سياسة عربية

قتال عنيف في السودان مع عودة مفاوضات جدة.. وزخم المعارك يصل دارفور

 قالت "لجان أمبدة" إن ستة مدنيين قتلوا مساء الأحد وأصيب 17 آخرون في المنطقة الواقعة بمدينة أم درمان- الأناضول
قالت "لجان أمبدة" إن ستة مدنيين قتلوا مساء الأحد وأصيب 17 آخرون في المنطقة الواقعة بمدينة أم درمان- الأناضول
تواصل القتال العنيف في السودان بين قوات الجيش من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.

ورغم استئناف المفاوضات في مدينة جدة غرب السعودية، إلا أن طرفي القتال واصلا المعارك التي سجلت وتيرة عالية من القتال اليومين الماضيين.

والاثنين، قالت "لجان أمبدة" إن ستة مدنيين قتلوا مساء الأحد، وأصيب 17 آخرون، في المنطقة الواقعة في مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، بسبب سقوط مقذوفات لم يتم تحديد مصدرها.

من ناحية أخرى، قال نشطاء في "غرفة طوارئ أمبدة" (وحدة تطوعية تقدم خدمات طبية في الأحياء إثر توقف المستشفيات في الخرطوم عن العمل) إن "المقذوف الناري الذي سقط في حي أمبدة السبيل الحارة التاسعة أصاب أكثر من 22 مواطنا، ارتقى خمسة منهم إلى الرفيق الأعلى".

وأشار النشطاء، في بيان نشر في صفحة غرفة الطوارئ على "فيسبوك"، إلى أن "العدد قابل للزيادة بسبب أنباء عن حالات وفاة أخرى تجري عملية انتشال جثثهم من تحت الأنقاض".

وأصدرت وزارة الصفحة/ ولاية الخرطوم، بيانا اتهمت فيه الجيش بالقصف، بيد أن ناشطين قالوا إن صفحة الوزارة تسيطر عليها مليشيات الدعم السريع المتهمة بأنها من نفذ القصف.



ومع دخول المعارك شهرها الرابع، فقد تخطت حصيلة اشتباكات السودان الثلاثة آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، ونحو ثلاثة ملايين نازح ولاجئ داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة.

لم يسبق في تاريخ حروب السودان الطويلة أن خاضت العاصمة الخرطوم معارك مستمرة سوى لبضعة أيام على الأكثر، لكن أن تستمر الحرب فيها أشهرا دون مؤشرات على قرب نهايتها فهذا ما لم يكن في حسبان أي طرف.

فالقتال المندلع حاليا في مدن الخرطوم الثلاثة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 نيسان/ أبريل الماضي، لم يفرز أي منتصر، في ظل تداخل مناطق السيطرة والنفوذ مكانيا وحتى زمانيا، بل جوا وأرضا، في بقعة صغيرة يكتظ فيها عشرات الآلاف من المقاتلين المدججين بالسلاح.

لكن القتال ليس مقتصرا على الخرطوم فحسب، بل تطايرت شظايا الحرب لتصل إلى ولايات بعيدة في إقليمي دارفور (غربا) وكردفان (جنوبا).

اظهار أخبار متعلقة



الدعم السريع تتراجع لكنها لم تندحر
التفوق الجوي للجيش السوداني مكنه من تدمير معظم معسكرات قوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور وكردفان، واستهداف قوافل الدعم القادمة من الغرب إلى العاصمة.

ورغم ذلك فقد حاولت قوات الدعم السريع التكيف مع هذا الواقع مسبقا من خلال سعيها للسيطرة على القواعد العسكرية الجوية، لمنع الجيش من استخدامها كنقاط انطلاق لمهاجمتها، إلا أن هذا التكتيك فشل.

وأخفقت قوات الدعم السريع في السيطرة على قاعدة وادي سيدنا الجوية الاستراتيجية، شمالي أم درمان والتي تنطلق منها معظم الغارات الجوية ضدها.

وتمكن الجيش من استعادة قاعدة جبل أولياء الجوية (مهبط مروحيات) جنوبي الخرطوم، ناهيك عن طرده قوات الدعم السريع من قاعدة مروي الجوية (شمالا) بعد أيام من اقتحامها في اليوم الأول من القتال.

"الدعم السريع" لجأت إلى تكتيك جديد في الأسابيع الأخيرة تمثل في استخدام صواريخ مضادة للطائرات ومسيرات، يعتقد أنها حصلت عليها من قوات فاغنر الروسية المتمركزة في ليبيا، وفق تقارير إعلامية غربية.

لكن سيطرة الدعم السريع على الشريط الحدودي مع جمهورية أفريقيا الوسطى، وبالأخص معبري أم دافوق وعد الفرسان الحدوديين، يعتقد أنه بهدف التواصل مع قوات فاغنر  الروسية المنتشرة في أفريقيا الوسطى للاستفادة من تدفق السلاح النوعي عبر الحدود، بحسب تحليل لوكالة "الأناضول" التركية.

ورغم أن "فاغنر" سبق وأن نفت انحيازها لقوات الدعم السريع وأبدت استعدادها للتوسط مع الجيش إلا أن عدة مؤشرات لا تدعم هذا الموقف.

فحصول الدعم السريع على منظومات دفاع جوي وإسقاطها طائرتين حربيتين على الأقل للجيش السوداني رغم عدم امتلاك مقاتليها الخبرة اللازمة لاستخدام هذه الأسلحة النوعية يكشف عن وجود طرف أجنبي دخل الصراع.

اظهار أخبار متعلقة



استنزاف مقاتلي الدعم السريع
قوات الدعم السريع، التي كانت تأمل في نصر سريع يطيح بعبد الفتاح البرهان، من قيادة الجيش والدولة، مستغلة تمركزها في عدة مناطق حساسة مثل القصر الرئاسي، وجدت نفسها تخوض حرب استنزاف بالعاصمة خارج معاقلها التقليدية في دارفور.

ورغم أنها حشدت نحو 60 ألف مقاتل في الخرطوم وحدها من أصل نحو 120 ألفا من عناصرها، إلا أن تقرير مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام (مستقل) كشف أن عددهم في ولاية الخرطوم انخفض بشكل ملحوظ إلى ما بين 10 إلى 12 ألف مقاتل بسبب الموت أو الإصابة أو الفرار من ميدان المعركة.

ورغم هذه الحقائق على الأرض، وانتشار قوات الدعم السريع في مساحات شاسعة خاصة في الخرطوم ودارفور وكردفان، فإنها لا تعاني نقصا بالمؤن والوقود والذخائر.

ويعود ذلك إلى "نهبها للكثير من المتاجر والأسواق"، وفق رواية الجيش، واستيلائها على مصفاة الجيلي للنفط بالخرطوم، وكذلك على مصنع اليرموك للتصنيع العسكري وعدة معسكرات للجيش، ما يمنحها قدرة على مواصلة القتال لأمد أطول دون أن تستنزف، باستثناء المجال الطبي خاصة العمليات الجراحية المعقدة.

أما على الصعيد البشري، فرغم تراجع عدد مقاتلي الدعم السريع لأسباب عديدة بينها خلافات بين قبيلتي الرزيقات، التي ينحدر منها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والمسيرية، التي ينحدر منها موسى هلال، القائد السابق لمليشيا الجنجويد (الدعم السريع)، إلا أن حميدتي تلقى دعما هاما من سبعة زعماء قبائل في دارفور.

ودعا زعماء أكبر سبع قبائل عربية في إقليم دارفور، أفراد قبائلهم إلى الانضمام لقوات الدعم السريع والانسحاب من الجيش.

وهذا الوضع من شأنه تعزيز الإمدادات البشرية لقوات الدعم السريع وتعويض ما خسرته من مقاتلين خلال المعارك.

اظهار أخبار متعلقة



دارفور.. الحركات المسلحة على وشك دخول الحرب
القتال في دارفور يتصاعد خاصة في ولاية غرب دارفور، بين قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة الموالية لها والقبائل الأفريقية، وخاصة قبيلة المساليت، ومن شأن ذلك أن يدفع الحركات المسلحة في الإقليم إلى العودة للقتال.

واتهمت "حركة تحرير السودان" قوات الدعم السريع بقتل والي ولاية غرب دارفور الجنرال خميس أبكر، منتصف يونيو/ حزيران الماضي وأعلنت نفض يدها من الاتفاق الإطاري.

ومن شأن ذلك أن يدفع حركات التمرد السابقة في دارفور إلى الدخول في حرب جديدة مع الدعم السريع، على غرار تلك التي اندلعت في 2003، ما سيؤدي إلى توسع القتال لأطراف جديدة.

فالفاشر، أكبر مدن إقليم دارفور وعاصمة ولاية شمال دارفور، والتي يوجد بها أكبر مطار وقاعدة جوية بالإقليم، ما زالت تقاوم محاولات قوات الدعم السريع السيطرة عليها.

إلا أن الوضع بولاية غرب دارفور يبدو خارج سيطرة الجيش، فالولاية كانت آخر معاقل حركات التمرد في الإقليم، لكنها اليوم تتعرض لهجمات عنيفة من الدعم السريع والمجموعات القبلية الموالية لها ضد قبيلة المساليت وقبائل أفريقية أخرى، ما أجبر مئات الآلاف من أفرادها على النزوح غربا أو اللجوء إلى دولة تشاد، بحسب وسائل إعلام، ومنظمات أممية.

وزيارة قيادات من الحركات المسلحة في دارفور الموقعة على "اتفاق جوبا" العاصمة التشادية نجامينا للقاء الرئيس محمد إدريس دبي، يعكس أن الأوضاع في دارفور تقترب من التدويل بعد أعوام قليلة من الهدوء النسبي.

أما في ولايتي جنوب دارفور وشرق دارفور، بغالبيتهما العربية، واللتان تقطنهما قبائل المسيرية والرزيقات، مع أقلية من القبائل الأفريقية، فالأوضاع تتجه إلى تصعيد أكبر من جانب قوات الدعم السريع.

فبعد نحو ثلاثة أشهر من إخفاق قوات الدعم السريع في السيطرة على الخرطوم، فإنها تتجه نحو تركيز جهدها للسيطرة على ولايات دارفور الخمس، التي تتصاعد فيها الاشتباكات باستثناء ولاية وسط دارفور وعاصمتها الضعين.

بينما يسعى الجيش لحشد معظم قواته في الخرطوم، باعتبارها معركته الرئيسية دون أن يسحب قواته من دارفور وكردفان.

اظهار أخبار متعلقة




كردفان.. السيطرة على خطوط الإمداد
أما في إقليم كردفان، الذي يضم ثلاث ولايات (شمال كردفان، وجنوب كردفان، وغرب كردفان)، فالأوضاع عادت لتشتعل مجددا، خاصة أن مدينة الأُبَيِّض، عاصمة شمال كردفان، تضم قاعدة جوية استراتيجية يمكن للجيش السوداني من خلالها مراقبة كامل المنطقة ما بين الخرطوم ودارفور، وقطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع الطويلة.

وهذا ما دفع قوات حميدتي لمحاصرة الأُبيض بهدف السيطرة على قاعدتها الجوية وفتح طريق الإمداد بين دارفور والخرطوم، بينما يحاول الجيش فك الحصار عنها عبر الغارات الجوية.

جنوب كردفان، ولاية أخرى شديدة الاحتقان ليس لتواجد الدعم السريع فيها، ولكن لمحاولة الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال، جناح عبد العزيز الحلو، استغلال انشغال الجيش في قتال وجودي، للهجوم على وحداته المحلية في مدينة كادوغلي، عاصمة الولاية، بهدف تحقيق تقدم ميداني فيها.

لكن هذا التحرك لا يحظى بدعم دولة جنوب السودان الداعم الرئيسي لحركة الحلو، ولا الجناح الآخر في الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال، بقيادة مالك عقار، الحليف الجديد لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

لم يوسع جناح الحلو عملياته العسكرية ضد كادوغلي، لكن مقاتليه الذين يسيطرون على أجزاء من ولاية جنوب كردفان، يمثلون تهديدا مستمرا خاصة مع انشغال الجيش بالقتال في أكثر من جبهة.
أما ولاية غرب دارفور، ورغم أنها تعيش هدوءا حذرا، فإنه يتواجد في جنوبها منطقة آبيي، الغنية بالنفط، والمتنازع عليها مع دولة جنوب السودان.

وإذا طالت الحرب لأشهر أخرى وربما لسنوات، فإن ذلك يفتح المجال لتمدد الصراع خارج حدود البلاد، ما يهدد بانقسامها مجددا.


التعليقات (0)