كتاب عربي 21

مركزية "الحالة الإسلامية" المصرية

1300x600
1300x600
يحدث جدل كبير في أوساط المراقبين للحالة الإسلامية المصرية، سواء من داخلها أو من خارجها؛ عن
"مركزية" هذه الحالة في إيجاد سياقات وأجوبة عن مستقبل الحالة الإسلامية في المنطقة برمتها، وقد تزايد التجاذب حول هذا الطرح بعد إسقاط التجربة الديمقراطية الرئيسة الوليدة في الوطن العربي، وإسقاط تجربة الإخوان التي راهنت على الإصلاح الديمقراطي في بلد يعتبر مركزًا ومنبعًا لتنظيرات
وحركات الإسلام السياسي .

ولعل إسقاط التجربة الديمقراطية ودفع إسلاميي مصر -إلا قليلا منهم-  للمسار الثوري "عنوة"! وهو المسار الذي لا يفضلونه ولا يطرحونه في أدبياتهم، وما ترتب على الفض الدموي البشع في النهضة ورابعة ووحشية القتل والفتك في الشوارع من صدمات، هو ما دفع المراقبين لإدراك خطورة الموقف على "السؤال الديمقراطي"، وخطر ذلك على استدعاء الإسلاميين لإجابات كانوا قد طلقوها أو هجروها، ولذلك احتدم النقاش !

يتفق الغالبية من المنخرطين في نقاش الحالة المصرية على أنها فتكت بقدر ليس بالهين بالسؤال
الديمقراطي ودفعت الوعي الإسلامي المصري لإعادة التفكير في هذا المسار وجدواه، وانتقلت النقاشات في الوسط الشبابي الإسلامي بمصر إلى ميدان إعلان زيف الديمقراطية "كخيار" للتغيير في المنطقة، وبعض النقاشات اندمجت في العودة للميراث "القطبي" في التأسيس لحركة إسلامية ذات مرجعية "مواجهة - مفاصلة"، والعودة عن أطروحات ما بعد الإسلاموية وما أنتجته الحالة الفتوحية !

كل ذلك دفع بعض المراقبين للحديث عن أن الحالة المصرية "غير مركزية" وغير ملزمة لبقية التجارب الإسلامية في المنطقة وليست مرتبطة ارتباطا حقيقيا بفشل مشروع الديمقراطية في المنطقة، وأسهبت النقاشات في لفت الأنظار لتجربة النهضة في تونس وإعلان إمكانية استمرارية الحل الديمقراطي، وكذلك استمرار تجربة الإصلاح في المغرب.

ولكن في الحقيقة، فإني أرى في دوافع هؤلاء المراقبين خوفا حقيقيا من ضياع التجربة الديمقراطية وليس الدافع قراءة موضوعية حقيقية للأحداث، فالحالة المصرية السياسية والثورية والإسلامية هي حالة مركزية في أجوبة التغيير في المنطقة. والانقلاب العسكري في مصر كان انقلابا مدعوما ماليا وسياسيا وإعلاميا من أنظمة خمس دول عربية ملكية، بما يعني على الحقيقة مركزية الجواب المصري أيضا بالنسبة للاستبداد العربي ودوله. كذلك كان مركزيا بالنسبة لـ"إسرائيل" ولإسلاميي فلسطين، ومؤثرا أيضا على الحالة التونسية وغيرها !

إن الأجوبة التي ستطورها الحالة الإسلامية المصرية على هذا التحدي الكبير، ستكون ذات تأثير كبير
على تجارب الحركات الإسلامية في المنطقة، وإن حالة الانقلاب على الديمقراطية في مصر تأتي بعد حالات أثرت أيضا في الوعي الإسلامي العام وتجاربه، كتجربة "الجزائر" وتجربة "حماس"، وقبلهما تجربة "أربكان". وإن فشل محاولة الإسلاميين الاندماج في الجواب الديمقراطي، أو بالأحرى إفشال اندماجهم فيه وفي الدولة سيدفعهم ليس لإنتاج أجوبة جديدة بقدر ما سيدفع للتصالح مع  أجوبة وتجارب قديمة، كان ينظر لها بعين التشدد وا?صولية.

إن ما فعله الانقلاب ومنظومة الدول الخليجية الداعمة له، لن يأتي بالاستقرار على تلك الأنظمة، بل سيدفع المنطقة كلها إلى هوة صراع لا قواعد له، ويجعل قوس الإجابة مفتوحا على احتمالات
التفاعل.. التي لايمكن التنبؤ بمداها وحجمها وعمقها واحتدادها وقبولها لقواعد اللعبة القديمة.

وعليه، فمركزية هذه الحالة حتمية، وإن اختلف البعض في تقدير حجم التأثير، وبالتالي فإن الأجوبة على التحدي ستكون مقنعة لبقية الحالات الإسلامية المتعطشة للجواب على تساؤلات الانقلاب.
أما تجربة تونس، فالذي يبدو في الأفق أنها في طريقها لانهيار وشيك بسبب محاربة التوجه الديمقراطي بشكل ممنهج، ربما يفضي في أحد أحواله للحاق بالتجربة المصرية.. ولنا لقاء في التفصيل التونسي .
التعليقات (0)