كتاب عربي 21

الغربيون ليسوا سواء

محمد عمارة
1300x600
1300x600
في كتابه "الفرصة السانحة" يعرف الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون "1913 – 1994م" الأصوليين المسلمين بأنهم "المصممون على استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي، وعلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وينادون بأن الإسلام دين ودولة، بالرغم من أنهم ينظرون إلى الماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين ولكنهم ثوار".

و لقد دعا نيكسون أوروبا وروسيا للإنضمام الى أمريكا لمواجهة هذه الأصولية الإسلامية، التى تريد بعث النموذج الحضارى الخاص بالإسلام ، وإلى دفع هذا "الخطر الاسلامى" وتوجيه الشعوب الإسلامية الى تبني النموذج الغربى - العلماني -  "نموذج تركيا الأتاتوركية، التى تسعى إلى ربط المسلمين بالغرب من الناحية السياسية والاقتصادية"، مؤكدا على أن الغرب هو الذى سيختار للعالم الإسلامي مستقبله!.. و بنص عبارته "فإن السياستين الأمريكية والغربية هما اللتان ستلعبان الدور الرئيسى فى تحديد الخيار الذى تختارة الشعوب المسلمة"!!.

وهذا الموقف الذى عبر عنه نيكسون - والذى هو موقف مؤساسات الهيمنة الغريبة - ليس بجديد .. فالحضارة الغربية كما يقول المستشرق الفرنسى "مكسيم رودتسون" (1915-2004م) "يتمركز حول الذات، وهي صفة طبيعية فى الأوروبين، كانت موجوة دائما، ولكنها زادت فى عصر الإمبريالية، واتخذت صيغة تتسم بالازدراء الواضح للأخرين"!.

فالفك والعلم والتحضر بدأ باليونان وانتهى بالنهضة الأوروبية الحديثة، أما الأخرون الذين أطلق عليهم الإغريق والرومان وصف "البرابرة" فما عليهم - إن أرادوا التقدم – إلا التماهي في النموذج الغربى، والتبعية للمركز الحضارى الغربى، فنظريتهم يجب أن تحل محل الإسلام، وعلمانيهم يجب أن تطوى صفحة الشريعة الإسلامية حتى وإن كان الطريق هو "صدام الحضارات"!.

لكن لهذا الموقف الغربى - الذى تتبناه مؤسسات الهيمنة الغريبة – استثناءات, لدى العلماء والمفكرين الغربيين، الذين يؤمنون بأن الصورة المثلى للعالم هى صورة "منتدى الحضارات "، التى تتعاون وتتفاعل فيما هو مشترك إنسانى عام، مع تمايزها فى الثقافات وفى رؤية الكون ومكان الإنسان فيه - وهي الرؤية التى تتفق مع الرؤية الإسلامية التى تؤكد على أن التنوع والتعدد والتمايز والاختلاف هو سنة من سنن الله التى لا تبديل لها ولا تحويل.

ومن العلماء الغربيين الذين دعوا الشعوب الإسلامية - التي حصلت على استقلالها السياسى - إلى النهوض انطلاقا من دينها ولغتها وهويتها الحضارية والتراثية، المستشرقة الألمانية "سيجريد هونكة" (1913 - 1999م) التى كتبت تقول: عندما تحررت البلاد العربية من نير الاستعمار، أخدت تسلك سبلاً مختلفة كى تشق طريقها الى العالم الحديث، وكان هناك من يدعوها الى الاخد بأسلوب حياة المستعمرين وطريقتهم فى العيش والتفكير، وما حققوه من إنجازات مادية ومثل أخلاقية، وهكذا يتأوربون كالأوروبين ويتأمركون كالأمريكيين ويتروسون كالروسين!".

لكن سيجريد هونكة تحذر الشعوب العربية والإسلامية من السير فى طريق التقليد الأعمى للمدنية الحديثة الغريبة " وتحثها على الإنطلاق "من تللك الجذور والأصول التى ينبغى على العالم الأسلامى أن يجدها ويتعدها حتى يشق طريقه إلى الأمام وهي الجذور التى تتمثل فى:

1- اللغة العريبة, التى هي المفتاح الرئيسى للعالم الفكرى الذاتى للعرب.

2- والدين، بصفته المحور الذاتي الذي يدور حوله وجودهم فى كل ما يتعلق بأمورهم ونعنى بذلك الإسلام النقى، المنفتح على العالم، والذى لا يعارٍض التطور العقلى، والذى هو ولا شك أعظم ديانة على وجه الأرض سماحة وانصافاً.

3-و عودة الوعى، والرجوع إلى الهوية الذاتية، الذى يتطلب التنقيب عن الماضى الفكرى واستعياب أسباب نشوئه، واكتماله, واكتهاله، والخروج بالدروس والعبر اللازمة للانطلاق للمستقبل، فالتعلم من الماضى لبناء المستقبل حق مفروض، ورفض غلو التقوقع والانغلاق، وغلو الانفتاح المطلق بلا قيد أو شرط، المؤدى إلى الإغتراب، هو شرط النجاة من الإنحياز لجبهة واحدة، الأمر الذى يتهدد الحياة ".

وهكذا انقطعت فى الغرب أصوات عاقلة، تدعو شعوب الشرق إلى بعث حضارتيها العريبة الإسلامية، وتحقيق الإستقلال والتميز لنموذجها الحضارى، ورفض التقليد للنموذج الغربى دونما انغلاق على الذات أو تبعية للأخرين".

ارتفعت هذه الأصوات العاقلة فى مواجهة دعاة "المركزية الغريبة" الذين يريدون "عولمة النموذج الغربى" بصب العالم فى قوالبه, بدلا من "العالمية" التى تريد العالم "منتدى حضارات".
0
التعليقات (0)

خبر عاجل