مقالات مختارة

سوريا الحبيبة ضحية العرب والنظام الحاكم في دمشق

محمد صالح المسفر
1300x600
1300x600
لا جدال في أن أمتنا العربية لا تستحق كل هذا العذاب الذي يأتيها من داخلها ومن خارجها، في الماضي كانت أمتنا متحدة تواجه جحافل الغزاة الفرنجة وغيرهم، كانت تناضل من أجل طرد الاستعمار ونيل الاستقلال وبناء الدولة العصرية الحديثة، كانت أمتنا العربية تناضل من أجل الوحدة والحرية والعدالة والمساواة.

(1)
في الماضي القريب الإمبراطورية البريطانية استطاعت تجزئة الأمة العربية رغم المقاومة العظيمة إلى أقطار بعضها كبير المساحة والبعض الآخر صغير حسب إستراتيجية بريطانيا. الإمبراطورية البريطانية أهدت دولة بني كعب بحكامها وشعبها ومواردها إلى إيران في ثلاثينيات القرن الماضي والعرب يتفرجون وما برحت "عرب الأحواز" تحت الاحتلال الفارسي حتى هذه الساعة، وفي مطلع سبعينيات القرن الماضي أهدت بريطانيا جزر الإمارات العربية المتحدة عشية استقلالها إلى إيران، وفرنسا أهدت لواء الإسكندرونة إلى تركيا بعد الحرب العالمية الثانية وما انفك تحت السيادة التركية حتى هذه الساعة.

(2)
الإمبراطورية الأمريكية في يومنا الحاضر احتلت العراق عام (2003) وقدمته هدية لإيران بشعبة وعلمائه وآثاره ومكتباته وموارده ومكانته التاريخية، ونحن العرب من دفع تكاليف حصار العراق واستنزافه لثلاثة عشر عاما ثم احتلاله، وهي اليوم تساوم لتقديم سوريا هدية أيضاً لإيران تحت ذريعة أنها القوة التي تستطيع أمريكا أن تضمن مصالحها ومصالح حلفائها من الدول الغربية، ولا أنسى فلسطين فقد أهديت إلى الصهيونية العالمية "إسرائيل" من قبل كل القوى الغربية واليوم الولايات المتحدة الأمريكية تحمي تلك الهدايا.

(3)
اليوم أمتنا تواجه نفسها بحروب غاية في الوحشية واستدعاء كل أحقاد التاريخ. ليبيا العزيزة غيبت عنا كدولة أربعين عاما وبقيت طيلة تلك الفترة محمية خاصة لمعمر القذافي ورهطه، واليوم ليبيا بعد أن تحررت من كابوس "المحمية" لتدخل في معراج الدول يأبى أبناؤها إلا أن يبقون رهينة القبيلة والناحية، قتال مرير كان آخره معركة طرابلس في الأسبوع الماضي التي كان ضحيتها أكثر من أربعين قتيلا إلى جانب الجرحى، وانشقاقات في الغرب الليبي تعمل من أجل تأكيد "الجهة" وفرض الهيمنة على الموارد النفطية هناك من أجل مصالح ذاتية، ولا يعلم إلا الله عز وجل متى يستطيع الشعب الليبي العريق أن يسترد عافيته ويبني وحدته ويقيم دولته الحرة المستقلة في ظل تعددية وطنية وحدوية.

(4)

الأدهى والأعظم ما يجري على أرض سوريا الحبيبة، ثوار ومعارضون مختلفون يقاتل بعضهم بعضا، ائتلاف وطني تتجاذبه القوى الفاعلة تتمنع بعض فصائل المعارضة والثورة من الاعتراف به والتعاون معه، ومجلس وطني يتناهشه القوم، وجيش حر مشتت وقياداته مختلفة، ومعارضون في الخارج روابطهم مع الداخل المعارض تكاد تكون منعدمة، الكل من المعارضة كل أصنافها والجيش الحر يريد إسقاط النظام الحاكم في دمشق لكنهم مختلفون على كيفية إسقاطه وما هو نصيب كل حزب من تركة النظام إذا سقط.

الثوار باختلاف مشاربهم وأهدافهم ومعهم الجيش الحر يخسرون مواقع كانوا يسيطرون عليها في حلب ودير الزور وأدلب وحمص واليوم محور القلمون وريف دمشق يتهاوى لصالح جيش النظام وحلفائه من الفرس وأحزاب الطوائف الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان يعاونهم مرتزقة مجندون من أوروبا الشرقية ومن بعض أنصار الطائفية في بعض الدول العربية خاصة اليمن والخليج العربي ومدد روسي بكل وسائل القتال، كل هؤلاء الذين يقاتلون إلى جانب النظام الحاكم في دمشق متحدون تحت قيادة واحدة ولهذا يحققون انتصارات في كل الجبهات.

(5)

نقرأ ونسمع في وسائل الإعلام أن الائتلاف السوري المعارض والجيش الحر يتلقون دعما ماليا وسلاحا من دول عربية خليجية وأن بعض رموز تلك الدول الخليجية استقروا في مواقع بالقرب من الحدود السورية، والحق أننا في شك من الأمر، المعارضون السوريون بكل أطيافهم ينكرون أن مددا جوهريا يأتيهم من خارج الحدود إلا ما ندر ويواجهون قوات عسكرية ضاربة طيرانا حربيا ومدفعية ثقيلة وراجمات صواريخ وجيوشا ومرتزقة مدربين على حرب المدن والأرياف.

بعض الدول الخليجية أصدر فقهاؤها فتاوى تحرم ذهاب متطوعين للقتال في سوريا إلى جانب الثوار والجيش الحر، بينما إيران كما تقول وسائل الإعلام دفعت بطلائع ما سموه "جيش فلسطين" الإيراني، ودفعت بجحافل الحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد، يساندهم "لواء أبو الفضل العباس العراقي" وغيرهم، وقوات حزب الله اللبناني، لم تشكُ هذه القوى المساندة لبشار الأسد من ندرة في المال أو السلاح أو الرجال ويعود السبب في ذلك إلى وحدة هذه القوى ووحدة قيادتها وأهدافهم، أقول العرب يقصرون في حق الشعب السوري ومعارضيه كما قصروا في حق الشعب العراقي وخذلوه، والغرب تنكر للمعارضة وحماية الشعب السوري من بطش النظام الحاكم وقواته الجوية بعد أن اطمأن أن إسرائيل في أمان من السلاح الكيماوي السوري، وما برح يراهن على أضعاف الشعب الثائر واستنزاف الجيش العربي السوري حتى الهلاك.

آخر القول: اتحدوا يا معارضين ويا منشقين من أجل تحقيق أهدافكم، اخلصوا عملكم واريدوا الله وسوريا بأعمالكم ولا تكون أهدافكم فئوية ضيقة، وصارحونا يا حكامنا في الخليج هل تمدون هذه القوى بكل ما يطلبون من مال وسلاح متطور لتحقيق أهدافهم أو أن ما يقال عنكم افتراء وبهتان وحملة إعلامية مضللة؟!

(عن الشرق القطرية)
التعليقات (0)