هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
روى أكاديمي في النمسا، ناقد ومحلل للسلوك العنصري، لا سيما ضد المسلمين، كيف تم تحويله على يد السلطات بين ليلة وضحاها إلى "إرهابي" وهدف لها.
ويوضح الأكاديمي فريد حافظ، في مقال له على موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، وترجمته "عربي21"، جهوده في محاربة العنصرية والإسلاموفوبيا، مضيفا أنه بات هدفا للسلطات النمساوية بسبب نشاطه هذا.
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
من أكاديمي ناقد يحلل السلوك العنصري، يصدح بالحق في وجه السلطة ويدافع عن المهمشين، تم تحويلي بين عشية وضحاها إلى "إرهابي".
في مقدمته لكتاب "إلقاء اللوم على الضحايا" (الذي صدر عام 1988)، يقول المفكر البارز إدوارد سعيد: "يتم توظيف استخدام مفردة الإرهاب سلاحاً سياسياً الغاية منه حماية الأقوياء." لم يخطر ببالي يوماً أنني سأشعر بتلك الكلمات كما حصل معي في التاسع من نوفمبر 2020 – ولا أن أعامل بمثل تلك الريبة في بلد مثل النمسا، حيث ولدت ونشأت وقضيت معظم حياتي.
بعد أن كرست أكثر من عقد من الزمن للأبحاث العلمية النقدية كمتخصص في العلوم السياسية، أسست في عام 2010 مجلة أكاديمية عنوانها "الكتاب السنوي لدراسات الإسلاموفوبيا". ثم أسست في عام 2016 "التقرير الأوروبي حول الإسلاموفوبيا"، وهو جهد جماعي يشارك فيه العشرات من الكتاب من أكثر من ثلاثين بلداً، وغدا مرجعاً أولياً للأكاديميين وصناع السياسة الباحثين عن مجتمع أكثر عدلاً وأقل عنصرية.
كما أعمل منذ عام 2017 باحثاً في مبادرة الجسر التابعة لجامعة جورجتاون، حيث ننشر المواد البحثية الأصلية ونوفرها للعامة بغرض رفع مستوى الجمهور حول الإسلاموفوبيا.
لم أزل من موقعي ذلك ناقداً لاذعاً للعنصرية المتصاعدة ضد المسلمين في أوروبا، أبحث ليس فقط في الدور الواضح الذي تلعبه الإسلاموفوبيا داخل حركة اليمين المتطرف، ولكن أيضاً في السبل الأكثر دقة التي يتم من خلالها إقصاء المسلمين عن المواقع المؤثرة ويتم تجريمهم من قبل مؤسسات الدولة. لقد استخدمت موقعي حتى أصدح بالحق في وجه السلطة، وأقف إلى جانب الكثيرين الذين لا يحظون بالامتياز الذي يمكنهم من إسماع صوتهم للآخرين.
عندما صحوت من نومي في صبيحة التاسع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي على صوت القوات الخاصة وهي تحطم باب بيتي وتوجه بنادقها إلي وتفزع أطفالي، لم يكن ليخطر ببالي أن تلك كانت السلطات النمساوية التي تقتحم علي بيتي بهذا الشكل. في البداية ظننتهم أفراد جماعة متطرفة. ولكن سرعان ما أدركت الحقيقة عندما أشهرت في وجهي مذكرة الإذن بالتفتيش.
عملية ضخمة تنفذها الشرطة
يبدو أن الأقصر، الاسم الذي أطلق على تلك العملية، كان مقصوداً. من الناحية القانونية، كانت الادعاءات غاية في الخطورة. فأنا وتسعة وعشرون آخرون استهدفنا فيما وصف بأنها أكبر عملية تقوم بها الشرطة في النمسا منذ الحرب العالمية الثانية. وطبقاً لمذكرة التفتيش، فقد كانوا يشكون في أنني عضو في منظمة إرهابية وإجرامية معادية للدولة وتنشط في مجال تمويل الإرهاب.
من وجهة نظر سياسية، كانت الشكوك تحوم حول كوني جزءاً من شبكة تهدف إلى قلب النظام المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإلى تدمير إسرائيل، وإقامة خلافة عالمية عاصمتها القدس – كل ذلك على الرغم من أنني لم يكن لي في أي يوم من الأيام نشاط سياسي يتعلق بمصر أو بإسرائيل.
وأكثر ما يثير الاهتمام هو "الدليل" الذي قدمته السلطات، ألا وهو دعم مشروع مدرسي بإشراف مجلس مشترك بين الأديان، والتحدث مع أعضاء البرلمان والزعماء السياسيين عبر الهاتف، وانتقاد السياسات النمساوية المعادية للمسلمين، وكوني جزءاً من منظمة إسلامية (صنفت على أنها "منظمة إرهابية")، وهو ما لا يمت في حقيقة الأمر إلى الواقع بصلة.
وعلى الرغم من أن العملية استمرت لما يزيد عن سنة ونصف، واستغرقت ما يزيد عن واحد وعشرين ألف ساعة من التنصت على الهاتف وأكثر من مليون صورة، إلا أنه لم يمكن إثبات أي من الشكوك، الأمر الذي حفز على مداهمة بيتنا ومصادرة بعض من أشيائنا. وفي النهاية لم توجه إلي أي تهم.
استعادة النظام الديمقراطي
يعلم الناس الذين لديهم معرفة بأحوال الأنظمة السلطوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن مثل هذه الأمور تحدث باستمرار، حيث تختلق المزاعم كوسيلة لإقصاء المعارضين. ولقد أخبرني زميل سابق كان قد جاء إلى النمسا قبل ثلاثة عقود بأن مثل هذه المداهمات كانت السبب في حمله على مغادرة تونس، ولم يكن يتصور أن مثل هذا الأمر يمكن أن يحدث في النمسا.
رغم أن التهم الموجهة لأي من الثلاثين مشتبهاً فيهم بدت بالنسبة لي غير واردة على الإطلاق، إلا أن الاستجوابات كشفت عن لغة لا لبس فيها. فقد كان المرء يُسأل: ما رأيك في مصطلح "الإسلاموفوبيا"؟ هل يتم التمييز ضد المسلمين في النمسا؟ هل يُسمح لأطفالك بسماع الموسيقى؟ هل لديك أصدقاء من غير المسلمين؟ هل يُسمح لابنتك بالزواج من مسيحي أو يهودي أو ملحد؟ كانت تلك بضعة من أسئلة كثيرة ينبغي أن تثير القلق.
هل كانت عملية الأقصر فقط الخطوة الأخيرة من سلسلة من السياسات المعادية للمسلمين، والتي تراوحت من حظر الحجاب (والذي رفع مؤخراً بأمر من المحكمة الدستورية) إلى تأسيس "مركز توثيق الإسلام السياسي"؟ هل كانت عملية رتبتها أجهزة أمنية أجنبية؟ هل كانت ناجمة عن تغير طرأ على إدارة جهاز الأمن النمساوي؟ هل سيكون الإجراء التالي المعادي للمسلمين الذي يتدخل الجهاز القضائي لإصلاحه؟
أياً كان الأمر، فقد كان الضرر بالغاً جداً. وبات من الأهمية بمكان، وأكثر من أي وقت مضى، أن تعمل مؤسسات المجتمع المدني والعلماء الناقدون والسياسيون المعارضون معاً من أجل استعادة النظام الديمقراطي الذي لا يسمح بالتمييز بشكل منتظم ضد فئة معينة من الناس ولا يقدم على وصمهم بالإرهاب.