قضايا وآراء

الصراع على إدلب

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

قال فيلسوف الحرب الصيني القديم سو شو: إن الانتصار أو الهزيمة تتحدد في كل حرب قبل أن تبدأ، حيث جميع العوامل التي تقرر نتيجة الصراع تكون متواجدة في الجغرافية وفي القوة العسكرية وفي عقل صناع القرار.

ربما تكون معارك إدلب تجسيدا دقيقا لهذه المقولة، فموازين القوى بين فصائل المعارضة والنظام السوري المدعوم إيرانيا وروسيا، لا تسمح بمنحنا فرصة للتكهن حول نتائج المعركة.

موازين القوى العسكرية

تقود روسيا العمليات العسكرية بشكل مباشر ليس فقط على صعيد الجو، بل أيضا على صعيد الأرض، مع تقسيم للعمل العسكري بين الإيرانيين ومليشياتهم وقوات النظام السوري.

في محور ريف إدلب الجنوبي والشرقي تتمثل الغلبة لقوات النظام (الفرقة 25 مهام خاصة التي يرأسها سهيل الحسن، قوات من الفرقة الرابعة، الفرقة 30، الفرقة 11)، فيما يقوم "الفيلق الخامس السوري" التابع لروسيا وعناصر من "الدفاع الوطني" بالقتال إلى جانب قوات النظام.

في أرياف حلب الجنوبية والغربية والشمالية الغربية، تلعب الميليشيات التابعة لإيران الدور الرئيس في المعارك (النجباء، فاطميون، لواء بدر، عصائب أهل الحق، كتائب أهل الحق، كتائب الإمام علي، قوات المرتضى، زينبيون، نبل والزهراء، الغيث، حزب الله اللبناني).

يتجاوز عديد هذه القوات الخمسين ألف مقاتل، وقد يكون هذا الرقم يوازي عديد المقاتلين في محافظة إدلب، لكن مع معدات عسكرية ثقيلة ومتطورة ومع هيمنة طيران حربي متطور في الجو، يشكل هذا الرقم قوة عسكرية كبيرة جدا وفق المعطيات العسكرية لدى المعارضة. 


في مقابل هذه القوات، يقتصر قتال المعارضة على مجموعات قليلة، منها فصائل شحشبو، فصائل جبل الزاوية، فصائل معرة النعمان وغيرها، فيما منعت "هيئة تحرير الشام" بعض الفصائل من عبور إدلب لقتال قوات النظام.

سيناريوهات المعركة

بدأت قوات النظام السوري معركتها في محافظة إدلب العام الماضي بالسيطرة على مدينة خان شيخون التي تعتبر بوابة المحافظة وسدها الأول المنيع تجاه قوات النظام القادمة من ريف حماة الشمالي.

بعد السيطرة على هذه المدينة، بدا واضحا أن أي معركة مقبلة ستكون بهدف السيطرة معرة النعمان وسراقب وجسر الشغور.

 

في أرياف حلب الجنوبية والغربية والشمالية الغربية، تلعب الميليشيات التابعة لإيران الدور الرئيس في المعارك


ولما كانت السيطرة على المدينة الأخيرة في غرب المحافظة تتطلب اقتحام النظام لمحور الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، فقد أدار النظام وجهته عن هذه المدينة لعجزه اقتحام محور الكبانة.

نتيجة عجزه هذا، اتجه النظام السوري من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، حيث تحول ريفي حلب الجنوبي والغربي إلى احد المحاور الرئيسية للهجوم على إدلب، فيما بقي المحور الجنوبي من المحافظة المحور الرئيسي الثاني.

يمر الطريقان الدوليان M4 حلب ـ اللاذقية / M5 حلب ـ دمشق، في محافظة إدلب من ثلاث مدن رئيسية: خان شيخون، معرة النعمان، سراقب، وتتميز المدينة الأخيرة في أن الطريقين يلتقيان فيها، فهي عقدة المواصلات الأساسية.

ووفقا لطبيعة محاور الهجوم، فإن مدينة سراقب ستكون هدفا سريعا لقوات النظام وحلفائها بعدما سيطروا على معرة النعمان مؤخرا.

من الناحية الاستراتيجية لا العسكرية، لا تشكل هذه المناطق بما فيها سراقب أهمية لتركيا، فهي مناطق بعيدة عن حدودها وعن مناطق سيطرتها داخل الجغرافية السورية.

وفق اتفاق مناطق خفض التصعيد بين روسيا وتركيا ـ يجد أساسه في تقارير مؤسسة راند الأمريكية "خطة سلام من أجل سورية" ـ يجب إنشاء مناطق خفض تصعيد أربعة كمقدمة لعودتها تدريجيا إلى النظام السوري ضمن استراتيجية الحل من الأسفل، على أن يجري في خطوة تالية وضع فصائل المعارضة في منطقة جغرافية واحدة (إدلب) وتحت هيمنة دولة واحدة (تركيا).

هذه الأهداف تحققت تماما، وشمالي إدلب مع مناطق "غصن الزيتون" و"درع الفرات" و"نبع السلام"، كافية لتحقيق الهدف الأخير المتمثل في حصر الفصائل ضمن جغرافية محددة.

ما بعد سراقب

أما ما بعد سراقب، فهذا سؤال معقد ويصعب توقع سيناريو معين حياله، فما بعد سراقب يعني السيطرة على مدينة إدلب التي يمر بها أربعة طرق شبه رئيسية.

إن تحميل الرئيس التركي المسؤولية لروسيا بعدم التزامها باتفاق سوتشي يحمل دلالة هنا، فهذه هي أول مرة يتحدث فيها أردوغان عن عدم التزام روسيا بالاتفاق، مقارنة بالأشهر الطويلة الماضية التي كانت وحدها موسكو تحمل أنقرة المسؤولية عن عدم تطبيق اتفاق سوتشي.

 

مدينة إدلب تشكل ثقلا سكانيا، والسيطرة عليها من قبل النظام تعني انتقال نحو مليونين نسمة إلى الشمال حيث البنى التحتية والموارد المتاحة لا تسمح بتقبل هذه الأعداد


هذا التصريح الجديد للرئيس التركي يحمل مخاوف من أن يكون الروس قد قرروا تجاوز سراقب والتوجه نحو مدينة إدلب، وبالتالي تجاوز قضية الطرق الدولية المنصوص عليها في اتفاق سوتشي.

طبيعة العلاقات بين روسيا وتركيا قد لا تسمح بتنفيذ سيناريو ما بعد سراقب، ذلك أن مدينة إدلب تشكل ثقلا سكانيا، والسيطرة عليها من قبل النظام تعني انتقال نحو مليونين نسمة إلى الشمال حيث البنى التحتية والموارد المتاحة لا تسمح بتقبل هذه الأعداد، وبالتالي تفجير أزمة إنسانية ستكون حملا كبيرا على تركيا.

ما تزال روسيا تفرض قوتها العسكرية في المساحة الممكنة لا في المساحات الجغرافية المستحيلة، وما دون شمالي محافظة إدلب يبقى ضمن دائرة المساحات الممكنة.

كاتب ومحلل سياسي

التعليقات (0)