أخبار ثقافية

كوستا غفراس.. تحويل السياسة إلى سينما

يغلب على أفلام غفراس نمط "التشويق السياسي" - جيتي
يغلب على أفلام غفراس نمط "التشويق السياسي" - جيتي

في آخر أفلامه "كبار في غرفة" (209، 124 دقيقة)، يبدو المخرج اليوناني كوستا غفراس (1933) كأنه يعود إلى نمط الأفلام التي حقّقت شهرته الأولى في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، خصوصاً فيلميه "زاد" (1969)، و"حالة حصار" (1973). إنه يعيد صياغة تفاصيل الحياة السياسية في ظرف ما ويعيد تركيبها بلغة سينمائية حيوية وقوية، ولعلّه في ذلك أبرع المخرجين، حتى إن بعض النقاد قد باتوا يعرّفون نمطاً سينمائيا انطلاقا من أعماله، يعرف بـ"أفلام التشويق السياسي".

من أجل نقل تلك التفاصيل بدقة ومصداقية، اختار غفراس أن يُسند عمله الأخير على محتوى كتاب لوزير المالية اليوناني السابق يانيس فافوراكيس الذي يسرد تجربته السياسية القصيرة، وهو الذي يعتبر نفسه طارئاً سياسياً وليس محترفاً، في ظرف شائك مع صعود حزبه "سيريزا" إلى الحكم في وقت كانت البلاد تعيش فيه أزمة اقتصادية خانقة بسبب تراكم المديونية، وضغط الدول المانحة بمسك القرار السياسي لليونانيين.

كان من المهم أن يكون بطل الفيلم "طارئاً" على السياسة، حيث أتاح ذلك لغفراس أن يبني عمله على قالب نقدي ساخر، إنه يكشف احتكاك شخص غير متمرّس بـ"النفاق" السياسي السائد في كواليس الدبلوماسية العالمية، وهو نفس الموقع الذي من المفترض أن يكون عليه المتفرّج، وهنا نفهم قوة اختيار المخرج اليوناني لكتاب كي يكون مصدراً لفيلمه.

 

اقرأ أيضا: العثور على ديوان نادر مسروق لحافظ الشيرازي

أما أبرز ما يُحسب لغفراس فهو حسن إدارة الفوضى، فكثيرة هي المشاهد – في مجمل أعماله – التي يظهر فيها عدد كبير من الممثلين، خصوصاً في قاعات الاجتماع أو مظاهرات، وهنا كثيراً ما أظهر قدرة عجيبة في إدارة الممثلين والكاميرا، وخصوصاً الذهاب والإياب بين نسق الحكاية الرئيسية، ومواقف كل الشخصيات التي تتنازع داخل الفيلم.

إن أقرب عمل لـ"كبار في غرفة" في مسيرة غفراس هو "زاد"، والذي يضيء هو الآخر كواليس الحياة السياسية في اليونان من خلال إعادة بناء جريمة سياسية راح ضحيّتها النائب غريغوريس لامبراكيس في 1963. ولعله من الضروري أن نشير هنا إلى أن غفراس وعلى الرغم من حضور المشهد اليوناني في أعماله إلا أنه قد غادر بلده في شبابه ولم يعد ليستقر فيها أبداً حيث يفضّل العيش في فرنسا ومنها يقوم بإنتاج معظم أعماله، مع مرور ناجح في الولايات لمتحدة في سنوات الثمانينيات التي يمكن اعتبارها قمة نجوميته مع أفلام مثل "مفقود" (1982)، و"اليد اليمنى للشيطان" (1988).

هذه المسافة لعلّها كانت تلعب أدوار مهمة في جودة أعمال غفراس، فهو بعيد عن المادة التي يشتغل عليها مثل المتفرّج العالمي، وبالتالي هو يغوص في الواقع اليوناني لكنه يُبقي على نظرته الخارجية التي تساعد المتفرّج في الالتصاق بروح الفيلم.

يُذكر أن غفراس وعلى رغم النجاحات المشار إليها سابقاً في مجال "أفلام التشويق السياسي"، إلا أنه اختار في محطات عديدة من مسيرته أن ينوّع إنتاجه، فجرّب مثلاً الأفلام الاجتماعية ومنها "عدن في الغرب" (2010) وهو عمل تناول فيه مسألة الهجرة، و"أمان" (2002) الذي اشتغل فيه على موضوع الاختلاف المذهبي في المجتمعات الأوروبية.

على الرغم من تقدّمه في السن (86 عاماً حالياً)، فإن كوستا غفراس يبدو في عزّ شبابه وهو ما تؤكّده شهادان الممثلين والتقنيين الذين يديرهم، وأيضاً إصراره على حضور العروض الأولى لفيلمه كما فعل ذلك في "كبار في غرفة" (حضر الشهر الماضي في مصر).


ودون هذا وذاك فإن الفيلم في حدّ ذاته، بحيويته ونسقه المرتفع يعكس روحاً متوثبة لمخرجه وقدرته على المسك بكل التفاصيل من حوله.

التعليقات (1)
morad alamdar
السبت، 18-01-2020 01:31 م
^^ قد يكون النمر و الأسد أكثر قوة و لكن الذئب لا يقدم عروضاً في السيرك ^^ . كل السياسين عبر العالم لديهم وسيلة واحدة مضمونة لجمع الناس : التخويف .. التخويف بأن تصبح مثل سورية ، التخويف من المهاجرين ، التخويف من المسلمين ، التخويف من المكسيكيين ، التخويف من السوفيات ، التخويف من الفقر ، التخويف من الإرهابيين ، التخويف من العرق الأسود .. و الحمقى يصدقون .