اقتصاد عربي

حظر تراخيص شركات سياحة جديدة في مصر.. من المستفيد؟

البعض اتهم اتحاد الغرف التجارية بالقرار للاستفادة من ضعف المنافسة- CC0
البعض اتهم اتحاد الغرف التجارية بالقرار للاستفادة من ضعف المنافسة- CC0
برغم ما أعلنته الحكومة المصرية من برامج وخطط وسط توقعات بارتفاع معدلات الدخل السياحي للبلاد خلال العام الجاري، إلا أنها اتخذت قرارا مثيرا للتساؤلات يمنع تدشين أية شركات سياحية جديدة في السوق المحلية لمدة عام.

ونشرت الجريدة الرسمية المصرية الاثنين، قرار وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى، القاضي بوقف قبول طلبات إنشاء شركات سياحية جديدة، بجميع فئاتها، بصفة مؤقتة ولمدة عام، وذلك بدعوى عدم حاجة البلاد إليها.

وفي أول تعليق للاتحاد المصري للغرف السياحية، قال عضو مجلس إدارة الاتحاد ناصر تركي، إن وزارة السياحة استطلعت رأي الاتحاد، وغرفة شركات ووكالات السفر والسياحة.

وأكد في حديث نقله موقع "المصري اليوم" المحلي، أن رأيهما خلص إلى أن القطاع السياحي المصري ليس بحاجة الآن لإنشاء شركات جديدة، وأن القائمة البالغ عددها نحو 2600 شركة بخلاف الفروع، بحاجة للتطوير، مؤكدا أن السوق مشبعة بالشركات.

وفي مصر 1210 منشآت سياحية بإجمالي 212.7 ألف غرفة فندقية، وفق تأكيد المسؤول بوزارة السياحة والآثار محمد عامر، خلال جلسة نقاش بمركز اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، مطلع آذار/ مارس الجاري.

"أسباب القرار"

وحول أسباب منع الحكومة المصرية تدشين شركات سياحة جديدة، والوجاهة الاقتصادية للقرار، وإمكانية دعمه قطاع السياحة المتداعي، والشركات التي لا تجد عملا، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب: "لا توجد أسباب معلنة لهذا التوجه".

اظهار أخبار متعلقة



ويعتقد في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك قناعة بتشبع السوق، وزيادة عدد شركات السياحة في السوق المصري"، فيما يرى أن "السبب يرجع إلى أن الغالبية العظمى من هذه الشركات تعمل في مجال الحج والعمرة، (السياحة الدينية بوجه عام)".

وعن الوجاهة الاقتصادية للقرار الحكومي، أوضح أن "غالبية شركات السياحة العاملة في مصر تعمل في مجال التسفير وليس الاستقدام، أي أنها مستهلكة للعملة الصعبة أكثر من كونها منتجة للعملة الصعبة، ولذلك كان قرار التوقف عن الترخيص لشركات جديدة".

وفي تقديره يرى عبد المطلب، أن ذلك القرار لا يدعم قطاع السياحة المتداعي، والشركات التي لا تجد عملا، مضيفا: "بل على العكس، عدم الترخيص لشركات جديدة يقلل المنافسة، ويمنع الشركات من تطوير نفسها للحصول على حصة أكبر من السوق".

"الأزمة والحل"

وبشأن رؤيته لأسباب أزمة السياحة المصرية، وهل هي داخلية تصنعها عيوب إدارية وبيروقراطية وخدمية وأمنية أم أن تداعياتها خارجية منذ ظهور جائحة "كورونا" 2020، والحرب الروسية الأوكرانية 2022، قال إن "مشاكل السياحة المصرية جزء من مشاكل الإدارة بمصر ككل".

وتابع: "صحيح أن (كورونا) وإغلاق الحدود قد ساهما بشكل كبير في زيادة مشاكل قطاع السياحة، لكن هذا لا يمنع أن مصر حققت أرقاما كبيرة في دخل السياحة خلال أعوام 2019- 2021, وذلك رغم الجائحة".

وفي تقديره لكيفية انتشال القطاع الأهم في جلب العملة الصعبة من أزماته، قال إن "القطاع في حاجة إلى تطوير شامل، بشرط أن يتم تطوير المناطق السياحية ككل بالتزامن مع تطوير الشركات نفسها".

"لماذا نجح الآخرون؟"

وفي إجابته على التساؤل، لماذا ينجح الآخرون مثل الإمارات والمغرب وتركيا ونفشل نحن في استعادة القطاع رغم ما تتميز به مصر من تنوع سياحي؟ قال الخبير المصري: "كما قلت لكم، الفرق في أسلوب الإدارة".

وأكد أنهم "في تركيا والمغرب وحتى دول الخليج مثل قطر والسعودية والإمارات، لديهم رؤية واضحة لتنمية وتطوير قطاع السياحة، وللأسف هذه الرؤية غير متوافرة في الحالة المصرية".

وفي 31 كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن معهد الإحصاء التركي، أن عائدات بلاده من السياحة في 2022، ارتفعت مسجلة 46 مليارا و284 مليونا و907 آلاف دولار، لتزيد إيرادات السياحة بنسبة 53.5 بالمئة عن عائدات عام 2021.

اظهار أخبار متعلقة



واستعادت السياحة في المغرب بريقها خلال 2022، بعد تعاف ملحوظ إثر جائحة "كورونا"، إذ ارتفعت عائداتها بنحو 16 بالمئة أي ما يعادل 9.1 مليارات دولار.

ووفق بيانات رسمية، يساهم قطاع السياحة الإماراتي بـ177 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتصنف ضمن الـ10 الكبار عالميا في عدد من مؤشرات التنافسية العالمية المرتبطة بقطاع السياحة والسفر والفندقة.

"استراتيجية وخطط"

وعانى قطاع السياحة المصري من أزمات متتالية ضربت السوق السياحي وعطلت الكثير من شركاته وبنيته التحتية وخاصة مع انتشار جائحة "كورونا"، نهاية العام 2019، ومع تفجر الحرب الروسية الأوكرانية 24 فبراير/شباط 2022.

لكنه، وبحسب توقعات وكالة "فيتش سوليوشنز"، فإنه من المحتمل أن تزيد إيرادات السياحة المصرية بنسبة 20 بالمئة العام الجاري، مع توقع بارتفاع أعداد السياح القادمين، مع تراجع قيمة الجنيه.

شركة الأبحاث الدولية في تقريرها الصادر في كانون الثاني/ يناير الماضي، تتوقع بلوغ عائدات السياحة المصرية مستوى قياسيا عند 13.6 مليار دولار هذا العام، بزيادة 17.7 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، مع احتمالات زيارة 11.6 مليون سائح لمصر، بارتفاع 46 بالمئة عن العام الماضي.

كما تتوقع بنهاية عام 2026، وصول إجمالي عائدات السياحة الدولية لمصر إلى 17.9 مليار دولار، وذلك على خلاف ما واجهه قطاع السياحة في البلاد التي تتمتع بجميع أنواع السياحة منها التاريخية والأثرية والترفيهية والشاطئية.

وفي 10 كانون الثاني/ يناير الماضي، توقع صندوق النقد الدولي، ارتفاع إيرادات قطاع السياحة في مصر لتسجل 11.3 مليار دولار عام 2022/2023، و14.2 مليار دولار عام 2023/2024، و18.9 مليار دولار عام 2024/2025، و22.8 مليار دولار عام 2025/2026، و26.5 مليار دولار عام 2026/2027.

وعلى الجانب الحكومي، وفي منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلنت وزارة السياحة عن أهدافها بمضاعفة أعداد السائحين وعائدات السياحة بجذب 30 مليون زائر بحلول العام 2028، فيما تستعد لإطلاق استراتيجية وطنية للسياحة في الربع الأول من هذا العام.

وذلك وسط مساع مصرية لتحقيق عائدات سياحية بقيمة 30 مليار دولار سنويا، في رقم يتجاوز 3 أضعاف العائدات الحالية والتي بلغت في 2022، نحو 10.7 مليارات دولار ، ونحو 8.9 مليارات دولار في 2021، وحوالي 13 مليارا في 2019، بحسب بيانات البنك المركزي.

وفي 15 شباط/ فبراير 2023، أصدرت الحكومة المصرية اللائحة التنفيذية لقانون المنشآت الفندقية والسياحية رقم 8 لسنة 2022، لتنظيم عمل وأوضاع المنشآت الفندقية والسياحية، والاشتراطات العامة التي يجب توافرها فيها، وإجراءات التراخيص، والرسوم المطلوبة.

لكن مع كل هذه التوقعات الدولية بتعافي السياحة المصرية، وإعلان القاهرة عن خطط واستراتيجيات، يظل التساؤل قائما حول أسباب عدم قبولها تدشين شركات جديدة بقطاع السياحة.

"عجز وفشل"

وفي تعليقه، قال الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء السيد، إنه "قرار غير موفق من الحكومة، وإعلان عن عجزها وفشلها في إدارة الملفات السياحية والاقتصادية والأمنية والحقوقية".

اظهار أخبار متعلقة



استشاري تمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية، اعتبر في حديثه لـ"عربي21"، أنه "استسلام للتحديات التي تواجه قطاع السياحة بمصر بدلا عن وضع خطة استراتيجية طويلة الأمد للإصلاح، ومواجهة المعوقات والمصاعب والعمل على تطوير القطاع وتنميته".

وتابع: "وكذلك، إدخال لاعبين جدد بالسوق، وتمكينهم من المنافسة، وتوفير فرص عمل جديدة، والحفاظ على ملايين الوظائف القائمة، ومنع الاحتكار، وفتح أسواق جديدة، واستقطاب سياح جدد، وزيادة حصيلة العملة الصعبة".

"لصالح هؤلاء"

ويرى السيد، أنه "من الطبيعي أن يكون رأي الاتحاد المصري للغرف السياحية، وغرفة شركات ووكالات السفر والسياحة، متحيزا بغرض احتكار الأسواق، ومنع دخول منافسين جدد".

"وأيضا، رفع تقييم الشركات التي يرغب بعض أصحابها في التخلص منها ببيع تراخيصها بأرقام غير منطقية في ظل غياب دور الدولة، وفساد المناخ السياحي، وسوء سمعة الأجهزة الأمنية في التعامل مع السائحين الأجانب".

وتابع: "وانتشار الفوضى في قطاع المطاعم والمشروبات والمقاهي دون أي رقابة وتقديم أطعمة فاسدة بأسعار مبالغ فيها وخدمة بالغة السوء"، مضيفا: "هذا بخلاف أسلوب الجباية الذي تنتهجه أجهزة الدولة لسرقة الحجاج والمعتمرين مما أثر بالسلب على شركات السياحة الدينية".

وعن رؤيته لأسباب منع الحكومة المصرية تدشين شركات سياحة جديدة، قال الخبير المصري، إن "الدولة لديها طريق واحد لجلب الأموال من مصادر محددة هو الاقتراض، والتفريط في الأصول، ونهب مناجم الذهب والثروات الطبيعية، والجباية".

وأكد أنها "ليست لديها خطط للإصلاح الهيكلي الجذري للاقتصاد المصري وتطوير قطاعاته، بما يصب في مصلحة المواطنين التي لم تعد محل نقاش الحكومة المصرية ولا هي ضمن أولوياتها".

"عشوائية"

وحول ما إذا كانت هناك وجاهة اقتصادية للقرار، أكد السيد، أنه "قرار إداري يتصف بالعشوائية والغباء الإداري كمعظم قرارات الحكومة المأزومة، وبالتالي فلا وجاهة اقتصادية ولا غاية سياسية ولا مصلحة وطنية من ورائه بل كما فصلنا هي مصالح شخصية لمن يرغبون في بيع شركاتهم في ظل منع تراخيص جديدة".

وأكد أن "ذلك القرار لا يدعم قطاع السياحة المتداعي، والشركات التي لا تجد عملا"، مشيرا إلى أنه "لكي يتم انتشال القطاع الأهم في جلب العملة الصعبة من أزماته، لا بد من تحليل المشكلة، وتحديد مواطن الضعف والقوة، والفرص المتاحة والتحديات والمخاطر".

وذلك إلى جانب "وضع خطة استراتيجية لتنمية وتطوير وإعادة هيكلة القطاع السياحي، ترتبط بخطة أشمل لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، وتحويله لاقتصاد إنتاجي، وخطة شاملة لإنقاذ مصر سياسيا وحقوقيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا ودستوريا".

ويرى السيد، أن الأزمة داخلية وتصنعها عيوب إدارية وبيروقراطية وخدمية وأمنية، موضحا أنها "مصرية محلية مرتبطة بالفساد المستشري، والانسداد السياسي، والقمع ومنع الحريات، والتقسيم المتعمد للمجتمع، واحتكار الجيش والصناديق السيادية".

وتابع: "وسيطرة الأذرع الاقتصادية للجهات السيادية على مفاصل الاقتصاد، ومحاربة القطاع الخاص، وضياع الحقوق واغتصابها"، مؤكدا أن "الدليل هو نجاح دول لا تمتلك 10 بالمئة مما تمتلكه مصر من مقومات وثروات ومزارات في جلب أكثر من 5 أضعاف عدد السياح الذين يزورون مصر سنويا".

مدير تسويق بأحد الفنادق المصرية في مدينة شرم الشيخ، قال لـ"عربي21"، إن "هذا القطاع لا يقل خطورة عن البورصة وسوق المال، وأي قرار حكومي داخلي، أو أزمة عالمية، له تأثيره المباشر على القطاع ويؤثر فيه بشكل فوري، لكن استعادة الأعمال في المقابل تتطلب جهودا ووقتا، ويستتبع ذلك كله خسائر فادحة".

ويرى أن "منع تراخيص شركات جديدة، لا يؤثر على عمل الشركات العاملة في جلب السياحة الخارجية، لأن المنافسة محصورة في عدد قليل من الشركات الكبيرة هي المسيطرة على السوق، والباقي يعملون بشكل جزئي وموسمي".

وأوضح أن "للقرار وجاهته والحكومة أدرى بواقع القطاع، ولكنها بذلك قد تحرم القطاع من ضخ أموال جديدة ودماء جديدة وخبرات جديدة، وربما يكون لها تأثير إيجابي أو إمكانية لفتح أسواق أو إنعاش السوق أو استعادة بعض العمالة التي فقدت وظائفها مع الأزمة".

وقال إن "الأخطاء كثيرة ولا تحصى، وبسببها نعاني رغم مؤشرات التعافي، ونعتمد الآن بشكل كبير على السياحة الداخلية، وعبر تقديم عروض بأسعار مغرية جدا في الإقامة والطيران قد تكون غير مربحة لنا، وذلك لجلب بعض السائحين الأوروبيين والمصريين المقيمين في الخارج".
التعليقات (0)