هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الوزير التونسي السابق وأستاذ القانون، عبد الوهاب معطر، إنه "في اليوم الذي يخرج فيه الشعب التونسي عن بكرة أبيه في انتفاضة واسعة ضد قيس سعيد سينتهي الانقلاب على الفور، وعندئذ فلا الجيش أو القوات الأمنية يمكنهم فعل أي شيء، إلا الانحياز للشعب تماما كما جرى في عام 2010، وهذا هو الحل الوحيد".
ورأى معطر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أنه في حال عدم حدوث هذا السيناريو، فإنه "ستغرق البلاد أكثر في مستنقع الانقلاب، ما يعني زيادة الغرق كل يوم في المشاكل والأزمات التي لن يجدوا لها أي حلول، وستكون هناك تضحيات كبيرة جدا قادمة ما لم ننقذ بلادنا في أقرب وقت ممكن".
وشدّد معطر، وهو قيادي سابق بارز في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، على أن "الوضع في تونس اليوم بات على فوهة بركان وأصبح يُهدد بالانهيار الشامل"، مستدركا: "لكني متأكد أن الشعب التونسي حتما سينتصر، وأنني أرى رَأْيَ العين نهاية هذا الانقلاب".
ولفت إلى أن "هناك مؤشرات تدل على أن المعارضة بصدد التوحد، وعقد طاولة للحوار الوطني بمشاركة كل قوى المعارضة من أقصاها إلى أقصاها، لأن الرهان كبير وخطر داهم، وكل العناصر الموضوعية اجتمعت لتوحيد المعارضة، وتعبئة الشعب من أجل إنهاء هذه الحقبة حالكة السواد في تاريخ بلادنا".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترى واقعة قتل بائع متجول بالرصاص على يد عناصر الجمارك وسط العاصمة تونس؟
تونس شهدت 4 حالات مماثلة منذ انقلاب 25 تموز/ يوليو 2021 وحتى الآن، وهذا يدل على أن المنقلب أعطى ضمانات للقوات التي تحمل السلاح بعدم المساءلة أو المحاكمة، مع العلم أن الدستور الأصلي كان يمنحه التحكم في قوات الجيش فقط، بينما كانت وزارة الداخلية والبوليس والديوانة تابعة للحكومة، لكن المنقلب أخضع جميع القوات الحاملة للسلاح لسلطته حتى قبل أن يبدأ انقلابه، ثم خطّط لتشريك هؤلاء في مواجهة التحركات الشعبية المناوئة له، وحرق بعض مقرات الأحزاب.
والحظوة التي مُنحت للقوات الحاملة للسلاح خلقت عند هؤلاء نوعا من الشعور بالمكابرة، وأنهم خارج دائرة المحاسبة، وبالتالي جرى تعزيز سياسة الإفلات من العقاب. بالإضافة إلى أن خطاب المنقلب هو خطاب عدواني أصيل، لأنه يصف الآخرين بالخونة والعملاء والمهربين والحشرات والشياطين وما إلى ذلك. كل هذا جعل القوات الحاملة للسلاح، وخاصة قوات الديوانة وقوات الأمن الداخلي، يستسهلون استعمال الرصاص الحي، بل إن هذا وقع بطريقة فظة ومستفزة، والواقع يقول إن هذه القوات أصبحت نوعا من الميليشيات المسلحة، خاصة أنها تشعر بأن الانقلاب في حاجة ماسة إليها، وبالتالي فلن يحاكمها إلى أن تجرأت على المواطنين وأصبح الرصاص الحي وسيلة من وسائل القمع البوليسي.
وما دلالة ذلك من وجهة نظركم؟
هذا يؤكد أننا نعيش مرحلة صعبة للغاية مرحلة يتضافر فيها القمع مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية، لأن مَن وقع قتله هو شاب يبحث عن لقمة عيشه من خلال بيع السجائر، حتى لو كان من خلال تهريبها، لكن المهربين الحقيقيين موجودون في القصور والأماكن الحدودية ولهم علاقات وطيدة مع رجال الديوانة. بينما هذا الشاب هو الحلقة الأضعف في تلك المنظومة، وهذا يعيدنا إلى ما وقع في عام 2010 بمدينة سيدي بوزيد حينما تم الاعتداء على بائع متجول كان يبيع الخضار، مما أدى به إلى حرق نفسه.
حقيقة، هذا مؤشر على أننا دخلنا في مرحلة جديدة وخطيرة؛ فبعدما نجح المنقلب في الانفراد بالسلطة والقضاء على جميع المؤسسات والوسائط الاجتماعية والمجتمع المدني بدأ المرحلة الثانية التي تتمثل في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالحديد والنار، وقتل هذا الشاب قبل أيام هو مجرد مقدمة لما هو آت، إذ سيكون القادم أسوأ بكثير خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة أنه لا حلول أمام سلطة الانقلاب لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي شهدت انحدارا منقطع النظير؛ فالمقدرة الشرائية انهارت، والشعب كله أصبح يبحث عن لقمة العيش، والمواد الأساسية غير موجودة، وبات الوضع على فوهة بركان، ودخول المنقلب في المرحلة الثانية سيكون أمرا قاتلا له، وأنا متأكد أن هذا الشعب حتما سينتصر، وأنني أرى رَأْيَ العين نهاية هذا الانقلاب.
لكن ما سر قوة واستمرار الرئيس قيس سعيد في موقعه حتى الآن؟
أول شيء ضعف المعارضة التونسية، وضعف تأصيل الديمقراطية منذ الثورة وحتى الآن، وقيس سعيد استثمر في هذا جيدا، واعتمد على الاحتقان الشعبي وعدم الوعي بأهمية الديمقراطية. كما أنه استعمل خطابا شعبويا مغريا زاعما أنه يقدم بديلا قائما على أسس صحيحة، مما أعطاه نوعا من القوة والمشروعية، وهو يعتمد على القوة الصلبة في الدولة، رغم أن الجيش لحد الآن ليس هو الطرف الفاعل في بقائه.
وعلى الرغم اليوم من انحسار شعبية قيس سعيد وعزلته الدولية والداخلية، إلا أن المعارضة لم تستطع التوحد حول مشروع ينخرط فيه الشعب التونسي الذي يخشى الرجوع إلى مرحلة ما قبل 25 تموز/ يوليو التي يسميها البعض "العشرية السوداء"، وبالتالي لا بد من بلورة برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي يتجاوز الأخطاء القديمة ويلتف حوله الشعب، لكن إلى الآن هذا غير موجود للأسف.
بالإضافة إلى أن المعارضة اليوم ما زالت منقسمة على الرغم من توافقها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في رفض المنقلب، لكنهم غير متفقين للعمل جنبا إلى جنب. لذلك يجب أن تتوحد المعارضة في حوار وطني خارج الانقلاب وزبانيته، وتقوم بصياغة مشروع وطني مغر كي يطمئن الشعب إليه، حتى نتمكن من تعبئة القوى الشعبية.
وفي اليوم الذي سيخرج فيه الشعب عن بكرة أبيه سينتهي الانقلاب، وعندئذ فلا الجيش أو القوات الأمنية يمكنهم فعل أي شيء، إلا شيئا واحدا فقط هو الانحياز إلى الشعب تماما كما جرى في سنة 2010، وهذا هو الحل الوحيد.
وماذا لو لم يحدث ذلك؟
ستغرق البلاد أكثر في مستنقع هذا الانقلاب، ما يعني زيادة الغرق كل يوم في المشاكل والأزمات التي لن يجدوا لها أي حلول. نحن حقيقة كسفينة في عُباب البحر تتقاذفها الأمواج، ولا ندري إلى أين سنصل، لكن الأكيد أن هذه السفينة حتما ستغرق بالانقلاب وبفئات كبيرة من الشعب التونسي، وستكون هناك تضحيات كبيرة جدا قادمة ما لم ننقذ بلادنا في أقرب وقت ممكن.
قيس سعيد كان زميلا لكم في الدراسة.. فما تقييمكم لشخصيته؟
بالفعل، أنا أعرفه جيدا منذ سنوات طويلة. هذا الشخص لم تكن له أي مشاركة وأي اهتمام بالشأن العام، وكان متوحدا وانعزاليا وغير سوي بالمرة من الناحية النفسية. وكان مهتما بالكتب والبحوث الصفراء. حقيقة هو إنسان غامض، إلى أن أصبح في ذيل نظام "بن علي"، وكان يلقي المحاضرات في الشعب الدستورية التابعة للحزب الحاكم سابقا، في حين لم يشارك بأي شيء في النضالات الوطنية.
أذكر على سبيل المثال أنني في سنة 2002 عندما قام "بن علي" بتحوير الدستور قمت بالتواصل مع عدد من الشخصيات الجامعية والوطنية لرفع قضية تطعن في الاستفتاء على تحوير الدستور، وعندما عرضت عليه مساندة هذه القضية فوجئت بأنه ينتفض وكأنه أصيب بنوع من الرعب، وقال لي: أتركني، هذا أمر لا أقدر عليه. وكانت لي مناظرة معه فيما بُعد لما دعا إلى الانتخابات بالنظام الفردي، ثم قابلته في عام 2014 بمناسبة الانتخابات فوجدته شخصا مُعبأ إيديولوجيا بالنظام القاعدي وكان يرى أن كل النخب السياسية من يسار ويمين لا بد وأن تُرمى في أكياس القمامة، وزعم بأن انتخابات 2014 تعد انقلابا على الثورة.
وهل شخصية قيس سعيد تغيرت عقب وصوله إلى السلطة؟
لا. بل أعتقد أنه تغير في سنة 2011 حينما ارتبط بعلاقات مع تيار سياسي عرفه في سنة 2011 حينما قادته أقدامه إلى ساحة القصبة رغم أنه رجل غير مسيس، حيث التقى بأناس ينتمون إلى الفكر التروتسكي الفوضوي سمّوا أنفسهم بـ "شباب قوى تونس الحرة"، وهم مجموعة من الماركسية اللينينية التي تؤمن بأن الثورة يجب أن تكون "مستمرة"، وأصبح أستاذهم وعرّابا لهم، وعندئذ وُلد "قيس سعيد جديد"، إلى أن وقع التخطيط له حتى يصل إلى رئاسة الجمهورية بالظروف التي نعرفها.
لذلك؛ فالمهمة المركزية لكل وطني تونسي تتمثل في العمل على تقويض هذا الانقلاب في أقرب وقت، ولو كان عندنا أناس شجعان لطالبوا بعرضه على الفحص الطبي.. فهل سمعتم برئيس جمهورية يصف كل شعبه بالخونة والجرذان، وكل إدارة الدولة منذ انقلابه ترتكز على العبث والفاشية. نحن في وضع سريالي غير معقول، حتى أنه لم يحسن إدارة انقلابه وفشل في أن يكون ديكتاتورا. هذا شخص خارج التصنيفات ولا مثيل له.
لماذا لم تتوحد المعارضة حتى الآن؟ ولماذا لم يقم التونسيون بانتفاضة شعبية كبيرة كما تأملون؟
هي عملية ديناميكية مستمرة ومتواصلة، وخذ مثلا شعبية قيس سعيد بدأت تتناقص إلى حد كبير جدا، وهذا تطلب وقتا وجهدا، حتى اكتشف الشعب خزعبلاته وترهاته. وهناك ثقافة فرنكوفونية لدى المعارضة تعتبر أي اقتراب من حركة النهضة أمرا ممنوعا، وهذا الأمر حال دون توحد العديد من القوى السياسية، وبالتالي فهناك إشكال كبير على مستوى وعي النخب بما يسمى "فزاعة الإسلام السياسي". وفي الواقع حركة النهضة عنصر أساسي في المعارضة التونسية ولا يمكن إقصاؤها، بل يجب ترويضها نوعا ما حتى تنخرط في العمل الديمقراطي، وهذا ما تم بالفعل.
والوضع في تونس اليوم أصبح يُهدد بالانهيار الشامل أكثر من وقت "بن علي" الذي كانت الدولة قائمة في عهده، رغم أنه كان نظاما ديكتاتوريا. لكن الدولة اليوم في خطر حقيقي وداهم؛ إذ أننا بصدد مستعمر محلي احتل البلاد، وأثناء مقاومة هذا الاحتلال لا يجب التفرقة بين هذا أو ذاك سواء بين حركة النهضة أو غيرها، لأنه يجب وضع اليد في اليد، وأتصور أن هناك تباشير ومؤشرات تدل على أن المعارضة بصدد التوحد، وعقد طاولة للحوار الوطني بمشاركة كل قوى المعارضة من أقصاها إلى أقصاها، لأن الرهان كبير والخطر الداهم أكبر. وكل العناصر الموضوعية اجتمعت لتوحيد المعارضة، وتعبئة الشعب من أجل إنهاء هذه الحقبة حالكة السواد في تاريخ تونس.