مقالات مختارة

أنسنة العالم

أسامة عجاج
1300x600
1300x600

لا صوت يعلو فوق «كورونا»، هو الشغل الشاغل للعالم، حديث السياسيين والقادة، التحدي الأكبر أمام الجميع، لا فرق بين دول كبرى وأخرى نامية، فالكل في الهمّ سواء، «كورونا» الذي كشف عورات الأنظمة في العالم، تلك التي تعيش على سباق التسلح، أو تصارع من أجل توفير الحد الأدنى لشعوبها، فالكل عاجز أمام الفيروس، بعد انهيار كل الأنظمة والمؤسسات الصحية، لدرجة أن حاكم ولاية نيويورك «درة التاج في النظام الرأسمالي» بيل دي بلاسيو قالها صراحة: «أمامنا أيام وستنهار الخدمات الصحية في الولاية»، داعيا إلى تدخل الإدارة الفيدرالية واستثمار إمكانيات الجيش الأمريكي، وقال إن «الوضع سيكون أسوأ في أبريل، وسيزداد سوءا في مايو»، ولعلها تكون فرصة لكشف مخاطر السباق على الإنفاق العسكري، مع تدني الاهتمام بصحة الإنسان، رغم أن رفاهيته والحفاظ على حياته هي الأساس، والجهد الحقيقي الذي كان من الضروري أن يحظى بكل الاهتمام.

تذكرت ذلك كله، وأدركت مدى أهمية الرؤية المستقبلية لمنظمة الصحة العالمية، في التقرير الذي أصدرته في سبتمبر من العام الماضي، بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي، والبنك الدولي، عشية قمة صحية تم عقدها على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أكدت أنه يتعين على الحكومات زيادة إنفاقها على الرعاية الصحية الأولية، بنسبة 1% فقط من ناتجها المحلي، وذكر البيان أن نحو 7.5 تريليون دولار تنفق سنويا على الصحة في العالم، ورغم ذلك فإنها لا تغطي بالكاد خدمات نصف سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليار نسمة، ودعت المنظمة إلى زيادة الرقم إلى الثلثين، وقال التقرير المهم إذا استمرت التوجهات الحالية مع الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية، فإن ما يصل إلى خمسة مليارات نسمة -لاحظ ضخامة الرقم- لن يحصلوا على رعاية صحية في 2030، وأظن أن دول العالم لو تعاملت بجدية، وتفاعلت مع هذه الدعوة، لما وصلنا إلى هذه الحالة التي تسببت في مقتل المئات يوميا في دولة مثل إيطاليا، وإلى أن يتم إجراء القرعة على من يستحق الرعاية الصحية، مع استبعاد كبار السن من تلقي تلك الرعاية، وتركهم لمواجهة مصيرهم.

أظن على ضوء ما يحدث، فإن العالم أمام المحك، فلن يكون الحال على ما هو عليه بعد أن تنزاح غمة الفيروس، فلا بد من اتباع فقه الأولويات، هل تكون الأولوية لكل أدوات فناء البشرية؟ وأقصد به سباق التسلح والنفقات الدفاعية، حيث كشفت المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية في أحدث تقاريرها عن الإنفاق والموازنات العسكرية في 171 دولة، عن نمو مطرد في الإنفاق الدولي على الدفاع في العام الماضي، زاد أكثر من 4% عن عام 2018، وهو الارتفاع الأكبر في العشر سنوات الماضية، حيث بلغ 1.37 تريليون، وبالطبع تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المقدمة، بينما ولاية نيويورك تتحدث عن حاجتها إلى 30 ألف جهاز تنفس، بتكلفة تصل إلى 40 ألف دولار، وطلبت بالفعل من وحدة المهندسين، بناء أربعة مستشفيات مؤقتة لمواجهة الفيروس، إذا السؤال المنطقي: ما جدوى ترسانات الأسلحة لدى واشنطن؟ وهي التي تقف عاجزة أمام فيروس ضعيف، ولكنه شرس وسريع الانتشار.

أعتقد أننا في حاجة إلى مزيد من «أنسنة هذا العالم»، والاهتمام أكثر وأكثر بصحة وتعليم ورفاهية سكانه من البشر، وإعلاء شأن البحث العلمي والتعليم، والبحث جديا في وقف الصراعات والنزاعات، مع مزيد من التعاون الدولي في المواجهة، بدلا من تسييس الأزمة، كما هو حاصل الآن بين أمريكا والصين، بعد أن وصف ترامب الفيروس بأنه صيني، في غمز لمسؤولية بكين عن الأزمة، واتهامات الأخيرة بأن الفيروس مخلّق داخل المعامل البيولوجية للجيش الأمريكي، والتفكير بالفعل في رفع الحصار عن إيران، على الأقل لمساعدتها على تجاوز الأزمة الحالية، فهل يتغير العالم؟ أتمنى، بعد الانهيار الحاصل على الصعيد الاقتصادي، وتزايد معدلات الخسائر البشرية.

عن صحيفة "العرب" القطرية

0
التعليقات (0)