كتاب عربي 21

هل نرفض الدستور .. أم نرفض النظام؟

أنس حسن
1300x600
1300x600
 يعمل الانقلاب العسكري والمخططون له محليا وإقليميا لتثبيت أركانه وفق خطة استراتيجية سياسية واقتصادية وميدانية وتشريعية. وقد أعد لهذه الخطة منذ شهور قبيل الانقلاب وتفترض كل ردود الفعل ومواجهتها، وهذا ليس من قبيل تضخيم شأن "العدو" و إنما من قبيل فهم الواقع الحالي، فالانتقال من ثورة يناير إلى نكسة يونيو لم يكن محض صدفة بل هو تخطيط وتنفيذ متناغمان جدا؛ تلاعبا بكل أوراق الواقع لصالحهما، بدءا من "الثوار" مرورا بـ "الإسلاميين" و رجال الأعمال" و "أجهزة الدولة" و التلاعب بـ "الفلول" أيضا لتنتهي الصورة إلى ما هي عليه الآن، ليكون الرابح في كل ذلك ليس كل الأطراف التي شاركت في هذه النكسة بل مشروع الجيش السياسي والاقتصادي والأيديولوجي القومي فحسب.

هذا المخطط الذي يستهدف تثبيت أركان الإنقلاب يمر بعدة مراحل، الأولى هو تحقيق مفهوم "الصدمة" عبر حجم القتل والدم و خطف الدعم الشعبي لذلك، وهذا ما  تم فعليا. فبعد الإنقلاب دعا الجيش جماعة الإخوان للحوار والقبول بخارطة الطريق وحقن الدم ولكن هذا لم يكن يعبر عن نواياه الحقيقية، حيث كانت هناك قنوات اتصال "تضليلية" وسط كل تلك الدعوات من أطراف داخل الجيش بقيادات من الإخوان توصل لها رسائل من قبيل عدم قدرة الجيش على الصمود في الشارع طويلا، وعن انشقاق الحرس الجمهوري وعن تصدعات داخل غرفة قيادة القوات المسلحة؛ وكل ذلك لإعطاء مزيد من الأمل وربط الإخوان بالشارع وتعليق آمالهم عليه تهيئة لتحقيق مفهوم الضربة الأولى وهي سحق رابعة والنهضة بحجم دماء كبير جدا لإيصال رسالة الإرهاب الأولى للمعارضة والشعب، وهي افتتاحية معروفة في كل الانقلابات العسكرية.

المرحلة الثانية التي يسعى لها الانقلاب بعد تحقيق مفهوم الصدمة والرعب هي مرحلة تأسيس النظام الجديد سريعا عبر كتابة دستوره بالتوازي مع مرحلة مواجهة ارتدادات الصدمة التي تمثلت في مجازر رابعة والنهضة وترويض الحراك الشعبي تدريجيا، فالردات الأولى تم مواجهتها بقمع شديد ثم انخفض معدل القمع مع انخفاض قوة الفعل المعارض أو انخفاض تأثيره مقابل قبول الشارع تدريجيا بشرعية الواقع الجديد ومعادلة القوة التي يرى على الأرض.

إن كتابة الدستور الجديد هي أول جملة في النظام السياسي الجديد، الذي سيتقدم به للعالم بعد الاستفتاء عليه ليكون ورقة المشروعية الخاصة به ولتتمكن الدول التي تمتلك قوانين تتعلق بمنع التعامل مع الدول غير الديمقراطية من تجاوز عقدة القوانين والاعتراف بالنظام الجديد في مصر، وهذه المرحلة تتطلب توافقا شعبيا عليها ليظهر الاستفتاء بمظهر ملعب توافق جميع القوى .

 وهنا يسعى الجيش ومن خلفه مخططوا الانقلاب المحليين والإقليميين لتمرير لعبة الاستفتاء عبر احتواء الإخوان داخلها، فكل مرحلة من مراحل تثبيت الانقلاب لها استراتيجيتها الخاصة المناسبة، وإن أكبر شرعية يحصل عليها النظام الحالي هو مشاركة النظام السابق في لعبته ولو بالرفض، خصوصا أن هذه المشاركة تأتي مع ضمان الاتقلاب لنتيجة الاستفتاء مسبقا عبر حجم الدعاية الاعلامي وحجم الفاشية في الشارع ضد الإسلاميين وعبر تغيير لجان الفرز من الفرعية إلى العامة. ولذلك سيسعى النظام حتما لمحاولة إقناع الإخوان بالمشاركة ولو بلا، وهذه الـ "لا" لن تكون في حقيقتها رفضا للنظام الحالي وانما اعترافا به وشهادة دخول الإخوان كمعارضة داخل منظومة النظام وبأدواته، ولن يقبل منك بعد ذلك الحديث عن "ثورة"؛ ?نك ستصبح في ذلك الوقت مجرد "فاشل" في حشد الناس لرأيك، ستعتبر مشاغبا، وحينها سيكون قمعك مشرعنا أكثر من أي وقت مضى.

وستكون ملامح هذه المرحلة عبر تهدئة في الشارع ليس بمنع القمع وانما بإظهار القمع مظهر "الضعيف"  واقتصاره على الغاز وبعض الخراطيش وسرعة هروب وانسحاب القوات أمام التظاهرات والاكتفاء بالاستعراض الأمني وليس القمع المباشر، والافراج التدريجي عن قيادات الصف الثاني وإبداء حسن نوايا في التفاوض وإدخال أطراف من قبيل "الاتحاد الأوروبي" و"قطر" وغيرها في سياق التفاوض لإقناع الإخوان بمسار التصويت بلا ، وبضمانة أوروبية وقطرية وإخفاء السيسي عن المشهد قليلا كونه الخصم والمتورط الرئيسي في الدم، و التعهد بإصدار إعلان دستوري يوضح مسار التصويت بلا عبر اجراءات ديمقراطية حقيقية بحيث سيتم اعتبار "لا" هزيمة الانقلاب داخليا ودوليا واعلان فشله. 

إن كل هذه السيناريوهات ليست من نسج الخيال ولا اجتهادات تحليلية بل هي معلومات من مسارات التفاوض المختلفة وقراءة للمشهد وربط كل أجزاءه ببعضها للوصول للصورة الكلية، فالنظام يمتلك الواقع كله ويهيئه لنزع اعتراف ضمني من الإخوان ضمني به عبر عملية تضليل كبرى وواسعة تستخدم كل أوراق المشهد وتتلاعب بكل المشاهدات في الأرض لإيهام الإخوان وخداعهم بهذه اللعبة وإمكانية نجاحها عبر ضمانات أطراف خارجية يرى الإخوان أنها مصدر ثقة كالاتحاد الأوروبي وقطر وربما لاحقا يتم إدخال الامم المتحدة كطرف وسيط أيضا، وكل هذا بناء على ثقة النظام المطلقة بقدرته على إخراج النتائج وفق إرادته مرة أخرى.

وبمجرد اقرار الدستور بشرعية تصويتية ومشاركة الإخوان أو بقية طوائف الثورة ضد العسكر به يكون الإخوان وحلفاؤهم قد ذبحوا الثورة مرة أخرى على أعتاب الصناديق وهذا ما لا أظنه يحدث مرة أخرى أملا مني في أن الإخوان قد وعوا الدرس جيدا، لكن النظام الانقلابي يخطط لذلك ويسعى له وخلفه كل حلفائه الإقليميين والدوليين، بمجرد إقرار الدستور يدخل النظام في معركته التالية وهي تجفيف منابع الاسلاميين المالية والثقافية وشن حرب واسعة عليهم بلا هوادة لا تقف عند حد وهذا المسار سيكون أقوى في حال نال نظامهم اعتراف الاسلاميين أنفسهم! 

إن الحفاظ على نقاء الثورة ضد العسكر من شوائب السلوك والانحراف في العناوين ولو أدى ذلك بها للضعف، خير ألف مرة من تقويتها -توهما- بالانحراف السلوكي والسياسي والدخول في لعبة المساومات والصناديق، إذ أن دهس الصناديق ومن صوت فيها عادة العسكر وجربناها منذ شهور فلا أمل مطلقا بثورة محبوسة في صناديق، ولا تعويل مطلقا على ضامنين غربيين وشرقيين، فالتعويل الأول والأخير على نقاء ثورتك وعناوينها، وإن أدى ذلك لضعفها فسيؤدي غدا لتقويتها، ومعظم النار من مستصغر الشرر.

يبقى في النهاية علينا أن نحدد ماذا نرفض! 
هل نرفض الدستور أم نرفض النظام؟ وعلى ضوء هذه الإجابة يكون سلوكك؛ أما الشيزوفرينيا السياسية فقد أوقعت منا شهداء لو وقعوا في معركة الوضوح ونقاء القضية لكانت هذه الدماء نارا تحرقهم، لكن للأسف هناك البعض ممن لا يريد التخلص من شيزوفربنيا السياسة!
التعليقات (0)