حقوق وحريات

محمد علي بشر.. رجل "إطفاء الأزمات" حبيس سجون السيسي

محمد علي بشر - تويتر
محمد علي بشر - تويتر

كان "همزة وصل" بين نظام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي وجماعة الإخوان المسلمين، ولذلك مثّل اعتقاله نهاية لمسار المفاوضات والحلول السياسية للأزمة المصرية.

الدكتور محمد علي بشر، الوزير الأسبق والقيادي البارز في جماعة الإخوان، الذي يصفه كثيرون بأنه رجل "إطفاء الأزمات"، ولم يكن مُستغربا إدانة اعتقاله حتى من بعض أولئك المُقربين من السلطة الذين اعتبروا اعتقاله يُعزز بشكل أو بآخر من خطاب العنف والكراهية.

حيث قاد الرجل جهود الوساطة والمفاوضات بين الإخوان والجيش والقوى الدولية بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في صيف 2013.

وكانت تلك الجهود قد أثمرت حينها عن إطار للاتفاق بين الجميع، تمهيدا لحل سياسي للأزمة، إلا أن قيادة الجيش خرقت التطور الذي تفاءل به البعض، بعدما تم فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة، وهو ما أكده لاحقا نائب الرئيس السابق، محمد البرادعي، وصحيفة "نيويورك تايمز"، وغيرها من المصادر.



 

إذ سبق لـ"بشر" أن ألتقى بالمفوضة السامية السابقة للاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، وغيرها من المسؤولين الإقليميين والدوليين، فضلا عن أنه كان على تواصل من وقت لآخر مع عضو المجلس العسكري السابق اللواء محمد العصار، حيث كانت تتعامل معه الدولة وقتها كوسيط بينها وبين جماعة الإخوان.

وبحسب مصادر سياسية تحدثت لـ"عربي21"، كان اتفاق التهدئة المبدئي دشنّه "بشر"، في 3 آب/ أغسطس 2013، خلال لقائه مع كاثرين آشتون، ومساعد وزير الخارجية الأمريكي وقتها، ويليام بيرنز، الذي أصبح الآن مدير "سي آي إيه" في إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، الذي كان قد سافر لمصر مرتين قبل فض رابعة.

بي بي سي: مسؤول أمريكي بارز يلتقي مسؤولين بالحكومة الانتقالية في مصر وممثلي جماعة الإخوان

حيث كان قد تُرك طيلة 16 شهرا عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، إلى أن تم اعتقاله في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، الأمر الذي لاقى استهجانا من جانب العديد من القوى السياسية المصرية، التي رأت أن تلك الخطوة تعمق الأزمة، وتساهم في توسيع مساحة "الاحتراب الداخلي" في مصر.

 

وأثار الأمر تساؤل الكثيرين، بأنه لو كان متورطا في شيء ما، فلماذا تركته سلطة الانقلاب كل هذه المدة رغم اعتقال معظم قيادات الجماعة في الداخل؟ خاصة أنه لم توجّه إليه أي اتهامات قبل اعتقاله.

 

ولذلك عد الاعتقال وكأنه ضربة قاضية لآمال حل الأزمة سياسيا.

وفي مثل هذا اليوم قبل 70 عاما، وُلد "بشر" في 14 شباط/ فبراير عام 1951، بقرية "كفر المنشي"، في مركز قويسنا في محافظة المنوفية (شمالي القاهرة). وعمل كأستاذ متفرغ بكلية الهندسة بجامعة المنوفية، بعدما حصل على بكالوريوس "الهندسة الكهربية" عام 1974 من المعهد العالي الصناعي بـ"شبين الكوم"، وتم تعيينه مُعيدا في نفس المعهد 1974، والذي تحوّل فيما بعد إلى كلية الهندسة بجامعة المنوفية.

ونال درجة الماجستير في الهندسة الكهربية من جامعة المنوفية بشبين الكوم، ليتم تعيينه مدرسا مساعدا بنفس الكلية، ثم مدرِّسا بكلية الهندسة في الجامعة ذاتها، ثم أستاذا مساعدا بالكلية.

 

وحصل على درجة "الدكتوراه" من جامعة ولاية كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1984، واختير بعد ذلك أستاذ زائر لجامعة ولاية كارولينا الشمالية عام 1998. وفي أثناء دراسته في الولايات المتحدة كان رئيسا لاتحاد الشباب المسلم العربي في أمريكا الشمالية.

الالتحاق بجماعة الإخوان

وتعرّف "بشر" على جماعة الإخوان عقب تخرجه في الجامعة خلال فترة السبعينيات، التي شهدت نشاطا ملموسا للجماعات الإسلامية، حيث قام بالتدريس لطلاب تلك الجماعات، بعدما أصبح مُعيدا (عضو هيئة تدريس) بالجامعة، وشارك في الكثير من الندوات والمحاضرات التي قاموا بتنظيمها.

إلا أنه عقب سفره إلى الولايات المتحدة، تعرّف بشكل أكبر وأعمق على الإخوان، إذ التقى ببعض أفراد الجماعة وقياداتها هناك في مؤتمرات الشباب المسلم العربي، التي كان يحضرها علماء الإخوان، ثم تعرّف لاحقا على الكثير من قيادات الجماعة في الأقطار المختلفة بحكم دراسته وعمله الإسلامي.

 

وعاد إلى مصر عام 1984، وأصبح عضوا في مكتب الإرشاد منذ عام 1995 وحتى عام 2013، حين استقال بعد أن أصبح وزيرا للتنمية المحلية في حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي.

العمل النقابي والخيري

وبدأ عمله النقابي مبكرا عام 1985 في نقابة المهندسين التي شغل فيها العديد من المواقع، حيث اُنتخب كأمين للصندوق ثم كأمين عام للنقابة. وحدث في عهده عدة طفرات خدمية لمهندسي مصر؛ فقد دخل النقابة وهي مديونة، وتركها بعد عشر سنوات وفيها فائض ميزانية 27 مليون جنيه مصري.

وحققت النقابة تحت قيادته، مع بقية رموز التيار الإسلامي في النقابة، طفرة خدمية غير مسبوقة، تمثلت في مشروعات تفيد المهندس بعد تخرجه، وتعطيه راتبا حتى يجد عملا، بالإضافة لمشروع العلاج وقرض حسن للزواج، وسلع معمرة، وإسكان، ونواد على مستوى الجمهورية. وساهم أيضا في عقد النقابة عدة مؤتمرات وندوات عن الحريات ورفض التعذيب إبان فترة حكم النظام البائد.

وكان ذلك قبل أن تفرض الحكومة المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الحراسة القضائية على نقابة المهندسين عام 1995.

إلا أنه بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، ساهم في إعادة النقابة لأبنائها، ورفض الترشح لمنصب النقيب أو أي منصب آخر؛ حفاظا على النقابة من أي حجج سياسية مستقبلا قد تستغلها السلطة، كي تعيد فرض الحراسة عليها.

وفي أثناء عمله النقابي، كان من المؤسسين لاتحاد المنظمات الهندسية في الدول الإسلامية، وهي منظمة دولية تشمل الاتحادات الهندسية في الدول الإسلامية لدعم التقدم التقني وتعزيز التعاون العلمي والمهني بين الدول الإسلامية، وتولى أمانة الاتحاد منذ عام 1989 حتى 1997، ثم تولى أمانة المكتب الإقليمي للعالم العربي.

وفي أثناء عمله النقابي أيضا ساهم في عودة مقر اتحاد المهندسين العرب التابع لجامعة الدول العربية لمصر، بعد أن انتقل منها بسبب المقاطعة العربية لمصر جراء اتفاقية كامب ديفيد. وظل يعمل في إدارات الاتحاد المختلفة حتى اعتقاله الأخير، حيث انتخبه ممثلو الاتحاد ليكون أمينا للمال حتى عام 2014 تاريخ القبض عليه.

وكان "بشر" أحد المؤسسين لجمعية المواساة الخيرية الإسلامية، التي أصبح لاحقا مديرا لها، وهي جمعية طبية أنشأت عديد من المستشفيات والمستوصفات في محافظة المنوفية، قبل أن تقوم السلطات بالتحفظ عليها بعد الانقلاب عام 2013.

وفضلا عن ذلك، كان مديرا لجمعية التربية الإسلامية، وهي جمعية تعليمية أنشأت مدرسة خاصة في مدينة شبين الكوم بالمنوفية، قبل أن تستولي الحكومة عليها بعد ذلك.

العمل السياسي


وفاز في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) عن دائرة شبين الكوم بمحافظة المنوفية عام 1987، إلا أنه لم يتمكن من دخول البرلمان، في تصرف وُصف بالمُخالف للقانون. وتقدم بدعوى قضائية حكمت بأحقيته في عضوية البرلمان آنذاك، وحُكم له بتعويض، لكن تعرض مجلس الشعب وقتها للحل.

وترشح لانتخابات مجلس الشعب عام 1995 في الدائرة الأولى بمحافظة المنوفية، ودخل جولة الإعادة أمام مرشح الحزب الوطني، أمين مبارك، لكن قالت جماعة الإخوان إنه تم تزوير الانتخابات لصالح "مبارك".

فيما التحق بعد ثورة يناير بالجهاز الإداري للدولة المصرية، حيث تولى في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي منصب محافظ المنوفية عام 2012، ثم أصبح وزيرا للتنمية المحلية في التشكيل الثاني لوزارة هشام قنديل في مطلع عام 2013.

سنوات السجن وظروف الاعتقال

وتعرض "بشر" لمرات اعتقال عديدة، كانت أولاها في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1999، فيما عُرِف بـ(قضية النقابيين)، وأُحيل إلى المحكمة العسكرية هو وعشرون نقابيا في هذه القضية، وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن ثلاث سنوات؛ بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان، والإعداد لانتخابات النقابات المهنية، وأُفرِج عنه في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2002.

فيما تم اعتقاله مُجدّدا عام 2007، وأحيل للقضاء العسكري، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وحصل على حكم بالإفراج بعد ثلاثة أرباع المدة.

وكان واقعة اعتقاله الأخيرة والأطوال في 20 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، حيث يقبع في ظروف تصفها أسرته بأنها بالغة القسوة في سجن العقرب، وذلك بعدما وجّهت إليه نيابة أمن الدولة العليا تهمة "التخابر مع دولة أجنبية، بقصد الإضرار بمركز مصر السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والتخطيط لقلب نظام الحكم، والانضمام إلى جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف أحكام الدستور والقانون، حسب تلك الاتهامات".

ومُنعت أسرته من زيارته لأكثر من ثلاث سنوات، حيث انقطعت تماما تلك الزيارات منذ العام 2018 وحتى الآن، في ظل تردي حالته الصحية بمحبسه، خاصة مع منع إدخال الأدوية والملابس له.

ورغم أنه حصل على حكم قضائي بإخلاء سبيله في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017، إلا أنه لم يتم تنفيذ هذا الحكم، بعدما تم الزج به في القضية المعروفة إعلاميا بمحاولة اغتيال النائب العام المساعد، وذلك على الرغم من وجوده في سجن العقرب شديد الحراسة قبل وقوع تلك الواقعة بفترة طويلة، وتمت إحالته للمحاكمة العسكرية.

وخلال شهر آذار/ مارس 2020، أصدرت المحكمة العسكرية حكما يقضي بمعاقبة 112 معتقلا بالسجن المؤبد، بزعم انتمائهم لحركة حسم التي تصنفها السلطات المصرية إرهابية، وبزعم تورطهم في قضية "محاولة اغتيال النائب العام المساعد"، والمقيدة برقم 64 لسنة 2017 شمال العسكرية.

وكان على رأس المعتقلين الذين حُكم عليهم في هذه القضية "بشر" الذي صدر بحقه حكم بالسجن 10 سنوات.

وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، دشّن أصدقاء "بشر" ومحبوه رابطة للتعريف بقضيته، وتطالب بسرعة الإفراج عنه.

 
0
التعليقات (0)