كتاب عربي 21

ويسألونك عن "سد الحنك"؟

1300x600
1300x600
كأنه أكل “سد الحنك” ويسألونك عن “سد الحنك”؟.. فقل أكلة مصرية تحمل هذا الاسم، ويقال مجازاً على كل صامت، أنه أكل “سد الحنك”، ولا أعرف ما إذا كان “سد الحنك” طبيخاً، أم نوعا من الحلوى، فأنا لا تستهويني الحلوى، ولكني من عشاق الطبيخ!

باسم يوسف هو من يبدو وكأنه أكل “سد الحنك”، فعقب منع برنامجه “البرنامج” العائد بعد توقف عمره من عمر الانقلاب العسكري في مصر، سافر إلى من بيدهم “عقد النكاح” في الشقيقة الكبرى الإمارات، ولم ينطق ببنت شفة، على الرغم من مرور أسبوعين على منع برنامجه، حيث قرر صاحب قناة “سي بي سي” أن يعلق التهمة في رقبته، ومثلي لا يزال عنده شك، في أن يكون صاحب الاسم المتداول في الأسواق، على أنه صاحب “سي بي سي” هو صاحبها فعلاً، فالرجل ينفق من سعة، وأظن Jن حجم الإنفاق على “سي بي سي” لا تتحمله دولة لها علم، ونشيد، ولها رئيس، مؤقت أو له صفة الديمومة!

برنامج “البرنامج” يصور حلقاته في مسرح بوسط القاهرة، في يوم الأربعاء، ليبث في يوم الجمعة، في العاشرة مساء، بتوقيت القاهرة. والمعنى أنه إذا كان صاحب القناة، يقوم بمراجعة الحلقة في كل مرة قبل إذاعتها، فقد كان من الطبيعي أن يعلن قراره بالبث من عدمه في وقت مناسب، لكن قرار المنع أعلن في موعد بث الحلقة، وجاء في حيثياته أن المنع هو لأن البرنامج يخالف سياسة القناة، دون أن يقال لنا ما هي سياسة القناة؟! وقد أعطى صاحب المحطة لأهل الحكم ذريعة لأن يقولوا أن قرار المنع هو خاص بالمحطة ولا شأن لهم بذلك، وهو الكلام الذي تردد في أكثر من محفل،وآخره ما قاله وزير الخارجية في سلطة الانقلاب!

لا تثريب على المحطة وصاحبها، فرأس المال جبان، والـ "سي بي سي" هي قناة كان شغلها الشاغل يتمثل في اغتيال شخصية الرئيس محمد مرسي، الذي يحسب له أنه تحمل لمدة سنة كاملة تجاوز باسم يوسف دائرة النقد المباح إلى توجيه الإهانة لشخصه، في حين أن تمهيداً اقترب من رحاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لم يتحمله، وكان باسم يمهد لما هو آت، وهو الذي من أجله عاد برنامجه بعد توقف، وهو السخرية من معارضي الانقلاب، والتهجم على قناة "الجزيرة"، وكان التمهيد لاكتساب مصداقية لدى رجل الشارع، مع أن باسم يأتي هيناً ليناً عندما يكون الأمر خاصاً بالسيسي على العكس من تعامله مع الرئيس مرسي.

"السيسي الدكر"

بعد عودة برنامج باسم يوسف، هاج القوم وماجوا، لأن باسم تمضمض باللبن الحليب وسخر من أنصار السيسي. والذين هاجوا وماجوا هم من شكلوا جماعة "إحنا آسفين ياريس"، يقصدون المخلوع مبارك، ثم صاروا هم حملة استبعد سليمان من الترشيح، وهم الذين يطلبون بالسيسي رئيساً ولو بدون انتخابات، لعلمهم أن أي انتخابات نزيهة سيسقط فيها السيسي وكل سيسي.. أقول إن سخرية برنامج "البرنامج" كانت من أنصار السيسي، فلم يجرؤ على الاقتراب من السيسي ذاته، ومن خلال الدعاية المقررة، كالمناهج الدراسية، والتي تصف المذكور بأنه "دكر".. وهي الكلمة التي جرت على لسان أكثر من واحد من مقدمي برامج "التوك شو"، حيث ذكروا هذا الوصف: "دكر"!.

محظوظ السيسي بأنصاره؛ فعقب الهرج والمرج الذي ساد عقب الحلقة الأولى من "البرنامج" روجوا لتصريح منسوب للسيسي، يساند فيه البرنامج وإن تطاول على شخصه، على قاعدة من حق المصريين أن يفرحوا. وبعض الموالين للانقلاب استخدموا هذا التصريح للتأكيد على إيمان السيسي العميق بحق النقد، لكن المتحدث العسكري جاء ليكحلها فأعماها عندما نفى في تصريح نشرته الصحف السيارة ذلك، فهو نفى أن يكون وزير دفاعه قد صرح بأي كلام بخصوص برنامج "البرنامج" دون أن يذكر التصريح المنسوب إليه، ربما ليعطي مبرراً لمن يعجز عن الربط بين التصريح والنفي في الاستمرار في التأكيد على ديمقراطية السيسي الذي لم يضق ذرعاً بالهجوم عليه، ودافع عن البرنامج وعن حق المصريين في الضحك، باعتباره من الحقوق الدستورية!

السيسي محظوظ بفرقة العزف المنفرد، التي بلغ بها الحب حد أنها تؤسس لزعامته بالاختراعات غير المسؤول عنها، فهي التي قالت إنه جمال عبد الناصر وقد بعث من جديد، دون أن يدفع السيسي ثمن هذا، من علاقات خارجية أسسها مع أعداء المشروع الناصري، والتي تبدأ بواشنطن مروراً بـ"سرائيل"، ولا تنتهي بدول الخليج، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، التي كانت في الخطاب الناصري رمز الرجعية في المنطقة، وقد حاربت مشروعه، وكانت ملجأ للإخوان الذين فروا من جحيم استبداده، وعندما يقول أحد إن هذه القوى الآن هي من تناصر السيسي، فهذا تأكيد على أن
السيسي ليس هو عبد الناصر!

السيسي وعبد الناصر

لا بأس، فالذين يروجون لدعاية جمال عبد الناصر الذي بعث من جديد يعلمون أنهم يكذبون على الرأي العام، وقد شاهدنا أحد الشباب في هذا الاتجاه يحمل على المملكة العربية السعودية عبر قناة "العالم".. الإيرانية،
ثم إنه هو بشحمه ولحمه يظهر على شاشة أخرى ليشيد بالدور السعودي في إنجاح ثورة 30 يونيه،
من وجهة نظره وانقلاب 30 يونيو من وجهة نظرنا.

ما علينا، فعبد الناصر انحاز للفقراء، بينما دوائر الانقلاب في مصر، ليست مكترثة بهؤلاء الفقراء، فالذين نهبوا مقدرات البلاد، ومكنهم نظام مبارك من الاستيلاء على أراضي الدولة بالكيلو متر، هم الذين تبنوا هذا الانقلاب ومولوه ودافعوا عنه!

السيسي نفسه لم يقل ماذا يمثل له عبد الناصر؟  لكن البركة في فرق الحب العذري، وهي ذاتها التي روجت على لسان السيسي ما لم يقله من أنه منحاز لبرنامج باسم يوسف باعتباره يحقق البسمة، التي يرعاها سيادته ويمكنها من الشيوع، ويكلف حرس الحدود من السهر حتى لا تغادر إلى دول الجوار!

اللافت أن البرنامج لم يبث في الجمعة التالية، بعد أن اكتشف السيد صاحب القناة أنه خرج على السياسة العليا لها، وكان يجب التنبيه  عليه ليقوم بتصوير الحلقات التالية ملتزماً بهذه السياسة الرشيدة، أو أن يقول لنا باسم، إنه عندما اطلع على سياسة القناة لأول مرة هاله ما رأي وعليه رفض الاستمرار في العمل بالـ "سي بي سي"!

لقد أكل باسم يوسف "سد الحنك"، وطار إلى دبي، ولم تتحزم البنت وأمها كما جرى في عهد مرسي، كناية عن الاحتشاد، دفاعاً عن حرية الرأي التي جار عليها الحكم الإخواني، ولم نسمع صوتاً لـ"جون ستيورات" هذه المرة والذي أقام الدنيا وأقعدها في السابق لمجرد أن جهات التحقيق استدعت باسم، واعتبر أن هذا علامة من العلامات الكبرى ليوم القيامة.. "وأن تستدعي النيابة العامة
باسم يوسف للتحقيق".. فهل كان جون ستيورات مستدعى للقيام بمهمة في هذا الملف؟ فمبلغ علمي أن هذا لو كان لوجه الحرية لاستدعى حضور المذكور هذه المرة، لكن لأن القضية ليس طرفاً فيها محمد مرسي وحكم الإسلاميين، فقد أكل "سد الحنك" هو أيضاً.

أرض ـ جو

مصر البلد الوحيد، الذي يمكن لـ "الألدغ" فيها أن يعمل مذيعاً.

على قناة "دريم" تبادل منتصر الزيات وعبد الحليم قنديل "رش المياه" باعتبار أن رشها عداوة. الذنب يقع على مقدم البرنامج الذي ترك عبد الحليم قنديل يتكلم، دون أن يدير الحوار لتبدو الغلبة
للصوت العالي.

يبدو أن فيصل القاسم ترك الشأن المصري  إلى غير رجعة، فقد ظننت أنه عندما يمل الشأن السوري سيعرج على المصري، لكنه مل فتركه للشأن الفلسطيني.

حالة من الفزع انتابت سلطة الانقلاب في مصر بعد أن علموا أن الإخوان سيطلقون قناة "رابعة العدوية".. لست مستبشراً بإعلام يقوم عليه الإخوان، لكن راعني ما قاله رئيس هيئة الاستثمار من أنه لم يمنح القناة الرخصة القانونية.. الفتى قديم، قدم الأستاذ هيكل مخطط الانقلاب، فلا يزال يتعامل على أنه محور الكون، ولا يعلم أنه يمكن لمحطة تلفزيونية أن تبث دون طلب الرخصة من سموه.

هيكل لأنه قديم فقد ظن أن الإخوان بعد إسقاط الرئيس واعتقال قياداتهم يمكن أن تتلخص كل مطالبهم في تحسين شروط الاعتقال.

الوليد بن طلال قرر إطلاق محطة تلفزيونية إخبارية تبث من البحرين.. أموال تنفق، ثم لا شيء يتحقق على الأرض، فشرط نجاح الإعلام ليس متحققاً.. وهو الحرية.
التعليقات (0)