مقالات مختارة

الإعلام وسحل أردوغان

ألين غابون
1300x600
1300x600
من التقارير التي تنشر عن تركيا هذه الأيام يمكن أن يقتنع الشخص بأن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تحوَّل فجأة إلى آية الله الخميني ("الإسلامي الفاشي" مجازا)، وأن تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الاجتماعي-المحافظ، والذي كان يصفه الجميع حتى فترة قريبة بأنه مثال يحتذى للديمقراطية الإسلامية، تتحول إلى إيران ثانية مما يؤكد للكثيرين بأن الديمقراطية والإسلام متناقضان تماما.

ولذلك نشر مورتون أبرامويتز وإريك ايدلمان، وهما سفيران أمريكيان سابقان لتركيا ويعتبران من الشخصيات الوازنة في السياسية الخارجية الأمريكية، كما أنهما يتشاركان في إدارة مركز سياسات الحزبين المسمى (المبادرة التركية)، نشرا مقال رأي بعنوان "على أمريكا أن تقول لتركيا أن تغير مسارها"، وادعيا فيه أن "رئيس الوزراء أردوغان يدمّر ديمقراطية بلاده العابرة". ومع استثناءات قليلة فإن هذه التهمة -والتي أصبحت الآن هي الموقف الرسمي للحزبين تجاه تركيا- تحدد نغمة التفكير الجماعي الذي يجمع عليه إعلامنا الرئيسي، وخاصة بعد مظاهرات حديقة غيزي الصيف الماضي.

ربما يكون من الأفضل عدم ذكر مدى حرص الحكومات الغربية بما فيها أمريكا على الحرية والديمقراطية في معظم الدول الإسلامية. فمستوى حرصهم يمكن قياسه من دعمهم غير المشروط، والذي لا يتزعزع لأمثلة لامعة من الأنظمة الديمقراطية مثل السعودية ودول الخليج، والآن تضيف إلى القائمة دولة الجنرال عبدالفتاح (قاتل المصريين) السيسي الإرهابية. الفرعون الجديد الذي أثنى عليه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "لإعادته الديمقراطية" من خلال انقلابه العسكري. 

فتعليق كيري أن العسكر في مصر أعادوا لها الديمقراطية بعزل مرسي أمر مثير للدهشة حقا، خاصة أنه أتى بعد ارتكاب السيسي لأول مجزرتين بحق المعارضة في 8 و27 تموز/ يوليو، حيث قتل وجرح المئات، وبعد ذلك بفترة قصيرة ارتكب أشنع سلسلة من المجازر في 14 آب/ أغسطس، حيث ذبحت قوات الأمن ما يزيد عن الألف في يوم واحد بما في ذلك النساء والأطفال، وجُرح فيها ألف أو ألفان آخرون وسجنت أعداد غير معلومة. إن هذا المفهوم الذي تتبناه إدارة أوباما "لإعادة الديمقراطية" غريب جدا.

كل هذا يتبع عقودا من الدعم لقدوة السيسي ودكتاتور مصر السابق، حسنى مبارك. نعم إن سيرتهم تعكس مدى اهتمام المسؤولين الغربيين منتخبين وغير منتخبين بالديمقراطية للشعوب المسلمة، وكم يمتلكون من المصداقية عندما يتحدثون عنها.

وبعد قول ذلك، فإن فض اعتصام حديقة غيزي (في ساحة تقسيم/ إسطنبول) بالقوة من قبل شرطة الشغب التركية يوم 15 حزيران/ يونيو، وخطابات أردوغان النارية وقوله إن هناك تحالفا دوليا لزعزعة البلاد، إنماكانت لهجة قوية استخدمها للرد على شعارات لا تقل نارية تتهمه بأنه لا يعدو كونه "مستبدا" و"طاغية"، وبعض الأحيان "ابن ..."، وأسوأ من ذلك وشتم أمه المتوفاة. 

أضف إلى ذلك فضيحة الفساد الحالية التي وصلت قريبا من أردوغان نفسه، وحولت الحياة السياسية التركية إلى صراع  بين رجلين؛ أردوغان وحليفه السابق؛ عدوه حاليا فتح الله غولن. 

فتح الله غولن الزعيم الديني التركي القوي والمنطوي قام فعلا بتخريب سمعة أردوغان وتركيا معا في جميع أنحاء العالم. وسمعة أردوغان الجديدة بأنه مستبد لم يساعدها تعامله مع الأزمة السياسية التي حصلت ممثلة في التحقيقات في قضايا فساد بما في ذلك فصل المدعين العامين الرئيسيين في القضية، ونقل الآلاف من ضباط الشرطة على مستوى البلاد من الذين يُشك في تعاملهم مع شبكة غولن، وهذا زاد من الاتهامات بأن "رجل تركيا القوي" يحاول التعتيم على القضية.

يحتاج الشخص أن يأخذ نفسا عميقا ويحاول فهم التطورات مقابل التوجهات الإعلامية لمحاولة إعادة شيء من التوازن للمسألة في وقت نشرت فيها الكثير من التقارير. كما أن الخطاب الدولي العام حول تركيا هو ببساطة صدى وإعادة للاتهامات التي يوجهها أتباع غولن والعلمانيون لأردوغان دون مسعىً لأي تحليل موضوعي.

أولا إن كانت كلمات "افتراض البراءة"، والتي تعتبر مبدءا ديمقراطيا أساسيا، لا زالت تعني شيئا فإن أردوغان نفسه لم يتهم بشيء، وشبهة الذنب بالارتباط  ليست ذنبا ولكنها أسلوب ستاليني في اغتيال الشخصية، فإن لم تستطع أن تجد ما يعيب عدوك حاول أن تجد شيئا يعيب زميله أو قريبه أو ضد عضو في الحكومة أو ابن عضو في الحكومة أو صديقة ابن  عضو في الحكومة.. إلخ، فبعض الطين الذي ستلقيه سيلوث هدفك. 

والأمر الثاني هو أنه إلى حد الآن لم تكن هناك أية إدانة في قضية الفساد كلها، حتى بعد عام من التحقيق الدقيق والجهود والموارد التي تم استثمارها في إنجازه.

 وثالثا ماذا عن ادعاء أردوغان نفسه أن كل القضية لا تعدو كونها قضية سياسية، وحملة اغتيال للشخصية تم إطلاقها في التوقيت الصحيح قريبا من انتخابات 2014 من أتباع غولن المتنفذين في جهاز القضاء (وهو في تركيا غير محصن من التأثير والتلاعب السياسي) وفي الشرطة والإدارة وهو مثال آخر على الدولة العميقة؟ ومن السهل رفض هذا التحليل كتحليل قائم على "نظرية المؤامرة" يعكس "ميول الرجل للتشكك". وأحد الأسباب هو أن كل المحللين الجادين والمختصين والصحفيين داخل وخارج تركيا يتفق مع أردوغان حول هذه النقطة.

ورابعا، إن انحياز الإعلام ضد أردوغان والدعاية ضده أمر واضح وضوح النهار، ويجب أن لا نقلل من أثره، فمثلا موضوع السماح لطالبات الجامعة بلبس الحجاب (في بلد معظمها مسلمين، كم هو مروع؟!) يُعرض في الإعلام على أنه فرض ارتداء الحجاب على بنات الجامعة، وفي أحسن الأحوال على أنها محاولة من أردوغان لأسلمة البلاد بالقوة أو دفعها نحو التطرف أو محاولة تقويض علمانية تركيا. وكأن السماح للنساء المسلمات الملتزمات بلبس الحجاب في دولة أغلبيتها مسلمين شيء غير شرعي، بينما  يبدو منعهن من ذلك وانتهاك حقهن في حرية التدين والفكر للبعض هو الشيء الصحيح. 

هذه الشعوذة تنجح أحيانا في قلب الحقيقة رأسا على عقب، كما هي في هذه الحالة عندما تعرض المسألة على أنها إلزام، بينما هي في الحقيقة حق جديد وتراجع عن منع يتصف بالتمييز حوَّل حياة الكثير من النساء الملتزمات التركيات، بما في ذلك بنات المدن المتعلمات إلى كابوس.

وأخيرا وبغض النظر عن نتيجة الأزمة السياسية الحالية ونتائج الانتخابات القادمة يجب ألا ننسى ما يشكل إرثا لرئيس الوزراء أردوغان وحزبه؛ حزب العدالة والتنمية، خاصة عندما يحاول بعض اللاعبين السياسيين والشبكات المشبوهة استخدام أساليب رخيصة من الواضح أنها تخدم أجندة سياسية وانتخابية، عندما يحاول هؤلاء إعادة كتابة التاريخ أو يجعلوننا ننساه، دعونا نقول باختصار:

1) عملية التحول الديمقراطي: تركيا أصبحت ديمقراطية بمعنى الكلمة تحت حكم حزب العدالة والتنمية على عكس ما كانت عليه "تركيا الجنرالات" كما كانت تعرف من قبل، فكان المشهور عنها كثرة الانقلابات العسكرية، ولم يكن وضعها أحسن بكثير من جمهوريات الموز. فإدخال الجيش تحت حكم مدني كانت خطوة مهمة نحو ديمقراطية حقيقية، وهذا إنجاز لحزب أردوغان (وحلفائه في وقتها أتباع غولن).

2) اقتصاد مزدهر: مع أن النمو الاقتصادي تباطأ في السنوات القليلة الماضية وأبدى شيئا من الضعف في التركيبة، إلا أن اقتصاد تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية استمر في النمو رغم الأزمة الاقتصادية التي أصابت العالم، وأحيانا نما الناتج المحلي الإجمالي بنسب تزيد عن 8% سنويا، وهذا في وقت دخل فيه اقتصاد منطقة اليورو حالة ركود، ما دعا البعض إلى التندر بأن على أوروبا أن تقدم طلبا للانضمام إلى تركيا وليس العكس، وحقيقة أنه مشهد ساخر أن تحاول منطقة اقتصادية فشلت على مدى عقود في أن توفر نموا اقتصاديا لناسها، وهي الآن في حالة ركود، من العبث أن تحاول إعطاء دروس لبلد كان أداؤها أفضل بكثير على مدى عقد، إلى حد أنه منذ عام 2006 زاد عدد العائدين من أتراك ألمانيا على عدد الأتراك المغادرين من تركيا إلى ألمانيا.

3) التكامل الإقليمي والدولي: عمل حزب العدالة والتنمية نحو تكامل اقتصادي ودبلوماسي وسياسي على مستوى المنطقة والعالم. وكل هذا دون خسارة للسيادة على عكس دول الاتحاد الأوروبي التي خسر كل منها شيئا من سيادته لأجل الدخول في الاتحاد.

4) حل قضية الأكراد: الحكومة مصرة على عملية سلام يشارك فيها الأكراد والمجتمع الدولي بقوة، وهذه العملية كانت نقطة تحول في الصراع لإنهاء موجة الإرهاب، وحتى أشد الناس عداءً لأردوغان لا يستطيعون إنكار هذا الإنجاز.

عن موقع https://www.turkeyagenda.com
التعليقات (0)