كتاب عربي 21

إيران كصديق لأمريكا وشريك في الحرب على الإرهاب

1300x600
1300x600
لا جدال بأن الاتفاق الأخير حول الملف النووي الإيراني بين الولايات المتحدة والغرب (5+1) وإيران جاء تتويجا لتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط عقب فشل سياسات "الحرب على الإرهاب"، التي تمخضت عن نتائج كارثية للولايات المتحدة وساهمت في تعزيز مكانة إيران كدولة إقليمية فاعلة، فعندما أطلق الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش حملته العسكرية على العراق في العشرين من آذار/مارس عام 2003، كان من المفترض أن تختتم فصول سياسة "الحرب على الإرهاب" عبر الإطاحة بنظام صدام حسين "الاستبدادي" واستبداله بنظام "ديمقراطي" موال للولايات المتحدة تمهيدا لتدشين "شرق أوسط جديد". 

وبعد مرور عشر سنوات على الاحتلال أصبح العراق محورا رئيسيا في المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران، فقد بذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق, ومع ذلك  فإن احتواء النفوذ الإيراني لم يكن الهدف الرئيس لأميركا في العراق, بل خلق ديمقراطية مستقرة يمكنها هزيمة ما تبقى من العناصر المتطرفة والمتمردة, والدفاع ضد التهديدات الخارجية, ودعم قيام مجتمع مدني قادر, وإبراز الصداقة القوية المستقرة للولايات المتحدة وحلفائها في الخليج.

لقد شنت الولايات المتحدة الحرب لأسباب خاطئة, مركزة على تهديدات أسلحة الدمار الشامل ورعاية الحكومة العراقية للإرهاب الذي لم يكن موجودا, ولم تكن لها خطة ذات مغزى لعمليات تحقيق الاستقرار أو بناء الأمة, وتركت العراق للانزلاق إلى نصف عقد من الحرب الأهلية, وفشلت في بناء ديمقراطية فعالة وقاعدة للتنمية الاقتصادية في العراق, فانتصاراتها التكتيكية لم تكن تزيد عن وضع حد للصراع الذي ساعدت هي في خلقه, وفشلت الولايات المتحدة في إقامة أي شيء مثل الشراكة الإستراتيجية التي سعت لها.

وفقا لحسابات المخيلة الجامحة للمحافظين الجدد في واشنطن الحالمين بعولمة سعيدة في ظلال "العصر الأمريكي الجديد"، الاستراتيجية الأمريكية التي انبنت على وهم "الصدمة والترويع" ساهمت بولادة جيل جديد من الجهاديين وتوفير ملاذات آمنة لتنظيم "القاعدة" وشيوع الفوضى، وإذا كانت أهداف الغزو الأمريكي للعراق باتت واضحة وفي مقدمتها ضمان إمدادات"النفط" وحماية أمن "إسرائيل" فإن ذرائعها بمحاربة "الإرهاب" خلق عنفا مضادا وآذن بولادة حركات مقاومة للاحتلال تسللت عبره تنظيمات عابرة للحدود وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة".

تبدو إيران المستفيد الأكبر من فشل السياسات الأمريكية في "الحرب على الإرهاب"، فقد تراجعت قدرتها على شن حروب خارجية نظرا للكلفة الباهظة ماديا وبشريا بفعل المقاومة التي تستند إلى منطق الحروب الجديدة واتساع دائرة الإتلاف المناهص للحرب، فقد تخلصت إيران بفضل فشل سياسات الحرب على الإرهاب  من نظامين معاديين لسياساتها الإقليمية الطموحة، الأول في أفغانستان طالبان والثاني في عراق صدام، أما في سوريا فقد أثبتت إيران قدرتها على التدخل لحماية حليفها السوري في  محور "الممانعة والمقاومة" بشكل مباشر عن طريق الحرس الثوري وفيلق القدس وعن طريق أدواتها الشيعية الناعمة والصلبة ممثلة بحزب الله اللبناني والمليشيات العراقية كلواء الفضل أبو العباس.

لقد أثار الاتفاق الإيراني الأمريكي غضب الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة كالسعودية ودول الخليج باعتباره خيانة للصداقة التاريخية والأهداف والمصالح المشتركة، التي طالما اعتبرت إيران ومحور "الممانعة والمقاومة"  عدوا  يسعى إلى التوسع والهيمنة على المنطقة، إلا أن الحقيقة البسيطة تشير إلى أن الاتفاق يعكس بصورة فجة سيادة النهج الواقعي البراغماتي للسياسة الأمريكية وتراجع النهج الامبراطوري الامبريالي الحالم عقب فشل تجارب التدخلات العسكرية المباشرة من أفغانستان إلى العراق، الأمر الذي بات واضحا من خلال العجز الممزوج بالخوف وعدم الرغبة بالتدخل في سوريا وافتقاد استراتيجية واضحة، خصوصا بعد أن نجح النظام السوري وحليفه الإيراني وبدعم روسي من خلق الأسباب والشروط والظروف الموضوعية لتدفق الجهاديين وحرف الصراع والثورة الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية إلى حالة من الفوضى والطائفية والعنف والتطرف.

يبدو أن النهج الواقعي الفج للإدارة الأمريكية بات مقتنعا بأن إيران تمتلك مفاتيح الحل لأزماتها في المنطقة بدءا بأفغانسان وانتهاءا بفلسطين، كما أنها أصبحت مقتنعة بعدم قدرتها على مهاجمة إيران نظرا لكلفتها الباهظة، كل ذلك جاء في ظل "ربيع عربي قصير" جلب حالة من عدم الاستقرار وتنتامي السلفية الجهادية عقب الانقلاب العسكري في مصر وتعثر مسارات العملية الانتقالية في تونس وليبيا واليمن.

السردية الرئيسية للولايات المتحدة في سوريا كما في مناطق أخرى من العالم العربي تقوم على الاعتقاد بتنامي "الإرهاب" الذي ساهمت هي في خلقه من خلال تدخلاتها وفشل سياساتها في المنطقة، إذ باتت استرتيجيتها في محاربة "الإرهاب" تقتصر على التدخل من خلال الطائرات بدون طيار، وبهذا فلا إشكال بالاستعانة بإرهابيين تائبيين في حروبها، فإيران وسوريا اللتان طالما اعتبرتا راعييتين للإرهاب باتا شريكين في "الحرب على الإرهاب"، ولا عزاء للعرب.
التعليقات (0)