قال خبير سوداني إن الوضع في
جنوب السودان مفتوح على ثلاثة سيناريوهات ليست في صالح الخرطوم، وذلك بعد أسبوع من فشل انقلاب عسكري وما تبعه من نزاع مسلح بين الرئيس
سلفاكير ميارديت ونائبه المقال رياك
مشار الذي اتهمه الأول بالتخطيط للانقلاب.
واندلعت في جوبا، الأحد الماضي، اشتباكات عنيفة بين وحدات تابعة للجيش الشعبي (الجيش الرسمي)، قال سلفاكير إنها تعود لمحاولة "انقلاب فاشلة" خطط لها نائبه المقال رياك مشار، وقادة آخرون بحزب الحركة الشعبية الحاكم.
وبينما نفى مشار تهمة الانقلاب، امتدت الاشتباكات إلى ولايات جنوبية أخرى؛ حيث سيطرت قوات موالية له، حتى مساء السبت، على ولايتين على الأقل، هما ولايتي جونقلي والوحدة على الحدود مع شمال السودان، والأخيرة أهم ولاية جنوبية حيث تنتج غالبية النفط الجنوبي الذي يمثل نحو 98% من إيرادات الدولة الوليدة.
وأقال سلفاكير في تموز/ يوليو الماضي مشار، وهو ما رده مراقبون إلى نزاع الرجلين حول الترشح باسم الحركة الشعبية الحاكمة للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2015.
وأعلن مشار رسميا بعيد إقالته عزمه الترشح للرئاسة.
وينتمي سلفاكير لقبيلة "الدينكا" ومشار لقبيلة "النوير"، وهما أكبر قبيلتين في جنوب السودان؛ حيث تلعب القبيلة دورا محوريا في الحياة السياسية.
وإبان سنوات الحرب الأهلية مع الشمال (1983– 2005) خاضت القبيلتان حربا دموية، قدر خبراء عدد ضحاياها بأنه يضاهي عدد ضحايا الحرب مع الشمال التي تجاوزت المليوني قتيل.
وانفصل جنوب السودان في تموز/ يوليو 2011 بموجب اتفاق سلام، أنهى عقودا من الحرب الأهلية مع الشمال أبرم في 2005، ونص على استفتاء شعبي صوت فيه الجنوبيون بأكثر من 98% لصالح الانفصال.
وكانت العلاقة متوترة بين البلدين منذ الانفصال، قبل أن تتحسن في تموز/ يوليو الماضي بعد أن حل سلفاكير حكومته وشكل أخرى جديدة رأت الخرطوم أنها خالية من الوجوه المعادية لها، وشرع الطرفان في تنفيذ تسع اتفاقيات تعاون بعد أن تعثر تنفيذها عدة أشهر بسبب انعدام الثقة.
وأبرز الاتفاقيات تصدير نفط الجنوب الذي لا منفذ بحريا له عبر الشمال، واستئناف التجارة الحدودية المهمة لاقتصاد البلدين، واتفاق أمني ينص على إنشاء منطقة عازلة للحيلولة دون دعم أي طرف للمتمردين على الآخر.
ومثل اتهام الخرطوم لجوبا بدعم متمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال الذين يقاتلون الجيش السوداني في مناطق متاخمة للجنوب أبرز القضايا الخلافية بين الطرفين قبل أن تتم تسويتها بعد مفاوضات شاقة برعاية الاتحاد الافريقي.
وأبرز الوجوه التي أبعدها سلفاكير هي الأمين العام للحركة الشعبية الحاكمة باقان أموم، وكبير المفاوضيين مع الشمال، الذي يتهمه الرئيس السوداني الجنوبي الآن بالتخطيط للانقلاب مع مشار.
وشملت قرارات سلفاكير أيضا وهو برتبة فريق أول في الجيش الشعبي، إبعاد عشرات الجنرالات المتشددين حيال العلاقة مع الخرطوم، والمتمسكين بدعم متمردي قطاع الشمال الذين حاربوا بجانبهم إبان الحرب الأهلية.
وقال آدم محمد أحمد، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري بالعاصمة السودانية: "الخرطوم هي التي ضغطت على سلفاكير لاتخاذ هذه القرارت كشرط لتحسن العلاقة وتصدير نفط الجنوب، لكن يبدو أن هذه القرارات ستأتي بنتائج عكسية".
وأضاف: "الوضع في جوبا مفتوح الآن على ثلاثة سيناريوهات، كلها ليست في صالح الخرطوم؛ أولها: عقد تسوية بين طرفي النزاع تعود بموجبها الوجوه المعادية للخرطوم، والثاني هو استمرار النزاع المسلح وصولا للإطاحة بسلفاكير خصوصا أن أبناء قبيلة النوير الموالون لمشار هم الأكثر عددا وكفاءة داخل الجيش الشعبي".
والسيناريو الثالث، بحسب الخبير السياسي، هو دخول البلاد إلى فوضى شاملة، ينتشر معها السلاح، وتمتد إلى المناطق الحدودية التي تشهد نزاعا بين الجيش السوداني ومتمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال، بجانب المناطق التي تنتج غالبية النفط في الشمال والجنوب وهي مناطق حدودية.
ويقاتل متمردو الحركة الشعبية قطاع الشمال، في ولايتي جنوب
كردفان والنيل الأزرق المتاخمتين للجنوب، ويعملون في تحالف مع ثلاث حركات متمردة في إقليم
دارفور، غرب السودان، والمتاخم أيضا لدولة جنوب السودان.
وتنتج ولاية جنوب كردفان غالبية النفط السوداني الذي يبلغ نحو 135 ألف برميل يوميا، بينما يبلغ نفط الجنوب نحو 300 ألف برميل أغلبها في ولاية الوحدة التي تسيطر عليها الآن قوات مشار.
وتابع أحمد، بأن "الأخطر بالنسبة للخرطوم هو فقدانها للرسوم التي تحصل عليها من نقل وتصدير نفط الجنوب عبر موانيها، وتعطل التجارة الحدودية التي تدر عليها عائدات أكبر من عائدات النفط".
وتقدر عائدات نقل نفط الجنوب الذي يتركز إنتاجه في مناطق قبيلة النوير بنحو 3 مليارات دولار سنويا.
ونبه الخبير السياسي إلى أن "انتقال الانفلات الأمني إلى المناطق السودانية التي تشهد نزاعا مسلحا سيرهق الاقتصاد السوداني المثقل أصلا بالميزانية العسكرية".
ويقدر خبراء حجم الإنفاق العسكري بنحو 65% من الموازنة العامة في السودان، بينما لا تكشف وزارة المالية عن هذه الأرقام لسريتها.
ويعاني السودان من أزمة اقتصادية طاحنة منذ انفصال الجنوب وإستحواذه على 75% من حقول النفط، كانت تمثل أكثر من 50% من الإيرادات العامة.