قضايا وآراء

استراتيجيات الحركة الإسلامية لما بعد الكورونا

1300x600
1300x600

 ليس من المبالغة القول أن الفرصة التي تحياها الحركة الإسلامية الآن لم تخطر ببال منظريها، وليس من المبالغة أيضا القول بأنها إذا لم تمتطِ صهوة هذه الفرصة فإنها ستراوح مكانها بينما الآخرون يحجزون أماكنهم في مقاعد النظام العالمي الذي نشهد مخاضه الآن، وتشكّله يعتمد على متانة الطرح، وفاعلية الوجود، وحكمة التعاطي مع فلسفة التشكل الجديد للوليد القادم.  

  حرب الكورونا أوجدت اختلالا في بنية النظام العالمي القائم، اختلال فلسفته التي أعادته مرغما إلى المبدأ الجوهر وهو تساوي البشرية في الحقوق الأصيلة والواجبات الفطرية، وسبب ذلك الاختلال تهاوي هالات القوة والجبروت والطغيان القائم على المادية الصرفة التي لم تتمكن من كبح جماح بلاء، رغم تقدم العلم، هذا العلم الذي انكشف عجزه. وهذه القوة التي بان خوارها.


  الحركة الإسلامية أحد المكونات التي لاقت تهميشا كبيرا بشكل ظالم، فقط استجابة لجبروت القوة، وتنفيذا لخطط العلمانية والإلحادية، مدعومة بخيوط الصهيونية، فكان أن انزوت بسبب شدة الهجوم وكثرة الأعداء وتنوعهم.

  بعض الدول التي ضربتها أنياب الكورونا بقوة افتقدت أنشطة الحركة الإسلامية وأذرعها المختلفة: الصحية والاجتماعية والدعوية، حيث كانت الحركة تسد ثغرا مهما وكبيرا تتحمله نيابة عن الدولة، تنفيذا لرسالتها الخالدة، والآن هذه الدول والمجتمعات عرفت الجوع، وغرزت الكورونا أنيابها فيها فقتلت وأضعفت، وانتشر الذعر والفوضى.

  لن نطيل الحديث عن أثر غياب الحركة الإسلامية عن المجتمع العالمي بشكل عام، بل أنكفئ إلى هذا الحضن وأتسلل إلى منظريه، فهذا الوقت وقت التخطيط الاستراتيجي المحكم، المبني على استخلاصات الأحداث الماضية، والمستشرف للمستقبل، شرط الموضوعية، وفتح باب تقبل التغيير، والتخلي عن الذاتية في الرأي في سبيل الملائم والأنسب وفق ضوابط الشرع، وخلع النظارة التقليدية، والاستعانة بالمجموع لا بفئة معينة، ودراسة سريعة لسنن البقاء والتغيير في ظل تطور مفهوم العلوم المادية والروحية، ولكن بسرعة يقتضيها الحال، ونتائج سهلة الانسياب في الفكر العالمي وفلسفة ما بعد هذه المرحلة.

  وفق الاجتهاد الشخصي، هناك مجموعة من الاستراتيجيات مطلوب وضعها في الاعتبار، والعمل على دراستها من جميع النواحي، بعقلية تتناسب مع التطور الحادث ومع المستقبل المتوقع، استنادا إلى التاريخ القريب، ومن هذه الاستراتيجيات:

- الخروج من سجن السرية إلى فضاء العلنية: هذه الاستراتيجية أساس جميع الاستراتيجيات، إذ العالم لا يقدر المجهول، بل يخافه ويبتعد عنه، ويقترب ويناصر المعلوم الذي يعمل في الشمس، ولا يمكن أن تكون جزءا من منظومة عالمية يكون لك فيها تأثير وأنت متخف، ثم أنه لا يوجد لدى الحركة الإسلامية ما تخفيه، والسرية أسوأ السجون، والحركة الإسلامية سجنت نفسها في السرية زمنا طويلا لظرف اقتضى ذلك، وآن الأوان أن تستنشق نسيم العمل في فضاء الحرية، وتتواصل بثقة مع الآخر؛ والآخر بحاجة ماسة جدا لها الآن، فعليها أن تتخذ هذا القرار وتتقدم وتحجز مقعدها باقتدار في مسرح النظام العالمي الجديد.

- إعادة بناء النظام القانوني للحركة(التشريعات وأجهزة تنفيذها) اعتمادا على علم القانون لا على توقع القانون. وهذا يتطلب اعتماد الأساليب العلمية الحديثة للكشف والوصول إلى الأسباب الموجبة للتشريع، واعتماد التشريع المناسب لطبيعة الحركة الإسلامية كحركة لا دولة، ووفق متطلبات الولوج إلى النظام الدولي الجديد.

- صناعة ميثاق معولم للحركة الإسلامية يمثل جميع أو غالبية الحركات الإسلامية في العالم، وبناء الميثاق على الأسس القانونية الواردة في المواثيق الدولية. وهذا يقتضي حتما اجتماع الإسلاميين على ما يتوافقون عليه، ويقللون من اختلافاتهم، ويُطلب مساعدة المنظمات والدول والشخصيات الإسلامية ذات التوجهات الإسلامية التجميعية المقبولة شرعا وعرفا، ويتم صناعة الميثاق وفق الضوابط التشريعية الدولية المعتبرة.

- صناعة ميثاق مقاومة معولم، يجمع كل أو غالبية حركات المقاومة في العالم، والانتقال بحركات المقاومة من حركات تحرر وطني إلى حركة ثورية واحدة، تستمد شرعيتها من المواثيق الدولية، خاصة اتفاقيات جنيف وملاحقها. وتقديم

الميثاق إلى الأمم المتحدة لاعتماده، وإلى الاتحادات الإقليمية والبرلمانات الوطنية في دول العالم وبلغاتهم.

- منذ الآن، على الإسلاميين الكشف عما يمكنهم تقديمه للبشرية، سواء في المجال المادي أم المعنوي، وبأسلوب منطقي بعيد عن الخيال والتهويل؛ وتنوع مستويات الخطاب للوصول إلى البشرية بمستوياتها كافة، واستشعار ثقل أمانة الانخراط مع الجميع، وتقديم مثال حي وقدوة نقية للدعوة الإسلامية، تنظيريا وعمليا. وهنا يجب تقديم كل ذي اختصاص للحديث عن تخصصه، والبعد عن شخصية العالم بكل شيء.

- فتح باب التواصل بين هياكل الحركة الإسلامية جميعا، أعضاء ومسؤولين، ومن خارج هياكل الحركة كذلك، وخاصة فيما يتعلق بالاقتراحات، وعدم إهمال أي اقتراح مهما بدا بسيطا، والاستماع إلى مقدمه.


وكذلك لا بد من استراتيجية نقل المشكلة التي لا حل لها إلى الآخرين، إذ هنا لا بد من اعتماد أن المشكلة التي لم أجد حلا لها، لا يعني استحالة حلها، بل يمكن أن يحلها الأخرون.

أعلم أن هذا المقال تنظيريا، وأدرك أيضا أنه ليس مستحيلا، فما يتم تداوله من أراء خلال حرب الكورونا يبدو تنظيريا، ولكن بالتمعن فيه قليلا أجد أنه ليس مستحيلا، بل هو يؤسس لما هو قادم، ولا أستطيع أن أتخلى عن فكرة أن غالبية المتحدثين يمهدون لما هو قادم، لذلك تنتشر التنظيرات ممثلة لأطياف المجتمع الدولي جميعها، تريد محل حفرة لبناء أساس لبنيانها القادم، وليس بكثير على الحركة الإسلامية التي يجب أن تمثل عددا يقارب المليارين أن تجتهد هي أيضا، وأن تفرغ جهدها ليكون لها مكانا تحت الشمس.

1
التعليقات (1)
adem
الأربعاء، 01-04-2020 12:40 م
إذا تخلّوا عن الدّروشة و تحوّلوا من جماعات خيرية وفقط إلى رجال دولة لقيادة أمّة ، شجاعة جرأة حنكة إقدام عدم التّردّد عدم التّسامح - مع الطّابور الخامس - ....... في هذه الحالة فقط سيرى العالم أهميتهم و يدرك حاجته إلى أناس مثلهم .