كتاب عربي 21

القضاء.. وجميع مؤسسات الدولة

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
في يوم الاثنين الماضي الموافق للتاسع من كانون الأول/ ديسمبر 2019، قررت نيابة أمن الدولة العليا في مصر الإفراج عن الناشط السياسي المعروف ونائب رئيس حزب مصر القوية الأستاذ "محمد القصّاص"، وذلك بعد احتجاز دام أكثر من 22 شهرا في سجن انفرادي شديد القسوة، مع منع الزيارة في أغلب الأحيان.

"القصّاص" تم القبض عليه في شباط/ فبراير 2018، بعد أن صرح برأيه السياسي بضرورة مقاطعة الانتخابات الرئاسية، فوجهت له التهم المكررة المتعلقة بنشر الشائعات، ودعم الجماعات.

وبعد أن صدر قرار النيابة بالإفراج عنه بيومين، استدعي "القصّاص" إلى نيابة أمن الدولة لتوجه له تلك النيابة تهما جديدة، ويتم احتجازه على ذمة قضية جديدة إلى ما شاء الله.

الاتهامات التي وجهت للسيد "القصّاص" مضحكة، فهو متهم بعقد اجتماعات داخل سجنه، أي في الفترة التي كان محبوسا فيها انفراديا بيد الدولة!

حدث ذلك مع عشرات المتهمين السياسيين، أشهرهم السيدة علا القرضاوي، حيث صدر قرار نيابة أمن الدولة بالإفراج عنها في الثالث من تموز/ يوليو 2019م، وتم استدعاؤها في اليوم التالي مباشرة، ووجهت لها تهم جديدة، فهي قد استغلت علاقاتها داخل السجن لتمويل الإرهاب، تلك السيدة التي لا تملك حق الذهاب إلى دورة المياه.. توجه لها تهم تمويل الإرهاب وهي في حبس انفرادي منذ مئات الأيام!

* * *

لماذا يتعمد النظام توجيه هذه التهم المضحكة بهذا الشكل الفج؟

أقول "يتعمد".. لأن ما يحدث نهج متكرر، لا يمكن أن يكون صدفة، أو اجتهادا شخصيا لضابط، أو ووكيل نيابة، بل هو سياسة مقصودة، لها أهدافها. سياسة تكررت، وتتكرر.. بشكل لا يمكن أن يكون مجرد صدفة.

إن الهدف الأول من ذلك هو توريط القضاء وإغراقه تماما في معركة السياسة، وتلويث يدي المؤسسة بالدماء المعصومة، وبالمال الحرام، لكي لا يتجرأ أحد في هذه المؤسسة على رفع رأسه أو صوته مطالبا بأي شكل من أشكال استقلال القضاء إلى الأبد.

سيظل كل من يعمل في هذه المؤسسة يرفع صوته مطالبا بمكافآت.. أو بالحماية من الشعب.. ذلك الشعب الذي أصبح في ثأر مباشر مع النيابة العامة، ومع المحاكم بشتى تخصصاتها، تماما مثلما هو في ثأر مع وزارة الداخلية وغيرها من مؤسسات القوة.

* * *

لقد تعمّد "سيسي" أن يورّط مؤسسات الدولة في جرائم الخيانة العظمى، وجرائم الدماء والأموال، ووقفته الشهيرة حين ثار الناس ضد بيع جزيرتي "تيران" و"صنافير" لا يمكن أن ننساها، لقد ورّط جميع المؤسسات في صفقة الخيانة تلك على الهواء مباشرة، وقال بلسانه مختالا متسائلا: "ألا يوجد وطني واحد في الجيش أو المخابرات أو الخارجية يقول إن الجزر مصرية؟ لقد ساندوني جميعا، وحين سألت هذه المؤسسات عن الجزيرتين قالوا جميعا إنها ملك للمملكة السعودية"!

قال ذلك بحضور ممثلين من القيادات العليا لجميع تلك المؤسسات.. ولم ينبس أحدهم ببنت شفة!

وهذا هو الهدف.. أن تصبح جميع مؤسسات الدولة متورطة في الجرائم التي تحدث، فتصطف جميعها خلف هذا العميل لا لتدافع عن عمالته.. بل لتدافع عن نفسها، لأن هذه المؤسسات أصبحت ترى نفسها في مركب واحد معه، وأن خط الرجعة متعذر، وأن ما ارتكبته خيانة عظمى لا تقبل الغفران.

* * *

إن الخلاص من "سيسي" حاليا يحمل في طياته ضرورة إعادة بناء هذه المؤسسات على أسس وطنية؛ تضمن أن لا يتحكم فيها أي قزم يصل إلى رأس السلطة.

وهذا أمر لن يتم إلا بعملية تطهير واسعة النطاق، وبضخ دماء جديدة في هذه المؤسسات، وبضمان إنهاء الاحتكار الذي خلقته هذه المؤسسات للمنضمين لها لكي تحصن نفسها. فغالبية مؤسسات القوة والنفوذ لا يدخلها أي إنسان وطني، بل هي مغلقة تماما على عائلات بعينها، تتوارث المناصب، وإذا دخلها أي شخص بأي طريقة، فلن يجد أي سبيل للترقي في السلم الوظيفي، والاستثناءات تكاد تكون معدومة. وكلما زادت أهمية المؤسسة، كلما زادت استحالة الاستثناءات، وهذا هو السبب الذي يجعلنا متأكدين من أن الغالبية العظمى من قيادات القوات المسلحة المصرية لا تملك أي اعتراض حقيقي على جميع صفقات الخيانة التي تمت في عهد مبارك.. أو في عهد "سيسي".

* * *

مرّت أمم غيرنا بهذه المحنة التي يمر بها الشعب المصري بل الوطن العربي، وكان النجاح في تجاوز هذه المحنة مرتبطا باتحاد المعارضة، وبالتوافق على برنامج عدالة انتقالية صارم، يعيد الحقوق للأمة أفرادا وجماعات ومؤسسات.

ذلك أن هذه المؤسسات هي من حق الأمة.. القضاء، والداخلية والخارجية، والجيش، والشرطة.. إلخ.. هذه مؤسسات بُنيت بأموال وكفاءات الأمة، ومهمتها خدمة الناس، لذلك إعادة هيكلتها هو عمل في صالح الشعب أولا، وليس في صالح الفئة التي تنتمي إلى هذه المؤسسات نفسها.

هل يمكن إصلاح هذه المؤسسات بعد كل هذه الجرائم؟

الإجابة: نعم!

ولكن لا بد من بدء صفحة جديدة، يتولى فيها زمام الأمور رجال مخلصون للوطن، يدهم لم تتلوث بالدماء، وجيوبهم لم تعرف قرشا حراما، وهواتفهم لا تقبل أي مكالمات توصية أو واسطة.

هذه النخبة التي تستطيع أن تقوم بذلك موجودة، وسوف تقوم بهذه المهمة المقدسة قريبا إن شاء الله.. بعز عزيز أو بذل ذليل..

موقع الكتروني: www.arahman.net
التعليقات (1)
مصري جدا
الأحد، 15-12-2019 03:36 م
الفاضل المحترم ... في غالبية بلاد العرب والمسلمين يحدث الاتي .. 1 .. تختزل الدولة في شخص الحاكم وبالتالي اي معارضة للحاكم هي تحريض على إسقاط الدولة وبالتالي هي خيانة عظمى ،،، 2.. تتحول مؤسسات الدولة إلى مؤسسات للنظام ثم في خطوة متقدمة تتحول لمؤسسات تابعة لشخص الحاكم .. تشرعن له ما يريد .. خاصة المؤسسة التشريعية والقضائية والدينية ،،، 3 ... تحدث حالة الفرز التلقائي.. حين يتوارى أصحاب الضمائر والكفاءات فرارا بأنفسهم وطلبا للسلامة ويتصدر المشهد من باع دينه لبس بدنياه بل بدنيا غيره .. في القضاء والإعلام والتشريع والفتوى ،،، 4 .. تملا السجون بالكفاءات والكفايات محدثة فراغا عاما في المجتمع يتمدد فيه الجهلاء والاغبياء والحمقى .. ما يزيد من تراجع المجتمع وتخلفه ،،، 5 .. تتحول قطاعات الشعب إلى طبالين وافاقين يتنافسون على بقايا الفتات وتعيش قطاعات أخرى بين مطلوب ومطارد وخائف يترقب ،،،، 6 .. تعم الأزمة ويعاني الشعب كل الشعب .. .. حتى يستوى الموت والحياة..والصمت والكلام.. هنا ينفجر القدر الذي يغلي وهو مغلق.. لتكون أزمة جديدة وفورة مهلكة..،، .. ربما هناك بقية من ثمن لم يدفع حتى نعيش حياة البشر لا حياة البقر او الحجر ..