كتاب عربي 21

عندما تصبح الجزائر لاعبا مؤثرا داخل المشهد التونسي

1300x600
1300x600
للمرة الثانية خلال أقل من شهرين، توجه كل من رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي والرجل الاول في حزب نداء تونس الباجي قايد السبسي الى العاصمة الجزائرية لكي يستقبلهما - كل على انفراد- الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وإذا كان اللقاء الأول قد أمكن تطويقه بسرعة حتى قبل ان تتسع ردود الفعل، إلا أن اللقاء الأخير قد ولد مواقف سلبية حادة في بعض دوائر الأوساط السياسية التونسية المعارضة للائتلاف الحاكم، وذلك بسبب تطرق المحادثات من جديد لملف الأزمة السياسية الداخلية التي تمر بها تونس، وهو ما أثار تحفظ المحتجين الذين تساءلوا عن دوافع هذا الاهتمام المتزايد من قبل القيادة الجزائرية بالشأن التونسي؛ كما استغربوا بالخصوص من لجوء الحزبين الكبيرين في تونس إلى محاولة البحث عن حل للأزمة بعيدا عن أجواء الحوار الوطني المتوقف بسبب حدة الاختلاف بين الفرقاء السياسيين وتصاعد وتيرة المناورات الجارية من قبل الجميع.
كان الرئيس بورقيبة شديد الحذر في علاقته بالجزائر، وقد تنازل بعد الاستقلال عن جزء من الحدود المشتركة بين البلدين لكي يمنع أي شكل من أشكال التدخل في شؤون تونس الداخلية. وقد حافظ الرئيس بن علي على نفس النهج، حتى قيل بأن المخابرات الجزائرية كانت على علم مسبق قبل فترة وجيزة بمخطط إزاحة بورقيبة عن الحكم. لكن عندما تصاعدت موجة الاحتجاجات في تونس لم تتوقع القيادة الجزائرية فرضية هروب بن علي، وهو ما شكل لديها رجة استراتيجية جعلها تصر على الدفاع عن معمر القذافي الى الرمق الأخير. وكان ذلك أمرا مفهوما الى حد ما، لأن الوضع في الجزائر كان صعبا ولا يزال، ولأن بعض مراكز البحث الاستراتيجي الأمريكية توقعت بأن البلد العربي المهيأ لتقبل انتقال العدوى الثورية هو الجزائر، ولهذا اعتقد القادة الجزائريون بأن ما جرى في ما سمي بدول الربيع العربي ليس سوى " تخطيطا متعمدا من الدوائر الغربية، لارباك المنطقة وإعادة صياغة اوضاعها وفق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ".
لكن الأمر ازداد تعقيدا، عندما صعد الإسلاميون الى السلطة في كل من تونس ومصر والمغرب، وأصبحت لهم كلمة مسموعة في ليبيا بسبب اشتراكهم في البرلمان والحكومة، إذ أن هذا الاحتمال لم تقرأ له الدوائر الجزائرية حسابا. ولهذا لجأت منذ البداية الى ردود فعل قوية ضد قادة حركة النهضة في كل مناسبة وخاصة راشد الغنوشي كلما صدرت عنهم تصريحات قد تفسر بأنها محاولة للتدخل في الشأن الجزائري، حتى أدركوا بأنه ليس في مصلحتهم إثارة الجار الغربي لتونس، خاصة بعد هزيمة الإسلاميين الجزائريين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعد أن راهن الغنوشي على فوزهم.
 لقد زاد اهتمام الجزائر بتونس بعد تصاعد خطر المجموعات المسلحة، وتواتر العمليات الإرهابية على حدودها الشرقية مع انخراط متزايد لعناصر جزائرية مصنفة بالخطيرة، وهو ما جعلها تستحضر حجم المخاطر التي تهددها، ودفعها لترى في تونس العمق الاستراتيجي لحماية أمنها القومي. وبناء عليه، قررت أن تبذل جهودا كبرى في سبيل الحيلولة دون أن تتحول البلاد التونسية الى ليبيا جديدة على حدودها. 
في هذا السياق يأتي قرار الرئيس بوتفليقة أن يضع ثقله-رغم وضعه الصحي الحرج-، لكي يسهم من موقعه في تقريب وجهات النظر بين من يعتبرهما الأكثر تأثيرا في تونس وهما الغنوشي والسبسي، مستفيدا من تجربته الطويلة في مجال العمل الدبلوماسي. لكن هل سيبقى ذلك عند حدود تقديم النصح وممارسة نوع من الأبوة لتنقية الأوضاع السياسية داخل تونس، أم أن ذلك قد تتسع رقعته ويكون بداية لدور جزائري متصاعد في تونس قد يشبه الدور السوري في لبنان ؟ وهو الأمر الذي تخشى منه أطراف سياسية متعددة.
أما الوجه الآخر للمسألة فهو يتعلق بأزمة الثقة التي فجرتها بين أطراف المعارضة، فالحزب الجمهوري المتحالف مع حزب نداء تونس أصبح يعتبر إن الزيارات المتقاربة بين زعيمي الحزبين للجزائر مع تعليق الحوار الوطني تعطي انطباعا بأن " هناك أمرا ما يطبخ خارج البلاد "، رافضا ما اعتبره تدخلا خارجيا في شؤون تونس. وبالرغم من تكذيب هذا التصريح من قبل المتحدث باسم حزب نداء تونس إلا إن ذلك يؤشر على وجود بداية تصدع بين حليفين هامين داخل جبهة المعارضة. ومما زاد في إثارة الشكوك ما صرح به أحد كوادر حركة النهضة حول وجود صفقة واردة بين الحركة ونداء تونس، وهو سيناريو محتمل من شأنه ان يقلب الخارطة الحزبية والسياسية بشكل جذري رغم حجم العداوة بين الطرفين.
مهما كانت احتمالات المرحلة القادمة ، فالمؤكد أن الجزائر قد أصبحت لاعبا مهما له تأثيره المباشر على معادلات الساحة السياسية التونسية.
 
التعليقات (0)