مقالات مختارة

شعور بالقلق

ديفيد إغناتيوس
1300x600
1300x600
هل الرئيس أوباما نسخة أميركية من ميخائيل غورباتشوف، الذي أدت إصلاحاته حسنة النية إلى اضمحلال القوة العالمية لبلاده؟ هذا القلق يلحظه أي زائر لأي من حلفاء الولايات المتحدة الأميركية الذين يساورهم القلق، وهو ما تجلى في أحد المقالات التي نشرت مؤخرا.

يجسد والتر راسل ميد بشكل قوي هذا القلق بشأن تلاشي القوة الأميركية في مقاله «انتهاء نهاية التاريخ» في مجلة «ذي أميركان إنترست»، حيث حذر ميد من أن محاولات أوباما للتحرر من الالتزامات الرئاسية لجورج دبليو بوش أدت إلى تشجيع ما سماه «القوى المركزية»، المتمثلة في روسيا والصين وإيران. ففي وقت تبدو فيه الولايات المتحدة الأميركية في موقف متقهقر، «يعتقد هؤلاء المنافسون أنهم قد وجدوا طريقة للتحدي وتغيير طريقة عمل السياسات العالمية بصورة جوهرية».

لكني أعتقد أن ميد مبالغ في تشاؤمه، بيد أنه لا يمكن إنكار أن القلق الذي عبر عنه في مقاله منتشر على نطاق واسع بين بعض الحلفاء التقليديين لأميركا. فتحذر شخصية عربية نافذة غالبا ما تتحدث مع قادة المنطقة، بالقول: «هل تدرك الإدارة أن مصداقيتها قد انهارت في هذا الجزء من العالم؟». ونقل عن أحد المسؤولين العرب البارزين، الذي تحدث ساخرا مؤخرا، قوله: «أتمنى لو أستطيع مقاضاة إدارة أوباما بتهمة الإهمال الإجرامي».

جزئيا تعكس هذه النبرة المزدرية الاستياء في منطقة الخليج بسبب الانفتاح الدبلوماسي لأوباما نحو إيران وما ينظر إليه باعتباره سياسة غير فعالة في سوريا، بيد أنه ثمة قلقا أعمق من أن يكون أوباما، الذي يحاول السير على منوال غورباتشوف في تصحيح أخطاء بلاده السابقة، قد بدأ عملية تسهم في تقويض الدور العالمي لأميركا وتجعل حلفاءها التقليديين أكثر عرضة للسقوط بيد الأعداء.

في حال افتراضك (مثلما أفترض) أن أوباما محق بشأن التوصل إلى صفقة لتحييد البرنامج النووي لإيران عن مساره من دون شن أي حرب، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يكون تقييد الآثار الجانبية السلبية؟ يتطلب ذلك الأمر نوعا من الاتصال الاستراتيجي مع الأصدقاء والخصوم، والتي شكلت على مدى خمسة أعوام حالة من الضعف المستمر لإدارة أوباما.

وكتب ميد: «تتطلع القوى المركزية في هذه المرحلة إلى إضعاف القوة الأميركية بدلا من إسقاطها... ولديهم مصلحة مشتركة في إضعاف الولايات المتحدة الأميركية في أوراسيا وتعكير صفو تحالفاتها، بشكل متزايد، بينما الولايات المتحدة الأميركية تغض الطرف عن ذلك التحدي الذي يستمرون في التخطيط له والعمل من أجله».

ويقول أحد المحللين العرب إن أوباما تبنى خلال سعيه لإعادة توازن القوة الأميركية «مذهب سياسة النعامة»، مما يعني تجاهله للتقلبات التي أعقبت المحاولات الأميركية للتحرر من التزاماتها في العراق وأفغانستان. ففي العراق، ورغم إنفاق الولايات المتحدة الأميركية تريليون دولار، فضلا عن التضحية بأرواح آلاف الجنود، تحولت الحكومة العراقية في الوقت الراهن إلى موالية لإيران على نحو فاعل، وهو ما لم يلقَ أي رد فعل من جانب الولايات المتحدة الأميركية. وفي أفغانستان، عندما كرست الولايات المتحدة أيضا جهودها الهائلة، لم يكترث الرئيس حميد كرزاي أو يأبه بأميركا وتخلى عنها. ويختلج الأمر في صدر القادة الأجانب بأن يكون أوباما لا يرى أن قوة الولايات المتحدة الأميركية بدأ أفول نجمها.

ومن المتوقع أن ترد الإدارة بأن ما يراه المنتقدون ضعفا أميركيا هو في الواقع محاولة لوضع نظام مختلف، نظام قد يغضب بعض القوى لكنه في النهاية سيوفر مزيدا من الاستقرار للمنطقة. لكن كيف سيتمكن الرئيس من تحجيم المخاطر في المرحلة الانتقالية؟

ينبغي على أوباما محاكاة الإيرانيين، رغم غرابة الفكرة. فالإيرانيون رغم تفاوضهم حول اتفاق نووي محتمل مع الولايات المتحدة لا يزالون يحاولون بقوة تنفيذ أجندتهم الإقليمية عبر وكلاء مثل حزب الله. ويؤكد المحللون العرب أن على أوباما أن ينتهج مسارا ثنائيا مماثلا، بتحدي إيران في الوقت الذي يسعى فيه إلى اتفاق معها.

ويشير المؤرخون العسكريون إلى هذا التهديد، وحتى موقف أكثر دفاعية، كإحدى أكثر المناورات خطورة وصعوبة. هذا النهج أكد عليه ميد، الذي حذر من المخاطر التي يمكن أن تحدث لدى محاولة أوباما إعادة وضع الولايات المتحدة في مكانة «الموازن الخارجي» لا كقوة تشن حروب التدخل السريع.

وبالعودة إلى غورباتشوف، يأتي التناقض من أنه على الرغم من أنه كان صائبا في محاولة تغيير نظام مثقل بالأعباء لا يواكب العصر، إلا أنه لم يتوقع العواقب. لقد اعتقد أنه قادر على التخلص من بعض الأخطاء من دون أن يضطر إلى تغيير النظام بشكل كامل. لكن التنظير هنا غير عادل، فالقوة السوفياتية كانت خبيثة بينما كانت السيطرة الأميركية إيجابية في غالبيتها، لكن الفكرة العامة هي أن إعادة تموضع قوة عظمى عمل خادع.

(عن الشرق الأوسط)
التعليقات (0)