قضايا وآراء

في الحاجة إلى مغرب متماسك

امحمد مالكي
1300x600
1300x600

تمّ الإعلان الخميس الماضي (12 كانون الأول/ ديسمبر 2019) عن تشكيلة اللجنة المكلفة بإعداد "مشروع النموذج التنموي الجديد للمغرب"، وقد ضمّت 35 عضوا، إناثاً وذكورا، يُعتبرون جميعاً كفاءات عالية متنوعة، وخبرات متعددة من عالم المعرفة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والفنون من القطاعين العام والخاص، كما أنها جمعت كل الآفاق.

فمن الأعضاء من كانوا في لجان استشارية سابقة، ومنهم من يتحمل راهنا مسؤولية رسمية، كما هو حال رئيسي "المجلس الأعلى للحسابات" و"المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، ومنهم مدراء شركات وجمعيات مهنية، وأكاديميون من داخل المغرب وخارجه. أما سياسيا، فيبدو أن هذه اللجنة اختلفت عن سابقاتها، من حيث انتقاء أعضائها من الأحزاب والتنظيمات السياسية، وإن كان لبعضهم انتماءات حزبية بشكل أو بآخر.

 

يبدو أن هذه اللجنة اختلفت عن سابقاتها، من حيث انتقاء أعضائها من الأحزاب والتنظيمات السياسية، وإن كان لبعضهم انتماءات حزبية بشكل أو بآخر

سبق للعاهل المغربي، بمناسبة خطاب 29 تموز/ يوليو 2019، أن أعلن عن إرادته بتشكيل لجنة استشارية، تُعنى بوضع رؤية جديدة للتنمية في المغرب، كما سبق له في خطب متعددة التأكيد على ضرورة الانكباب على صياغة نموذج جديد للتنمية، يقوم على التوازن والإنصاف، ويتعزز بإعمال ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويعمل على معالجة الاختلالات الحاصلة في مجالات الإدارة، والمجالس المنتخبة والجماعات الترابية.

والحقيقة أن الخطب الملكية الممهدة للإعلان عن مشروع النموذج التنموي الجديد، تضمنت إقراراً صريحا بفشل النموذج التنموي المتبع في المغرب منذ عقود، من حيث عدم قدرته على خلق مغرب التوازن والعدالة والتماسك الاجتماعي، وكذلك من حيث مسؤوليته عن تعاظم الفجوات بين مكونات المجتمع المغربي، والازدياد المضطرد لمؤشرات الفقر، وضعف العدالة المجالية، والتراجع المستمر لرفاه المغاربة وتقهقر شروط المحافظة على كرامتهم.

لم يعد ممكنا الاختلاف حول الحاجة الماسة للمغرب لاجتراح رؤية جديدة لما يجب أن يكون عليه "الإنسان المغربي" في القرن 21، كما لم يعد مقبولاً الدوران في المكان الواحد، وإضاعة الفرص، وهدر الإمكانيات، ومجانبة مواجهة الواقع بحقائقه. ثم إن كل اختلالات المغرب ومواجعه أصبحت معروفة منذ تقرير الخمسينية، وقد غدت فاقعة ومقلقة مع اتساع عمق الفجوات، وامتداد سلبياتها وأضرارها على الإنسان، وجوهر ولائه للدولة، وطبيعة روابطه بمؤسساتها.

 

كل اختلالات المغرب ومواجعه أصبحت معروفة منذ تقرير الخمسينية، وقد غدت فاقعة ومقلقة مع اتساع عمق الفجوات، وامتداد سلبياتها وأضرارها على الإنسان، وجوهر ولائه للدولة، وطبيعة روابطه بمؤسساتها

لذلك، يُعدّ الرهان كبيرا على المُنجز الذي ستُفضي إليه حصيلة أشغال اللجنة، التي حدد العاهل المغربي مهمتها خلال خطاب 20 آب/ أغسطس 2019 في: التقويم والاستباق والاستشراف، وحفزها على "التوجه نحو المستقبل"، وشدد أن يكون عملها موسوماً بـ"الطابع الوطني"، وأكد على أن يكون نموذجها التنموي المقترح "مغربيا- مغربيا خالصاً". فهل ستتوفق لجنة الكفاءات والخبرات والإرادات الخيرة في اقتراح حلول ناجعة وفعالة لإعادة بناء مغرب التماسك، وميلاد إنسان مغربي جديد، مشارك، ومندمج، ومقتنع بأن التنمية التي تجري في بلده تعنيه، كما تعني كافة أقرانه المغاربة؟

سيكون من غير الإنصاف والموضوعية الحكم على ما ستُفضي إليه أعمال اللجنة، كما سيكون من غير المنطقي الحديث عن المستقبل، الذي هو أفق عمل اللجنة، استنادا إلى ما حصل في الماضي من كبوات وخيبات. غير أن الموضوعية نفسها لا تمنع من طرح أسئلة ذات طابع احترازي نقدي، من شأنها توجيه النظر إلى ما يمكن أن يشكل مثبطات أمام عمل اللجنة، أو تحديات قد تحول بين أعضاء اللجنة أو بين بعضهم وصياغة النموذج التنموي المنشود.

 

الموضوعية نفسها لا تمنع من طرح أسئلة ذات طابع احترازي نقدي، من شأنها توجيه النظر إلى ما يمكن أن يشكل مثبطات أمام عمل اللجنة، أو تحديات قد تحول بين أعضاء اللجنة أو بين بعضهم وصياغة النموذج التنموي المنشود

يمكن لكفاءات وخبرات اللجنة استثمار كل طاقاتها وجهودها من أجل صياغة رؤية جديدة للتنمية أكثر واقعية ونجاعة وقابلية للتنفيذ، ويمكنها اقتراح حلول ووسائل ومنظورات خلاقة لإقلاع حقيقي للمغرب.. كل هذا ممكن، ومقدور عليه، وليس عصيّاً على الذكاءالمغربي، كما ليس المغاربة أقل شأنا من غيرهم من المجتمعات التي انطلقت فنجحت تجاربُها، وهي كثيرة، وكانت حتى عقود قليلة أقل منا اقتدارا وكفاءة، لكن الرؤية، كأي رؤية، تحتاج إلى بيئة أو بنية حاضنة، تعي أهمية المشروع الجديد، وتتمثل مراميه، وتلتف باقتناع حول أهدافه ومقاصده، وتعبد الطريق نحو بناء التأييد حول فلسفته وأبعاده. القصد هنا البيئة متعددة المكونات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية.

تحتاج البيئة الحاضنة للنموذج التنموي الجديد إلى خلق مناخ سياسي ونفسي جديد، يُلين علاقات الدولة بالمجتمع، وينزع عنها مظاهر التوتر، ويوسع مساحات الفضاء العام، ويُعيد لحم المواطنين ببيتهم المشترك، لأن استنهاض الاقتصاد وتوابعه عملية مهمة لكن غير كافية في ظل استمرار انكسار النفوس، وتراجع منسوب الولاء للأوطان.

ثم إن بناء اقتصاد عصري وقوي، كي يتحول إلى تنمية إنسانية مستدامة، يحتاج أن يلامسه الناس في حياتهم ومعيشهم اليومي، أي يحتاج لأن يشعر الناس ويعون أن التنمية في بلادهم تهمهم جميعا، ولا تعني ثمارُها فئة محدودة منهم. وكي يولد النموذج التنموي الجديد إنساناً مغربيا جديدا، بوعي ونمط ولاء جديدين، يحتاج إلى وسائل عمل جديدة، وفي صدارتها فرض "قدسية المال العام"، وحماية صرفه، وتجريم المساس به، لأنه بدون اكتساب المال العام هذه الصفات والمتطلبات، لن تستطيع الرؤية التنموية الجديد بلوغ مقاصدها، مهما كانت الإرادات الطيبة للذين وضعوا فلسفتها، وصاغوا أهدافها.

التعليقات (1)
محمد زهير
الإثنين، 16-12-2019 06:27 م
كفاناياأستاذ هيئات ولجان ومجالس لصياغة نماذج تنموية ، مانحتاجه نخب سياسية جديدة بدماء جديدة قادرة على صياغة رؤى تتماشى واحتياجات الوطن ، ما نحتاجه صراحة، هو ضخ دماء جديدة داخل الأحزاب السياسية و خصوصاالديمقراطية منها، بتنقيتها من العناصرالطفيلية ، والانفتاح على الكفاءات الوطنية و ما أحوجناإليها في زمن مغربي ميزته الرداءة،على الأحزاب السياسية أن تبلور نماذج تنموية قادرة على انتشال الوطن من براتن التخلف وأن توفرلها الآليات الكفيلةلتحقيقها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون