صحافة دولية

"عربي21" تنفرد بترجمة ملخص كتاب عن ابن سلمان والسلطة (6)

الكتاب: ابن سلمان مجرد متبدئ خبرته قصيرة ولا تتوافق مع طموحاته- جيتي
الكتاب: ابن سلمان مجرد متبدئ خبرته قصيرة ولا تتوافق مع طموحاته- جيتي

تستكمل "عربي21"، نشر مقتطفات صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، لأهم ما جاء في كتاب "إم بي إس: صعود محمد بن سلمان إلى السلطة"، الذي ألفه بن هوبارد مدير مكتب الصحيفة في بيروت، ونشره قبل أسابيع.

وتنفرد "عربي21" بنشر ترجمة كاملة لهذه المقتطفات في عدة حلقات، بحيث تنشر حلقة يوميا.

وأثار الكتاب ضجة كبيرة عند نشره، نظرا لأهمية الكتاب، ولاحتوائه على معلومات مثيرة عن صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من الظل إلى السلطة.

وفي ما يأتي الحلقة السادسة والأخيرة من هذه المقتطفات كما تقدمها "عربي21":

قد يبدو لمن هم في الخارج أن جميع أفراد العائلة الملكية أثرياء، إلا أن ثمة تباينات شاسعة داخل العائلة، وكان محمد بن سلمان، تارة أخرى، دون الذروة بكثير. 

رغم أن والده كان شخصية شهيرة، إلا أن محمد بن سلمان أدرك في مقتبل شبابه أن والده مقارنة بغيره من كبار الأمراء لم يكن صاحب ثروة. وما أن نضج ودخل مرحلة الرجولة حتى بدأت الفوارق في الثروة تؤلمه، حيث كان أبناء عمومته يهبطون على العواصم الأوروبية يصطحبون معهم أساطيل السيارات الفارهة وأفراد الحاشية الذين كانوا يحتلون فنادق بأسرها. كانت المبالغ النقدية التي يحملها أعضاء الأسرة الملكية تذهب بالألباب، تمكنهم من شراء البيوت التي تستهويهم، ومن الاتصال بمتجر هارودز حتى يرسل رجل مبيعاته إليهم مصطحباً معه صناديق الجواهر لتتخير منها زوجاتهم وبناتهم.

 

تجدهم يعطون عامل الفندق إكرامية بقيمة ألف دولار، ويوزعون على أفراد حاشيتهم رزماً نقدية الواحدة بمائة ألف دولار إذا ما صدف وجودهم قريباً من أحد أندية القمار، وقد ينفق الواحد منهم 400 ألف دولار على ساعات يشتريها في جولة تسوق واحدة.   

جزء مما يدفعه أفراد الأسرة الملكية يكون في العادة ثمناً لحماية أنفسهم من أن تصبح أنماط حياتهم وعادات إنفاقهم مكشوفة أمام عامة الناس، ومع ذلك لا مفر من أن تتسرب بعض التفاصيل. تعتبر ماربيا، على ساحل إسبانيا المعروف باسم كوستا ديل سول، وجهة مفضلة في مواسم الصيف، وبات اقتصاد النخبة فيها تحرك عجلته تلك الأموال التي ينفقها أفراد الأسرة الملكية هناك، والذين كان بعضهم ينصب موائد طعام يقدم فيها لحم الغنم والمحار والكافيار بتكلفة تصل إلى ألف دولار للشخص الواحد. وكانت فواتير الفنادق المنتفخة أصلاً تتضاعف أرقامها بما يضاف إليها من تكاليف استئجار القوارب والطائرات العمودية والطائرات النفاثة الخاصة.

 

معظم أفراد الأسرة الملكية مسالكهم جيدة في الأماكن العامة إلا أن العاملين في خدمات الضيافة لاحظوا أن كثيراً منهم ينغمسون في إسبانيا فيما هو محظور عليهم من متع داخل بلدهم مثل احتساء الخمور وأكل لحم الخنزير وقضاء الليل في الحفلات التي تستمر حتى الصباح.

كتب أحد الصحفيين المحليين عن ذلك يقول: "في ساعات الصباح الأولى، تبدو ردهات بعض الفنادق كما لو كانت منصات لعارضات الأزياء".

وفي بعض الأوقات تتسبب الفضائح في جذب الأنظار إلى مواطن فساد أفراد الأسرة الملكية. خذ على سبيل المثال مها السديري التي تركت فاتورة غير مدفوعة في باريس بقيمة 20 مليون دولار، منها تقريباً 400 ألف دولار لشركة سيارات أجرة فاخرة و 100 آلف دولار لمتجر يبيع الملابس الداخلية النسائية. عادت بعد ثلاثة أعوام وحاولت الخروج تسللاً دون أن تدفع فاتورة بمبلغ سبعة ملايين دولار مستحقة لفندق شانغري لا أوتيل، حيث كانت هي وحاشيتها يحتلون 41 غرفة لخمسة شهور. وبعد عام، احتفل ابنها بتخرجه بأن حجز أقسام كاملة من ديزني لاند في باريس، حيث استمتع هو والعشرات من ضيوفه بعروض قدمتها لهم شخصيات ديزني النادرة. وكانت فاتورة تلك الحفلة التي استمرت ثلاثة أيام 19.5 مليون دولار. 

لم تكن مثل تلك الأموال متوفرة لدى محمد بن سلمان، ولكنه بدأ وهو في سن المراهقة باللعب في سوق الأسهم السعودية. وما أن دخل العشرينيات من عمره حتى خاض غمار المضاربة في السوق لكي يبني ثروته. لا يُعرف الكثير عما كان يمارسه من نشاط، إلا أن مدراء المال في الرياض شكوا فيه وارتابوا أنه كان يتلاعب بسوق الأسهم، بحيث يشتري أسهماً في شركات لا قيمة لها، ثم ينفخ في أسعارها، ويبيعها محققاً أرباحاً من ذلك قبل أن تعود وتنهار من جديد. إلا أن العاملين في القطاع المالي والدبلوماسيين الذين كانوا يتابعون الأسواق حينها قالوا بأن ما يسمى "الضخ والتفريغ" كان شائعاً ومن المحتمل أن محمد بن سلمان لم يكن من بين أسوأ المذنبين بذلك. 

وكان قطاع العقارات من أسهل الميادين التي يدخلها الأمراء للإثراء، وقد جرب محمد بن سلمان ذلك أيضاً. ذات مرة كان يريد الحصول على قطعة أرض من رجل أعمال لم يرغب في بيعها، فضغط محمد بن سلمان على الموظف في مكتب تسجيل العقارات لكي ينقل ملكية العقار إليه. ولكن الموظف رفض تنفيذ ما كان سيعتبر معاملة غير قانونية، فأرسل له محمد بن سلمان مظروفاً يحتوي على رصاصة. (بعض الروايات تقول إن المظروف احتوى على رصاصتين). أصيب الموظف بالذعر فأخبر مسؤوله الذي قام بدوره بإعلام الملك عبدالله، الذي اتصل بسلمان وقال له اضبط ابنك.

تركت هذه الحادثة انطباعاً سيئاً لدى الملك وأكسبت محمد بن سلمان لقب "أبو رصاصة". (نفى المسؤولون السعوديون صحة هذه القصة ونفوا كل الحكايات الأخرى عن السنوات الأولى من حياة محمد بن سلمان إذا كانت تسيء إليه). 

من الواضح أن محمد بن سلمان تمكن من جني بعض المال. يذكر دبلوماسي متقاعد أنه استفسر من تاجر سيارات فارهة حوالي عام 2011 حول سوق السيارات الفاخرة في البلد. فصنف له تاجر السيارات الوضع على النحو التالي: 

أصحاب الميزانيات المنخفضة من الأمراء يشترون سيارات البورش والبي إم دبليو. وأما من في المستوى الأعلى فيشترون سيارات المازيراتي والفيراري. بينما يشتري كبار المنفقين سيارة البوغاتيس، والتي تكلف الواحدة منها بضعة ملايين من الدولارات.  

فسأله الدبلوماسي، ومن يشتري هذه؟ فقال التاجر: "لقد بعت واحدة للتو لهذا الشخص الذي اسمه محمد بن سلمان." لم يكن الدبلوماسي قد سمع باسمه من قبل. فقال التاجر: "إنه ابن الحاكم."

ولكن عندما كان محمد بن سلمان في منتصف العشرينات لم يكن لدى أحد سبب يجعله يتوقع أن يصبح أكثر من مجرد أمير عادي يضارب في التجارة ويسافر إلى الخارج من حين لآخر لقضاء إجازة ممتعة. 

ثم جاءت سلسلة أخرى من الوفيات داخل العائلة قفزت بوالده إلى أعلى السلم وبرفقته محمد بن سلمان. 

في شهر تموز/ يوليو من عام 2011، خسرت زوجة سلمان الأولى معركتها الطويلة مع مرض الكلى وتوفيت. كان شقيقه الأمير سلطان، والذي كان الثاني في الترتيب على العرش، يعاني من السرطان. بقي سلمان مرافقاً له في نيويورك إلى أن توفي في وقت لاحق من ذلك العام. أصبح شقيقه الآخر الأمير نايف ولياً للعهد ولكنه كان يعاني من مرض القلب التاجي وتوفي في عام 2012، فعين الملك عبد الله الأمير سلمان ولياً للعهد، وبذلك أصبح والد محمد بن سلمان فجأة الثاني في الترتيب على العرش وفي وضع يسمح له بتمكين ابنه المفضل. 

لم يسبق أن تحدث محمد بن سلمان علانية عن متى بدأ يخطط مسار عمله السياسي، ولكنه تحدث عن رغبته في أن يصبح حاكماً من نوع جديد، ذلك النوع الذي يخرق المنظومة القديمة، مثل عمالقة السيلكون فالي، بدلاً من أن يستمر في اتباع الأساليب التقليدية. 

قال في مقابلة مع بلومبيرغ: "هناك فرق كبير بين الاثنين. أما الأول فبإمكانه أن يوجد (كومبيوتر) أبل، وأما الثاني فبإمكانه أن يصبح موظفاً ناجحاً. لدي عناصر هي أكثر بكثير مما كان متوفراً لدى ستيف جوبس أو مارك زكربيرغ أو بيل غيتس. إذا اتبعت أساليبهم، فماذا عساي أوجد؟ كل ذلك كان يدور في خاطري عندما كنت صغيرا".

ولكن بالنسبة للملك عبدالله، كان محمد بن سلمان مجرد متبدئ خبرته قصيرة ولا تتوافق مع طموحاته. عين سلمان وزيراً للدفاع ولكنه منع محمد بن سلمان من الانضمام إلى والده في الوزارة. ثم فيما بعد، ونزولاً عند إلحاح سلمان عين الملك محمد بن سلمان رئيساً لديوان ولي العهد ومديراً لمكتب والده في الوزارة، برتبة وزير. 

مازال كثير من الغموض يكتنف فترة شباب محمد بن سلمان عندما كان في العشرينيات ولا يعرف تحديداً ما الذي كان ينشغل به آنذاك، ولربما السبب في ذلك أنه لم يكن يقوم بشيء يسترعي الانتباه في ذلك الوقت (فيما عدا حادثة الرصاصة)، وأيضاً لأن جهداً كبيراً بُذل فيما بعد لتلميع صورته وتحسين سمعته بأثر رجعي. إلا أن ما هو واضح هو كل ما لم يفعله محمد بن سلمان قبل أن يظهر فجأة على المشهد في عام 2015. لم يحصل أن أدار شركة تركت أثراً يذكر. ولم يحصل على خبرة عسكرية، ولم يدرس في جامعة أجنبية، ولم يتقن لغة أجنبية أو يحسن التفاهم بها، ولم يقض وقتاً يكاد يذكر داخل الولايات المتحدة أو أوروبا أو في أي مكان آخر في العالم الغربي. 

كان لتلك الخلفية كبير الأثر في تشكيل الطريقة التي مارس بها السلطة فيما بعد. 

أما فهمه العميق للمملكة ولمجتمعها فهو الذي مكنه من تنفيذ بعض تحركاته بنجاح باهر لدرجة أن قلة قليلة من الناس كان تظنه قادراً على القيام بها. إلا أن نقص خبرته في التعامل مع الغرب أثمر ضعفاً في إدراكه للطريقة التي يتعامل بها الحلفاء، وبشكل خاص الولايات المتحدة، وظل ذلك بمثابة بقعة عمياء ونقطة ضعف توقعه مراراً وتكراراً في حسابات خاطئة حول الانطباعات التي ستتشكل لديهم تجاه مغامراته ومقامراته. 

نظراً للفروق الكبيرة في خلفية محمد بن سلمان مقارنة بأشقائه الأكثر منه خبرة فإن تساؤلاً يطرح بإلحاح حول الأسباب التي جعلت والده يختاره هو ليكون من يسير على خطاه. لم يبين سلمان علانية من قبل لماذا اتخذ ذلك القرار، ولكونه ملكاً مطلقاً فهو لا يجد نفسه مضطراً لأن يبين.  وهذا يتركنا لا نملك سوى التخمين. 

لربما ورث سلمان نفس الرؤى عن والده، مؤسسة المملكة، الذي رفض اقتراحاً من رجل أعمال أمريكي بأن يرسل أولاده لتلقي التعليم في الخارج. 

حينها قال الملك عبد العزيز: "لكي يصبح المرء زعيماً لقومه لابد أن يتلقى تعليمه في بلده، بين شعبه، وأن يكبر في محيط يتشكل من تقاليد ونفسية أبناء وطنه."

وهذا يتناغم مع نظريات سمعتها من شخصين مقربين من عائلة سلمان تحدثا معي شريطة ألا أكشف عن هويتهما. 

أما النظرية الأولى فترى أن الأشقاء الأكبر سناً، بما نالوه من تعليم في الخارج، وبلكناتهم البريطانية ومزارع خيولهم، ضعفت صلتهم بوالدهم الذي كان، في آخر المطاف، رجلاً سعودياً تقليدياً يعشق الصحراء ويأكل اللحم بيديه، وكذلك كان محمد بن سلمان، ولذا فقد حاز على تقدير والده له. 

وأما النظرية الثانية فتقول إنه بالرغم من أسلوب محمد بن سلمان الخشن الذي كان يزعج كثيراً من أقاربه، إلا أن ذلك لم يكن يزعج والده، الذي قد يكون رأي في الأمير الشاب شدة أحس بأن المملكة بحاجة إليها إذا ما أرادت أن تمضي إلى الأمام. 

ولقد لخص أحد الشخصين المقربين من آل سلمان هذا النمط من التفكير بالعبارة التالية: "حتى أتعامل مع البدو فإنني بحاجة إلى بدوي".

في ربيع عام 2014، وصل جوزيف ويستفال إلى الرياض كسفير للرئيس أوباما لدى المملكة العربية السعودية. حينها كان ويستفال في السادسة والستين من عمره، وكان قد تنقل في حياته المهنية بين التدريس الجامعي والسلك الحكومي، فقد عمل في عدد من الجامعات وشغل لفترة منصب القائم بأعمال وزير الجيش. كان رجلاً طويل الهامة ضخم الجثة، يعامل من حوله كما لو كان عماً لهم، تعود على أن يربت على ظهر محدثه، وهو أسلوب يزعج أعضاء الإدارة الآخرين ممن ينزعون نحو السرعة والاختصار، إلا أنه أعجب السعوديين الذين قدروا فيه حبه للدردشة قبل التطرق للعمل الرسمي الذي من أجله جاء. 

بعد أن استقر بويستفال المقام في منصبه الجديد عرض عليه أحدهم مقطع فيديو قديم لسلمان وهو يجول ببعض المرافق العامة – ربما كان ذلك مصنعاً أو محطة لمعالجة المياه – في مكان آخر في الشرق الأوسط. كان سلمان يرتدي زياً يبدو فيه كما لو كان مصرفياً في وال ستريت، كما يذكر ويستفال، وكان حريصاً على أن يشرح من كانوا يرافقونه في تلك الجولة كل شيء لابنه، الذي كان يدون ملاحظات كثيرة في مفكرة صغيرة.   

كان ذلك الابن هو محمد بن سلمان، الأمر الذي أثار فضول ويستفال، ودفعه إلى القول حينها: ثمة ما يميز هذا الشاب، ولا ريب أنه نجل أبيه المفضل".

في ذلك الوقت كان الملك عبدالله مشغولاً وكثير المرض، فكان ويستفال من حين لآخر يلتقي بسلمان، ولاحظ وجود محمد بن سلمان دائماً يقف على جنب ولكن لا يتكلم. فطلب ويستفال لقاء مع الأمير الشاب وكان انطباعه أن محمد بن سلمان كان سعيداً جداً بذلك لأنه لم يسبق من قبل أن طلب شخص بارز في مقام سفير الولايات المتحدة اللقاء به. 

بدأ الرجلان لقاءهما بالحديث عن عائلتيهما وعن خلفيتيهما، وخرج السفير من اللقاء مقتنعاً بأن الشاب يخطط لأمور عظام. 

قال ويستفال فيما بعد عن ذلك: "اعتقدت منذ البداية أن قدر ذلك الشاب الطموح أن يصبح زعيماً، وقد توفر له الأساس الذي ينطلق منه".

تعريف بالمؤلف:

بن هوبارد يتحدث العربية، ويعمل في الشرق الأوسط منذ أكثر من عقد من الزمن، وشمل عمله تغطية أخبار الانقلابات والحروب الأهلية والاحتجاجات، والجماعات الجهادية وقضايا الدين والثقافة الشعبية في أكثر من عشرة بلدان بما في ذلك سوريا والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية وتركيا ومصر واليمن. وهذا هو كتابه الأول، وعنوانه: "إم بي إس: صعود محمد بن سلمان إلى السلطة".

 

الحلقات: 

 

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

الجزء الخامس

الجزء السادس والأخير

التعليقات (0)