.. مئات الملايين من البشر في كل أنحاء العالم يستنكرونها ويدينونها، وبين أولئك يهود يرفضون الصهيونية لعنصريتها، و"إسرائيليون" يرفضون ممارسة دولتهم للعنصرية والإجرام.. وعندي أن القرار 3379 ما زال هو القرار الأصوب من بين ما اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالعنصرية الصهيونية تضاعفت أضعافاً، ويشهد شهود من أهلها.. فعندما كان القنص الصهيوني يستهدف غزة ويقتل أطفالها وشبابها ونساءها بعنصرية، قال يهودي إسرائيلي: "سجلوا: أنا أوري أفنيري، رقمي العسكري 44410، أرسل بهذا طلاق قطعي للقناصة الذين يقتلون متظاهرين غير مسلحين على طول حدود قطاع غزة، لهم ولقادتهم الذين يصدرون لهم الأوامر من الضابط الصغير وحتى رئيس الأركان. نحن لا ننتمي إلى نفس الجيش. نحن لا ننتمي إلى نفس الدولة.. نحن بالكاد ننتمي إلى نفس الجنس البشري.".. 

وفي نهاية ما كتبه الصحفي اليهودي ـ الإسرائيلي "كوبي نيف" الذي نشر مقالة في هآرتس بتاريخ 10 كانون أول (ديسمبر) الجاري ذكر فيها الأحكام التي صدرت وأشرت إليها، قال: "هل أنتم مستعدون للعيش في دولة فيها عقوبة القتل المتعمّد، وحيازة قطع من اللحم في ثلاجة للألبان، وضرب زوجة للمرة الرابعة.. هي نفس العقوبة؟! ما العمل، هذه بالضبط هي الدولة التي تعيشون فيها".. 

نعم هذه هي "الدولة العنصرية" التي تحتل فلسطين، وتلاحق الفلسطينيين بمسلسل الإبادة المادية والمعنوية منذ أكثر من سبعين عاماً تحت نظر العالم وسمعه.. إنها "الدولة العنصرية" التي يدينها تاريخها، ويدينها ويدين مَن يدعمُها شعبُنا الضحية المنسية الذي ينطبق عليه ما قاله اليهودي "يارون لندن" عن "اليهود والنازيين" في مقال افتتاحي نشره في يديعوت بتاريخ 11 نيسان (أبريل) 2018 تحت عنوان "ذاكرة العالم القصيرة هي كارثتنا".. نعم ذاكرة العالم القصيرة، وذاكرة الكثيرين منا نحن العرب، هي كارثتنا. 

التعليقات (1)
لاجئ سوري
الأربعاء، 18-12-2019 12:54 م
يا رجل ألا ترى معي ان المنطق يفرض علينا جميعا التركيز في هذه المرحلة على قضيتنا السورية أكثر من غيرها حتى لو كان غيرها هذا قضية فلسطين نفسها..!؟ انا أقول ذلك لأن ما طال الفلسطينيين وفلسطين نفسها - وانا هنا لا اقلل من شأنهما - لا يساوي شيء بالمقارنة بما اصابنا في سورية، مع الفارق البسيط وهو ان الذي خلق الكارثة السورية وفعل بسورية وشعبها هو اكثر من رفع شعارات الدفاع عن فلسطين وقضيتها وليس الصهاينة... كم كنا نتمنى على امثالك من الطبقة المثقفة في سورية ان تنزل من برجها العاجي الى ارض الواقع لترى معاناة السوريين على حقيقتها سواء من هم في الداخل او الخارج، وتترك اللغة الخشبية التي صنعتها الأنظمة العربية " القومية " لكسب شيء من الشرعية، تلك الأنظمة التي علمياً اضرت بالقضية الفلسطينية اكثر مما اضر بها الصهاينة انفسهم، وقليل من البحث الموضوعي والعلمي والمحايد لأيٍ كان سيرى هذه الحقيقة بشكل جلي.. وأنا اسأل هنا على سبيل المثال لو لم تكن قضية فلسطين موجودة برأيك هل كان حافظ الأسد الذي لا يملك من مقومات قيادة سورية الا العمالة للخارج والخيانة، والذي غدر بكل من ساعده القريب قبل البعيد، هل كان سيتمكن من الاستمرارية بحكم سورية لغاية اليوم وهو في قبره..!؟ واكثر من ذلك هل كان بالأصل سينجح انقلابه " التخريبي " لولا شعاراته الخلبية عن الصهيونية والإمبريالية وادعاءاته المفضوحة عن التصدي للدولة العبرية، ومن ثم صناعته المقاومة الوظيفية بالتحالف مع الفرس..!؟ يا رجل ايران الفارسية تعادي إسرائيل... بالله عليك انت مقتنع بذلك...!؟ اترك يا أستاذ علي فلسطين للفلسطينيين فهم اقدر على مواجهة إسرائيل وكل الصهاينة، وتحدث عن سورية المدمرة والسوريين المبعثرين في مخيمات البؤس، فما أضر بفلسطين وقضيتهم الا الأنظمة التي كانت ومازالت تدعي مناصرتها .. وامثالكم من المثقفين .. للأسف ......