قضايا وآراء

اقتصاديات رمضان مع العزل والحجر

هاني بشر
1300x600
1300x600

من المتوقع أن يقضي الجيل الحالي من المسلمين اليوم أول رمضان بين الحجر المنزلي والعزل لأول مرة في حياته، يستوي في ذلك المسلم العربي مع المسلم الأوروبي والأمريكي والآسيوي. ولأن الأصل في حقوق الله تعالى هو المسامحة والعفو والتيسير، فلن نعدم فتاوى كثيرة عن الصلاة والصيام والقيام في مثل هذه الأجواء. لكن سيتبقى عنصر آخر يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والصحية في هذا الظرف الاستثنائي.


رمضان في عالم اليوم ليس فقط شهرا للروحانيات، وإنما صناعة متكاملة يمكن أن نعرفها بأنها اقتصاديات رمضان. وهو اقتصاد، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، فإنه يمس حياة الناس ومعيشتهم وأصبح مورد رزق لفئات كثيرة. كما أنه ارتبط بالاقتصاد القومي للدولة عبر عدة مستويات: الأول وهو الاستهلاكي على مستوى الأفراد والأسر، ومربوط بزيادة نسبة الاستهلاك رغم كونه شهرا للصيام والتقشف. والثاني، وهو مستوى التجارة والبيع والشراء وكيف يعد رمضان موسما لكثير من التجار والحرف، وله تأثير على الاقتصادات القومية في البلدان العربية والإسلامية. والثالث وهو الترفيهي، ويتعلق باقتصاديات الدراما والبرامج الإعلامية المختلفة، وسوق عكاظ التلفزيوني السنوي كأهم موسم سنوي لفنون التلفزيون ومرتبط بالإعلانات.

من الواضح أن اقتصاديات رمضان هذا العام ستشهد نوعا من الركود، بدءا من المستوى الثالث وصولا للمستوى الأول. وهو أمر قد يكون صحيا على مستوى ضرب مشكلة عادات الاستهلاك اللاإنسانية التي تفاقمت خلال العقود والماضية، إلا أنه يضر بفئات كثيرة تعمل طوال العام من أجل هذا الموسم على مستوى السلع وأرباب الحرف وغيرهم. وهو يضر أيضا بكثير من العاملين في مشاريع الدراما، رغم أن الأمر لن يكون له التأثير نفسه على الفنانين ذوي الدخول العالية.

الضرر الاقتصادي لن يقف عند هذا الحد، فروح السخاء الرمضاني التي تدفع كثيرين للتبرع في شهر رمضان قد تتأثر في ظل الضرر الاقتصادي بسبب وباء كورونا الحالي. ومعظم الجمعيات الخيرية العربية والإسلامية تعتمد بشكل رئيسي على موسم رمضان لجمع التبرعات التي تقيم بها أنشطتها طوال العام، فهذا الشهر الكريم يعد موسما للأعمال الخيرية على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول.

والأمر في هذه النقطة لا يقتصر على الدول العربية والإسلامية، وإنما يمتد أيضا للدول الغربية. ففي بريطانيا على سبيل المثال، يعد المسلمون من أكثر المجتمعات المحلية سخاء في التبرع لأعمال الخير، خاصة خلال شهر رمضان، الأمر الذي دعا الحكومة البريطانية العام الماضي لإصدار دليل "التبرع الآمن" خلال شهر رمضان للتوعية بأساليب التبرع وضمان وصول المال لمستحقيه. والجمعيات الخيرية الغربية، سواء الإسلامية منها أو غير الإسلامية، هي نهر عطاء كبير لكثير من المحرومين في العالم الإسلامي، خاصة في مناطق مثل فلسطين واليمن وسوريا وغيرها.

كل هذا يعني أننا بصدد تأثير اقتصادي كبير ستكون له تداعيات اجتماعية على الفئات الفقيرة وذات الدخول المحدودة. وهو فرصة في الوقت نفسه لإعادة التفكير في شكل الروابط التكافلية والخيرية مرة أخرى، لتعود إلى سيرتها الأولى على مستوى الأحياء والعائلات والجيران، ولتصبح هذه الدوائر هي محط الاهتمام والتفقد والرعاية. إذ سيكون صعبا على الجمعيات الخيرية أن تنقل السلع والأدوات من بلد لبلد، لكن يستطيع أصحاب البر أن يتقاسموا الطعام مع الجيران. وكما أبدع الناس في الغناء الجماعي عبر الشرفات، يمكن أن يبتكروا وسائل أخرى للتواصل عبر النوافذ وإحياء روح رمضان بطرق مبتكرة.

سيكون صعبا أن يتركز كل شيء على الإنترنت، من دراسة ووعظ وبرامج ترفيهية، فمن ناحية لا يملك ملايين العرب والمسلمين رفاهية الحواسيب واستخدام الإنترنت، ومن ناحية أخرى تظل هذه الوسيلة مجردة من التعامل الإنساني المباشر، مما يزيد من فرص العزل الذي يعاني منه الناس أصلا في زمن الحجر.

التعليقات (0)