كتاب عربي 21

التوتر التركي- الروسي وإمارة الجولاني في إدلب

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600

دخلت العلاقات التركية- الروسية مرحلة غير مسبوقة من التوتر، عقب هجوم قوات النظام السوري على منطقة إدلب بدعم من القوات الجوية الرسية، والتي نتج عنها سيطرة النظام على مساحات واسعة ونزوح قرابة مليون سوري.

وقد حشدت تركيا قوات غير مسبوقة للحيلولة دون سيطرة قوات النظام على إدلب. وفي الوقت الذي تأزمت فيه العلاقة بين أردوغان وبوتين، كان الجولاني مطمئنا في إمارته ويجري لقاء صحفيا مع "مجموعة الأزمات الدولية"، فهو على يقين من أن المصالح التركية- الروسية أعمق من أن تفسدها "إمارة إدلب". ويبدو أن الجولاني محق في الوقت الحالي، فالقمة الرباعية المنتظرة حول إدلب، التي ستجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون، في 5 آذار/ مارس المقبل، سوف تحول دون اجتياح إدلب، لكن رهان الجولاني على الوقت سيتبدد سريعا، فقد حانت ساعة الحقيقة حول اتفاق "سوتشي"، ولم تعد إدلب تحتمل بقاء هيئة الجولاني.

عقب مواقفها تجاه ثورات الربيع العربي والثورات المضادة، عجزت تركيا عن تحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة، وخسرت الثقة بحلفائها في حلف الناتو، ووجدت نفسها وحيدة في سوريا، ورهينة لتقلبات المزاج الروسي. فتاريخيا، تُعد روسيا أبرز الأعداء الجيوسياسيين لتركيا، حسب سونر چاغاپتاي، غير أن بوتين تراجع عمدا عن هذا الموقف سعيا منه إلى دق إسفين بين أعضاء حلف "الناتو". وفي إطار هذا التغير في المواقف، دعم بوتين وأردوغان الانفراج في العلاقات، وعقدا اتفاقات بشأن المسائل الأمنية، كشراء تركيا لأنظمة الدفاع الصاروخي الروسية "S-400" وتجنبا المواجهة في مساعيهما العسكرية في المنطقة، أولا في سوريا، ولاحقا في ليبيا.

 

الرئيس التركي يدرك جيدا أنه يجب أن لا يخسر العلاقة الجيدة التي تجمعه بروسيا، في ظل حالة العداء التي تصدر عن الكونغرس الأمريكي تجاه سياسات ومواقف تركيا في المنطقة، وعدم الاكتراث الأمريكي بالملف السوري

ثمة إدراك لدى تركيا بأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تتعامل مع تركيا بطريقة لائقة كحلفاء، بل تعمل على توريطها. ولا يعدو تأكيد حلف الناتو على الوقوف إلى جانب تركيا، بنشره على "تويتر" فيديو بوسم "تركيا هي الناتو"، عن كونه رطانة بلاغية فارغة، ولذلك فالرئيس التركي يدرك جيدا أنه يجب أن لا يخسر العلاقة الجيدة التي تجمعه بروسيا، في ظل حالة العداء التي تصدر عن الكونغرس الأمريكي تجاه سياسات ومواقف تركيا في المنطقة، وعدم الاكتراث الأمريكي بالملف السوري. وقد اعتبر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، أن "موقف حلف شمال الأطلسي وحلفاء تركيا تجاه إدلب غير كاف، وغير مقبول".

في سياق العلاقة المتشنجة بين تركيا وحلفائها المفترضين في الناتو، سوف تعمل تركيا وروسيا على التوصل لتفاهمات جديدة حول مصير إدلب. فنظرا لمصالحهم المتضاربة إلى حد كبير في الشرق الأوسط، يواجه التعاون الروسي والتركي حدودا حقيقية، حسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية. فعلى الرغم من أن الدولتين ستستمران على الأرجح كشريكين، ستكون هناك الكثير من الفرص للغرب لاستغلال خلافاتهما من قبل الولايات المتحدة. وقد يكون أسهل تلك الطرق استغلال خلاف تركيا وروسيا بشأن مستقبل محافظة إدلب السورية، فلكل من تركيا والغرب مصلحة في منع أي هجوم عسكري روسي واسع النطاق في هذه المقاطعة. إذ يمكن أن تؤدي مثل هذه العملية إلى كارثة إنسانية، وتدفع أعدادا كبيرة من اللاجئين نحو حدود تركيا. ومما لا شك فيه أن العلاقات التركية الغربية شهدت تغيرا كبيرا في السنوات الأخيرة ولن يعود الوضع القديم، ومع ذلك لن تنقطع العلاقة لأن علاقات تركيا مع روسيا في أفضل الأحوال فضفاضة.

 

في سياق العلاقة المتشنجة بين تركيا وحلفائها المفترضين في الناتو، سوف تعمل تركيا وروسيا على التوصل لتفاهمات جديدة حول مصير إدلب

لا تخرج الحملة العسكرية الحالية شمال غرب سوريا عن كونها فصلا آخر قبل المعركة النهائية في إدلب، قبل الوصول إلى المعركة النهائية. فهذه الحملة سوف تعمل على السيطرة على طريقي "إم 5" و"إم 4" الحيويين، على نحو يتيح لدمشق وموسكو انتصارا في سوريا. فأهداف النظام من الهجوم على محافظة إدلب خلال الأسابيع القليلة الماضية، حسب صحيفة "كوميرسانت" الروسية، هي وصول النظام إلى الطريق الدولي الواصل بين دمشق وحلب والمعروف باسم "إم 5". فالعمليات العسكرية التي أطلقها النظام نهاية نيسان/ أبريل الماضي سوف تستمر حتى السيطرة على الطريق الاستراتيجي الذي يربط بين مدينتي حلب ودمشق، وتمر أجزاء منه في ريف إدلب". ويعتبر طريق "أم 5" من أهم الطرق لدى النظام كونه يربط بين أهم مدينتين سوريتين هما حلب ودمشق، مرورا بحمص وإدلب وحماة.

لا يزال من المبكر الحديث عن معركة شاملة على إدلب، رغم أن الأساس النظري للحملة الشاملة تضمنته تفاهمات "أستانا" و"سوتشي"، بالالتزام بالتخلص من الحركات الموسومة بالإرهابية دون تمييز بين نهجين جهاديين، أحدهما محلي براغماتي تقوده هيئة "تحرير الشام"، وثانيهما عالمي راديكالي تمثله جماعة "حراس الدين". ورغم وجود خلافات أيديولوجية ومنافسات استراتيجية بين مكونات الحالة الجهادية في شمال غرب سوريا، لكنها لا تتجه نحو الصدام، ذلك أن المواجهة العسكرية بين الجماعات الجهادية ترتبط غالبا بمواضعات وأجندة دولية، وذلك يتطلب صفقة مع أحد الأطراف، وهو ما يزال بعيدا رغم سعي هيئة "تحرير الشام" لتقديم نفسها كقوة سياسية بعد أن فرضت نفسها كقوة قتالية، وهي مسألة يحاول الأتراك تسويقها على روسيا التي تصر على عودة إدلب وبقية المناطق للسيادة السورية سلما أو حربا، فاتفاق سوتشي أجّل مسألة الحرب ولم يلغها تماما.

تدرك روسيا أن تركيا قادرة على عرقلة عملياتها شمال غرب سوريا، وأن ديناميات أستانا وسوتشي بين البلدين هي السبيل الأمثل. وقد ظهر ذلك جليا بعد رفض روسيا وقف الهجوم، حيث باشرت تركيا دعمها لفصائل المعارضة في "الجبهة الوطنية للتحرير"، وزودتها بأسلحة نوعية، ودفعت فصائل امتنعت عن المشاركة في البدية إلى الانخراط في المعركة، حيث وصل "الحزب الإسلامي التركستاني" إلى جبهات المعرة، ومعه تنظيمات وتشكيلات جهادية أخرى، ودخل أكبر تشكيلين مسلحين في إدلب، وهما "هيئة تحرير الشام" و"فيلق الشام"، على خط المواجهة، إضافة إلى غرفة "وحرض المؤمنين" بقيادة "حراس الدين".

 

توتر العلاقة بين تركيا وروسيا لا يمكن أن يصل حد القطيعة، لكنه سوف يحدد أكثر طبيعة حل معضلة إدلب، ووضع حد لفصول إمارة الجولاني ومغامرته. ولن تفلح هذه المرة رهانات الجولاني وألعابه

إن توتر العلاقة بين تركيا وروسيا لا يمكن أن يصل حد القطيعة، لكنه سوف يحدد أكثر طبيعة حل معضلة إدلب، ووضع حد لفصول إمارة الجولاني ومغامرته. ولن تفلح هذه المرة رهانات الجولاني وألعابه، ذلك أن "هيئة تحرير الشام" موصومة بالإرهاب من كافة الأطراف الأمريكية والروسية والتركية، ولا يمكن إعادة إنتاجها من خلال تصريحات "بهلوانية" متذاكية، كتلك التي أدلى بها "أبو محمد الجولاني" زعيم هيئة تحرير الشام في إدلب لمجموعة الأزمات الدولية ومركز الحوار الإنساني في جنيف في أواخر كانون الأول/ يناير الماضي، ونشرت الخميس الماضي (20 شباط/ فبراير الجاري)، بتقديم الهيئة نفسها اليوم كمجموعة محلية مستقلة عن القاعدة مع أجندة سورية بحتة وليست عابرة للحدود. فعلى مدى سنوات برهنت الهيئة عن عجزها عن الاندماج مع مكونات محلية معتدلة، ولم تفلح الجهود التركية باقناعها بالذوبان في "الجيش الوطني"، والدخول في العملية السياسية.

خلاصة القول أن العلاقة التركية- الروسية المتوترة لا يمكن أن تصل حد الصدام المباشر، نظرا للمصالح الكبيرة التي باتت تربط بين البلدين، وتربص الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالإيقاع بينهما. إذ لا يمكن التضحية بالمصالح التركية- الروسية بملف إدلب، وسوف يتوصل الطرفان إلى تفاهمات جديدة. فدينامية أستانا- سوتشي أفضل الخيارات الممكنة حول مصير إدلب، ولكن ضمن منظورات واقعية. فلا يمكن لروسيا أن تبقى متمسكة بمسؤولية تركيا وحدها بالتخلص من هيئة تحرير الشام والجماعات المصنفة منظمات إرهابية، ولا بد من التوصل لآليات مشتركة للتخلص من هذه الجماعات، أو دفعها للانخراط في مسارات تصالحية، وليس استخدامها ذريعة لتحقيق مكاسب سياسية تكتيكية دون الاعتبار للكلفة الإنسانية والمادية، والقضايا الاستراتيجية. إذ يدرك الجميع أن اجتياح إدلب يعني نهاية العملية السياسية، وخلق مأساة إنسانية، ومشكلة لجوء، والأهم يعيد إحياء أيديولوجية الجهادية العالمية من خلال ردكلة مجتمع الثورة السورية.

التعليقات (1)
احمد
الثلاثاء، 25-02-2020 07:03 ص
هاد الكاتب حاقد عالاسلام بعرفوا تخصص طعن بكل الحركات الاسلامية