مقابلات

حقوقي سوري لـ"عربي21": لا يوجد أفق لعودة الاستقرار في سوريا

عبد الغني: الأجهزة الأمنية في سوريا لم تتغير، فهي ما زالت بنفس العقلية والممارسات
عبد الغني: الأجهزة الأمنية في سوريا لم تتغير، فهي ما زالت بنفس العقلية والممارسات
قال مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إن "الملف السوري لم يصل بعد إلى مرحلة المفاوضات، لأنه ما زال بمرحلة ما قبل المفاوضات، وبالتالي فنحن لم نتقدم أي خطوة واحدة للأمام، وإذا استمر الوضع على هذا الحال فلن يكون هناك إنهاء للكارثة السورية ولا للمذبحة المستمرة على مدى 12 عاما".

وأوضح عبد الغني، في مقابلة خاصة ومصورة مع "عربي21"، أنه "لا يوجد أي أفق لعودة الأمن والاستقرار في سوريا، أو عودة اللاجئين ولا النازحين؛ فهناك جمود تام بالعملية السياسية، وليست هناك إرادة دولية لإنهاء هذا الجمود، وليس هناك حل سياسي بالأفق المنظور".



ولفت إلى أن "الأوضاع الحالية في مخيمات النازحين تتراجع من السيء للأسوأ لأسباب عدة، منها: تراجع معدلات الدعم من الدول المانحة، بعد تحول جزء كبير من مخصصات الدعم إلى أوكرانيا، وقبل ذلك الأوضاع الاقتصادية التي صاحبت جائحة كورونا، وهناك سبب رئيس وهو الحصار الروسي، واستخدام المساعدات العابرة للحدود كورقة ضغط وابتزاز".

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

لو تحدثنا عن الأوضاع حاليا في مخيمات النازحين في محافظة إدلب بعد الهجمات التي شنّتها قوات النظام السوري وحلفاؤه مؤخرا؟

الأوضاع الحالية في مخيمات النازحين تتراجع من السيء للأسوأ لأسباب عدة، منها: تراجع معدلات الدعم من الدول المانحة، بعد تحول جزء كبير من مخصصات الدعم إلى أوكرانيا، وقبل ذلك الأوضاع الاقتصادية التي صاحبت جائحة كورونا، وهناك سبب رئيس وهو الحصار الروسي، واستخدام المساعدات العابرة للحدود كورقة ضغط وابتزاز، وهو ما أثّر سلبا على أوضاع النازحين بالمخيمات، خاصة مع عجز المؤسسات الإغاثية عن تأسيس مشروعات متوسطة أو بعيدة المدى تساعد المخيمات على الاستقرار.

الأمر الآخر هو الهجمات التي يشنّها النظام على تلك المناطق، آخرها ما وقع في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري واستهدف عدة مخيمات بقنابل عنقودية، وتعتبر هذه الهجمات جزءا من استراتيجية النظام لتقويض استقرار هذه المناطق حتى لا يشعر أهلها بالأمان، وإنما تظل في حالة من الاضطراب.

نائب وزير الداخلية التركي أعلن أن "أعداد اللاجئين العائدين إلى المناطق المحررة من الإرهاب شمالي سوريا في تزايد مستمر".. ما تعقيبكم؟

لدي تحفظ على مثل هذه التصريحات، لأن أغلب العائدين عادوا قسرا، ولا توجد عودة طوعية؛ فالعودة الطوعية تعني بكامل إرادة العائد، وليس باحتجازه لإعادته، أو الضغط عليه من خلال إجراءات مُعقّدة للتضييق عليه في الدول التي لجأ إليها سواء في تركيا أو لبنان أو أوروبا، مثل عدم منح الإقامة، أو المنع من التعليم، وغير ذلك حتى تجبره على العودة، وكل ذلك يندرج وفق القانون الدولي تحت عنوان "الإعادة القسرية".

وماذا عن أوضاع العائدين من لبنان إلى سوريا؟ وما خطورتها؟

أوضاع العائدين من لبنان لا تختلف عن أوضاع العائدين من غيرها من البلدان، ومورست عليهم بعض الضغوط؛ فالحصول على إقامة في لبنان من الصعوبة بمكان، وإذا تعرض الشخص للتوقيف من قِبل الأمن ولم يكن يحمل إقامة فإنه سيتعرض للاعتقال، فضلا عن الحرمان من تعليم أبنائه وغير ذلك من أدوات الضغط بالخطاب العنصري.

والانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئ هي جزء من الانتهاكات التي يتعرض لها المقيمون في سوريا؛ فالأجهزة الأمنية في سوريا لم تتغير، فهي ما زالت بنفس العقلية والممارسات، كالاعتقال خارج نطاق القضاء، وغياب دور القضاء العادل، وبالتالي الديكتاتورية والاستبداد الذي يمارسه النظام لم يتغير، حتى القوى خارج سيطرة النظام السوري تأثرت كثيرا بالنظام، وكأنها أصبحت مستنسخة من ممارساته، وإن تفوق النظام في حجم الانتهاكات التي تجاوزت كونها جرائم ضد الإنسانية بشكل أكبر.

وبالتالي العودة من لبنان هي عودة قسرية، وتمثل خطرا على حياة العائدين، وقد وثقنا عدد الانتهاكات بحق العائدين في الفترة من 2014 وحتى الآن؛ أكثر من 3100 شخص تم اعتقالهم فور عودتهم، تم الإفراج عن 1800 شخص تقريبا، وما زال هناك قرابة 1300 آخرين قيد الاعتقال، منهم 900 هم مختفون قسريا، بالإضافة لحالات الوفاة تحت التعذيب، ومن المعروف أن كل من يتعرض للاعتقال على يد النظام السوري يتعرض بالتبعية للتعذيب، أضف لذلك اكتظاظ السجون، وسوء الرعاية الصحية.

وتجدر الإشارة إلى أن الدول التي ترحل اللاجئين من أراضيها تتحمل مسؤولية قانونية؛ لأن المخاطر التي سيتعرض لها العائدون هي شريكة في صناعتها، حتى وإن صرّحت بأن الأوضاع آمنة، لأنها تصريحات سياسية، أما المصادر المُعتمدة فهي المصادر الأممية.

هناك مطالبات متكررة للمجتمع الدولي بإيجاد حل فوري لأزمة مخيم "الهول".. فكيف تنظرون لهذه الأزمة؟ وما أسباب انتشار الفوضى والانفلات الأمني بداخل هذا المخيم؟

كارثة «مخيم الهول» ممتدة وطويلة الأمد، خاصة وأن عدد سكان المخيم قرابة 60 ألف نسمة، وهم على عكس سكان باقي مخيمات الشمال السوري الذين يتمتعون بإمكانية الخروج والدخول للمخيمات. مخيم الهول بات تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" التي تمنع السكان من الخروج؛ فأصبح المخيم بمثابة "مركز احتجاز كبير" وفق توصيف لجنة التحقيق الدولية، ويضم المخيم نساء وأطفالا من العديد من الجنسيات التي ترفض دولهم عودتهم إليها، أما السوريون –وهم السواد الأعظم– فيجب معاقبة من تورط منهم في جرائم وفق القانون، والسماح للباقين بالمغادرة، أما بقاؤهم في ظل تلك الأوضاع المزرية فهو أمر غير مقبول، كما نرى ونسجل من حالات فوضى، وانتشار للمخدرات، وسوء إدارة للمخيم، وتمييز عنصري، وانفلات أمني، وحوادث قتل.

من وجهة نظركم، كيف يمكن حسم ملف مخيم "الهول"؟ ومَن يتحمل المسؤولية عن الأوضاع هناك؟

المخيم بحاجة إلى إمكانات لوجستية وأمنية لإدارته، وهي إمكانات غير متوفرة لدى "قوات سوريا الديمقراطية" التي فشلت بشكل كبير في إدارة هذا المخيم، وما زال الفشل مستمرا حتى الآن.

وبالطبع تتحمل "قوات سوريا الديمقراطية" والدول الداعمة لها مسؤولية عن هذا الفشل؛ فـ "قوات سوريا الديمقراطية" لا تكترث مطلقا لحياة السكان بهذه المناطق؛ لأنها جهة غير منتخبة ديمقراطيا، وإنما سيطرت بقوة السلاح فلا يهمها الغضب الشعبي أو المظاهرات، ولا أحد يُسائل هذه الجهة: أين عائدات النفط؟ وما سبب التقصير في إدارة المخيم أو المدارس أو أي شيء؟ لأنها جهة أيضا استبدادية قمعية كالنظام السوري.

كيف تنظرون لمحاولات البعض التطبيع مع النظام السوري وإعادته مرة أخرى إلى محيطه الإقليمي والدولي؟

أرى أن هذا الموضوع يتم تضخيمه، والنظام السوري سعيد بعملية التضخيم، والحقيقة ليست هناك عملية لإعادة العلاقات مع النظام السوري، وإلا فمن هي الدول التي تتحدث عن إعادة العلاقات؟ وبعيدا عن التصريحات المحلية والمزايدات، ليست هناك دول ذات قيمة تطبع معه، والدول الداعمة له الآن هم مَن يدعمونه منذ عام 2011 وعددهم محدود لا يزيدون عن عشر أو إحدى عشرة دولة.

وقد أعددنا سابقا تقريرا عن الدول التي صوّتت للنظام، فكانت كلها دول استبدادية وديكتاتورية تشبه النظام، أو أكثر سوءا، يكفي أن نذكر كوريا الشمالية التي يتنافس معها على الأكثر سوءا في العالم، وهناك فنزويلا وكوبا التابعتان لروسيا، ومع الأسف هناك الجزائر نظرا لتبعيتها لروسيا، والعراق، وإيران، والصين، ولا توجد دول جديدة، أما عن الإمارات فقد حاولت التواصل ولكنها لم تصل لأي نتيجة، والنظام يحتفي بزيارة أي سكرتير درجة عاشرة لوزارة من دولة مغمورة، وفي الواقع هناك مبالغات بهذا الخصوص.

وهناك أمور روتينية بيروقراطية بالأمم المتحدة يتم تضخيمها من قِبل البعض، وهو أمر ننتقده، كالزيارة التي قامت بها مقررة الأمم المتحدة المعنية بالتأثير السلبي للتدابير القسرية، ألينا دوهان، إلى دمشق؛ فنحن نقلنا الخبر، وتكلمنا عن خلفية الزيارة. لذا، نحن ننتقد أي إعادة للعلاقة مع النظام السوري؛ لأن النظام ارتكب جرائم بشعة ضد الإنسانية، جرائم حرب ضد شعبه، وهذه الجرائم وفق المادة 1 من اتفاقيات جنيف هي مسؤولية كل دول العالم، وعلى الدول أن تحترم اتفاقيات جنيف، وأن تضمن احترامها.

هل التطبيع مع نظام الأسد -في حال حدوثه- سينعكس سلبا على أوضاع حقوق الإنسان في سوريا؟

بالطبع، أي إعادة للعلاقات مع النظام السوري سيعطي النظام مزيدا من الارتياح، وبمثابة ضوء أخضر لارتكاب مزيد من الانتهاكات والقتل، وهو ما يعني إفلات النظام من العقاب، وسيستمر هذا الحكم الأسدي المتوحش لعقود إلى الأمام، لكن نحن نرى أن النظام محاصر، ومعزول سياسيا، ومنبوذ، ومُحتقر من المجتمع الدولي، ويُنظر له على أنه نظام متوحش بربري استخدم أسلحة كيميائية وبراميل متفجرة، وبالتالي إعادة العلاقات معه من السهل أن ينظر لها بنظرة غاية في الاحتقار والمهانة، لأننا نعيش في ظل مناخ يحترم إلى حد ما حقوق الإنسان.

لكن بالمقابل، لماذا يسود هذا الأمر الشعبوي عند الناس؛ لأن هذا النظام لم يتم تغييره، ولم تتم محاسبته، ولم يتم الضغط عليه للوصول إلى حل سياسي، وهذا لا يعني أن هناك علاقات مع النظام؛ فالنظام متروك، ولكن بالمقابل لم يتخذ خطوات إلى حل سياسي بسوريا؛ فهذه المعادلة تُسبّب إرباكا عند البعض.

البعض أطلق دعوات لإنشاء كيان مستقل وآلية أممية جديدة تركز بشكل كامل على الكشف عن مصير المفقودين في سوريا وتحديد أماكن تواجدهم.. فكيف ترون هذه الدعوات؟

آلية كشف مصير المفقودين أثارت حديثا طويلا عنها، والمطالبات بها ليست جديدة، وليست وليدة هذه السنة، وإنما منذ عام 2011، مع أول تقرير أصدرته لجنة التحقيق الدولية، وكان لنا لقاء معها حينها، وتحدثنا عن الأعداد الهائلة للمختفين قسريا الذين أخفاهم النظام السوري بسوريا، ولم تُتخذ أي خطوات وقتها، وفي 2016 طالب عدد من أهالي عائلات الضحايا بكشف مصير ذويهم، ويعود لهم الفضل في إعادة إحياء المطالبات وتفعيلها مرة أخرى.

وهل هذا الكيان المستقل قد يتحوّل إلى واقع قريبا؟

هذه الآلية ستكون آلية أممية (لم تنشأ بعد)؛ فهي بحاجة لقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشائها، وقرار الجمعية العامة الأخير دعم إنشاءها بالفعل، ثم كان تقرير الأمين العام الذي صدر قبل بضعة أيام وأوصى بإنشائها، وأعتقد أنه سيكون لها إيجابيات كبيرة. ولهذا، نحن دعمنا إنشاءها بالتنسيق مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فمن إيجابياتها مناصرة قضية المعتقلين، والتواصل مع العائلات، وإخطار العائلات بالمعلومات التي جمعتها، والعائلات أيضا يمكن أن تعطيها بيانات.

أما التخوف من الأمر فيكمن في رفع سقف التوقعات، وبالتالي ما نحققه من إنجازات لا نراها، وهذه هي المشكلة الأساسية، وهذا ما عانينا منه في موضوع الولاية القضائية العالمية؛ فعندما نضع سقفا للتوقعات بمقدار 70% ولا نحقق سوى 40% يظن الناس أننا لم نحقق شيئا.

هذه الآلية لن تتمكن من إطلاق سراح المعتقلين، ولا إيقاف التعذيب. لها أمور إيجابية، كما ذكرت، لكن لن يكون هناك كشف مصير؛ فالنظام لن يتعاون معها مثل تعاونه مع الآليات الأممية السابقة، فلا نرفع سقف التوقعات، ولا يجب تضخيم المأمول منها رغم فوائدها العديدة.

إلى متى سيظل الأمان والاستقرار في سوريا بعيد المنال؟

ليس هناك أي أفق لعودة الأمن والاستقرار، أو عودة اللاجئين ولا النازحين؛ فهناك جمود تام بالعملية السياسية، وليست هناك إرادة دولية، باختصار النزاع السوري متروك ومُجمّد، ربما هناك إرادة دولية في عزل النظام، وتوقيع بعض العقوبات، واستنزافه، لكن هناك استنزاف بالمقابل للشعب السوري، الذي دفع أثمانا هائلة، ولكن مع الأسف الشديد وبكل صراحة: ليس هناك حل سياسي بالأفق المنظور.

وما زلنا بمرحلة ما قبل المفاوضات، ولم نصل للمفاوضات بعد، وبالتالي فلم نتقدم أي خطوة واحدة للأمام، وإذا استمر الوضع على هذا الحال فلن يكون هناك إنهاء للكارثة السورية ولا للمذبحة المستمرة على مدى 12 عاما، بالطبع نحن نأمل في لفت الانتباه إلى الكارثة السورية، وإيجاد حل لهذا النزاع بأقرب وقت ممكن حتى يتمكن الجميع من العودة إلى بلده.

كما نأمل أن نرى سوريا بلدا حضاريا ديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان، وفيه تداول للسلطة، وليس عائلة واحدة متوحشة تحكم منذ سنوات بالحديد والنار، وبأجهزة أمنية وممارسات متوحشة، هل هذا الأمر قريب؟ لا، لكن نأمل أن يكون قريبا، ولذلك فالنضال مستمر، ولا نستطيع التوقف لأن الأثمان التي دفعت هائلة من أجل نقل سوريا من ديكتاتورية فاشية متوحشة إلى نظام يحترم حقوق المواطنين السوريين، حتى يرجع السوريون لبلادهم ويبنونها من الصفر أو من تحت الصفر؛ فالمأمول أن نحصل على الحرية والكرامة وتغيير النظام كما أردنا في عام 2011.
التعليقات (0)