قضايا وآراء

الإسلام والرجم (28): العلماء القائلون بأن الرجم تعزير لا حد

عصام تليمة
1300x600
1300x600

ذكرنا في مقالنا السابق العلماء الذين توقفوا في الرجم، ولم يقولوا بأنه حد أو لا، ولكن توقفهم كان أقرب للمراجعة وعدم القبول، وذكرنا منهم إثنين، هما: الشيخ محمد الخضري، والدكتور إسماعيل سالم عبد العال، وهناك فريق ثانٍ قال بأن الرجم تعزير مفوَّض إلى الحاكم حسب ما يرى من المصلحة، فمنهم من قال ذلك مفصلاً قوله وأدلته، وشارحاً وجهة نظره، ذاكراً ما استدل به من أدلة، ومنهم من ذكر اسمه ضمن الموافقين على هذا الرأي، دون كتابة أدلته، أو تفصيل رأيه.
 
هل من قائلٍ من القدامى بذلك؟

ولقد عنيت وبحثت في أقوال القدامى عمّن يكون قد مال إلى نفس الرأي، بتعزيرية الرجم، فلم أجد في كتب المذاهب الفقهية قائلاً به من جمهور الفقهاء، أو نصوا على هذا الرأي منسوباً إلى أصحابه، إلا أني وجدت ابن القيم يشير إلى قول طائفة بأن الرجم سياسة في قضية رجم اليهوديين؛ فذكر ابن القيم أقوال الفقهاء في رجم غير المسلم إذا تحاكم إلى شريعة الإسلام، فقال: "وقالت طائفة: إنما رجمهما بحكم التوراة، قالوا: وسياق القصة صريح في ذلك، وهذا مما لا يجدي عليهم شيئاً البتة، فإنه حكم بينهم بالحق المحض، فيجب اتباعه بكل حال، فماذا بعد الحق إلا الضلال". 

ثم قال ابن القيم: (وقالت طائفة: رجمهما سياسة. وعقب على هذا القول قائلاً: وهذا من أقبح الأقوال، بل رجمهما بحكم الله الذي لا حكم سواه)(1) .

القائلون بذلك في العصر الحديث:

ومن القائلين بهذا الرأي في العصر الحديث علماء كبار، منهم: الشيخ عبد الوهاب خلاف، والأستاذ محمد البنا، والشيخ مصطفى الزرقا، ود. يوسف القرضاوي. وهؤلاء لهم آراء أو بحوث مكتوبة في الموضوع، وأدلة على ما قالوا به.

ومن العلماء من قال برأيهم لكنه نقل عنه نقلاً، دون نقل لأدلته، إما لأنه قال رأيه شفهياً، وأسرّ به إلى أحد تلامذته، أو في جلسة لم تدون وقائع النقاش فيها؛ ومن هؤلاء: المرحوم العلامة الشيخ محمود شلتوت(2) ، والشيخ علي الخفيف(3) ، والشيخ علي حسب الله(4) . وأذكر الآن من قالوا بهذا القول وأدلتهم. 

1 ـ عبد الوهاب خلاف:

من القائلين بأن الرجم تعزير وسياسة، متروك للحاكم: الشيخ العلامة عبد الوهاب خلاف رحمه الله، إذ قال في ندوة عقدت بمقر مجلة (لواء الإسلام) في القاهرة:
 
"أوافق على أن السنة، سواء أكانت متواترة، أو مشهورة، أو أحاديث الآحاد، تخصص عام القرآن، لأن التخصيص هو تبيين للمراد من لفظ العام، والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أعطى رسوله صلى الله عليه وسلم سلطة تبيين المراد، فقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}. 

والذي أريد أن أقرره في هذا أنه قد اشتهر على ألسنة المسلمين في مختلف العصور: أن التخصيص لعموم قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} النور: 2، هو آية نسخت تلاوتها وبقي حكمها، ويروون في هذا حديثاً عن عمر رضي الله عنه: "كنا نقرأ آية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله". 

 

إذا كانت السنة أنشأت حكماً جديداً في عقوبة الزاني المحصَن، فإن هذا ليس مخالفاً، بل هو من التفويض الذي فوَّضه المولى جلَّ شأنه لنبيّه صلى الله عليه وسلم،


وأنا قرأت هذا الحديث بكل رواياته، والذي استقرَّ في نفسي أنه حديث مضطرب، وأنا لا أؤمن بأن آية في القرآن تنسخ تلاوتها ويبقى حكمها، وإذا صدقنا مثل هذا وأننا كنا نقرأ، وهذه الآية لا وجود لها في المصحف المنقول تواتراً، فهذا يفتح باب الريبة والشك. ورأيي أن هذه الرواية بهذه الصيغة مما روّجه المنافقون الذين دخلوا في الإسلام لا حباً فيه ولكن ليكيدوا له. 

ومثل هذه الرواية ما يروونه في بعض الأحاديث: "كنا نقرأ سورة الأحزاب قدر سورة البقرة"، فهذه في رأيي كلها روايات تفتح باب الشك والريب، وأنا شخصياً لا أطمئن إلى الوثوق برواية منها.

والذي يمكن الاستناد إليه في تخصيص عموم الزاني والزانية أمران:
 
أولاً ـ حديث قوليٌّ وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

والأمر الثاني ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية. وفي رأيي: أن هذا الحديث القولي، وهذه الحادثة العملية، ليست نصاً قطعيّاً في الرجم.

وفي القرآن الكريم ما يدل على ما أستند إليه، وهو قوله تعالى في شأن الإماء: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}، فالآية تقرُّر: أن عقوبة الأمة إذا زنت نصف عقوبة الحرة إذا زنت، والرجم لا يتنصف، فالآية تدل بطريق الإشارة على أن عقوبة المحصنة الجلد، وعلى ذلك فالذي أراه: أن ظاهر آية سورة النور، وهي قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} ظاهرها العموم، وأنه لا فرق بين محصن وغير محصن، وإشارة آية سورة النساء: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} أن المحصنة حدها الجلد لا الرجم. 

وعلى هذا أرى: أن رجم ماعز والغامدية كان سياسةً لا حداً، وأنَّ حديث: "والثيب الزاني" كان للتشنيع والتهويل، ولم يكن حداً أيضاً، وحد الزاني والزانية الجلد، سواء كان محصناً أو غير محصن. وهذا خلاف ما سار عليه جمهور المسلمين في مختلف العصور)(5) .

2 ـ محمد البنا:

ويرى الشيخ محمد البنا أيضا: أن الرجم تعزير من باب إدخاله في باب (الحرابة) والإفساد الاجتماعي، وقد كان مشاركاً في نفس الندوة التي أعلن فيها الشيخ خلاف برأيه، فقال:

(القرآن في أحكامه جاء عاماً في أكثرها ولم يفصُّل إلا في القليل، حتى في العبادات نفسها كالصلاة والزكاة والحج كلها أوامر عامة، والذي فصَّلها وخَصَّصَها هو السنة تطبيقاً لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، فكان النبيِّ صلى الله عليه وسلم مفوَّضاً من قِبَلِ المولى في هذا التبيين، ويكون هذا التبيين مُلحَقاً بالقرآن، ومثله في التشريع الحديث ـ ولله ولرسوله المثل الأعلى ـ كالقانون، واللوائح الداخلية المفسّرة للقوانين، وهي ملحقة بها، وليس ببعيد أن نعتقد أن السنة تبيُّن القرآن وتخصُّصه، وهذا واقع.
 
فإذا كانت السنة أنشأت حكماً جديداً في عقوبة الزاني المحصَن، فإن هذا ليس مخالفاً، بل هو من التفويض الذي فوَّضه المولى جلَّ شأنه لنبيّه صلى الله عليه وسلم، والسنة ها هنا مستفيضة لأنَّ حديث ماعز مروي وهو حديث صحيح، وأكثر المسلمين يقولون إنّ السنة العملية جَرَت على رجم الزاني المحصن.
 
وقد رأيت من العلماء من أنكر هذا الرجم وقال: إنه ليس بوارد، وإن ما جاء من الآية المنسوخة التي يزعمون أنها نُسِخَت لا أصل لها، ورجم ماعز ليس تشريعاً عاماً، وإنما طبق النبي صلى الله عليه وسلم فيه نص القرآن: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض}. 

قال: إن هذا الزاني المحصن هو الذي ينطبق عليه أنه يحارب الله ورسوله، لأنَّ إقدامه على هذه الجريمة مع عدم احتياجه إليها دليلٌ على شرٍّ كامنٍ في نفسه، وعلى أنه خارج على أوامر الله ورسوله. 

كل مجاهر بمعصيته مفسد في الأرض ومحارب لله ورسوله، وليس في الآية ما يدل على أنها خاصَّة بقاطع الطريق، بل قاطع الطريق فردٌ من أفراد المحاربين، فإذا كان هناك من يرتكب هذه المحاربة بأي معصية أخرى أياً كان شكلها يستحق هذه العقوبة.

هذا ما رأيته لبعض هؤلاء العلماء، وهو ليس ببعيد عن الفهم، وهو يلتقي مع ما قاله أستاذنا خلاف في أن رجم ماعز كان تعزيراً سياسياً خاصاً به.

والذي أميل سداً لباب التشكيك والريب في القرآن أن يقال: إنه لم تكن هناك آية، وليس هناك نسخ للتلاوة مع بقاء الحكم كما يقولون، وإن رجم الزاني المحصن أمر مفوَّض للإمام، له أن يرجحه إذا رآه خطراً على الحالة الاجتماعية، وله أن يحده حد زانٍ، وله أن يعزره بأي صورة من صور التعزير)(6) .

هذان عالمان كبيران من علماء الشريعة في العصر الحديث، قالا رأيهما: أن الرجم ليس حدا، بل هو تعزير، وقال برأيهما آخرون، وفي ندوة علمية حضرها علماء كبار كالشيخ محمد أبي زهرة وشيخ الأزهر محمد الخضر حسين، وغيرهم علماء كبار، وأعلنا برأيهما ولم يطعن أحد في دينهما، ولم ينل منهما أحد. 

الهوامش:

1 ـ انظر: زاد المعاد لابن القيم (5/33).
2 ـ انظر: فتاوى الزرقا، ص 394.
3 ـ انظر: نظام التجريم والعقاب في الإسلام للمستشار علي علي منصور، ص: 173.
4 ـ نقل هذا الرأي المرحوم الدكتور إسماعيل سالم عبد العال عن الشيخ علي حسب الله، وقال: إنه سجل رأيه كتابة في ربيع الآخر سنة 1394هـ - أيار/مايو سنة 1974م. انظر: (نفاة الرجم وفقه آية التنصيف) للدكتور إسماعيل سالم عبد العال، ص 5.
6،5 ـ انظر: ندوة مجلة (لواء الإسلام) عن (رجم المحصن وشرعيته)، المنشورة في مجلة (لواء الإسلام)، العدد السادس من السنة الثامنة، الصادر في صفر سنة 1374هـ - تشرين الأول/أكتوبر سنة 1954م. وقد دلني عليها صديقنا الشيخ مجد مكي.

[email protected]

التعليقات (2)
الجمعة، 24-01-2020 12:42 م
أي آراء وأي فقهاء تجهد نفسك في البحث عنها ياشيخ؟ هل تسمح نفسك بالإستماع لأحد بعد قول الله سبحانه وتعالى في أول سورة النور سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات.... سورة منزله وفرض الله مافيها وبينه بجلد الزاني والزانية ثم تبحثون في أقوال وآراء وأحاديث مزعومه؟ هل نؤمن بكتاب الله وبكلماته والكتاب الذي أنزل علينا ام نؤمن بالشيخ والفقهاء والمحدثين؟ هل نتخذ احبارنا ورهباننا اربابا من دون الله ساء ماتحكمون
معتز نويرة
الجمعة، 24-01-2020 07:50 ص
هل موضوع الرجم يقع في فقه الاولويات، اي احد اهم مشاكل المسلمين في العصر الحالي؟!. يا عربي 21 اهتموا بالتحديات التي تواجه المسلمين و العرب في زمن ضاعت فيه الحقوق و القيم و المباديء و الأوطان، في زمن قد يواجه العرب فيه مصير الهنود الحمر