كتاب عربي 21

الديك التور والفاعل المجرور

جعفر عباس
1300x600
1300x600
تدار الكثير من الجامعات في العالم العربي كإقطاعيات خاصة بمدرائها أو عمداء كلياتها (هل من فاعل خير يدلني على صيغة الجمع الصحيحة ل"مدير" هل هي مديرون أم مدراء؟ لأن الكمبيوتر وضع لي خطاً أحمر تحت كلمة "مدرائها")، وفي بعض الأحيان يتمتع أساتذة الجامعات بهوامش تجعلهم يفرضون مناهج على طلابهم، دون استشارة مجالس الكليات أو مجالس الجامعات التي يعملون بها، ويعمد بعض الأساتذة الى فرض مناهج تستند إلى كتب ألفوها أو كانت أصلا موضوع رسالاتهم للدكتوراه أو الماجستير، (لماذا حرمنا الماجستير من ال"اه" لتصبح "ماجستيراه"، أم أن ذلك سيغضب "الدكاترة" فيصيحون "وا دكتوراه")، وقد يكون في ذلك الخير في بعض الأحيان، إذا كانت تلك الكتب حسنة السبك والإعداد. ثم استشرت ظاهرة الأساتذة الذين يديرون بقالات أكاديمية بدون تراخيص، ويعدون المذكرات ويبيعونها عبر مكتبات معينة، ويا ويل الطالب الذي يأتي بكلام من مصدر غير تلك المذكرات، وفي فريج (حي) بن عمران في الدوحة حيث أقيم،  بقالات تبيع وتعد المذكرات والمقالات بسعر التكلفة، وتعلن بكل بجاحة ووقاحة عن استعدادها لإعداد البحوث الجامعية ومشاريع التخرج، وعندنا في الخرطوم "سوق عربي" تجد فيها بكالريوسات وماجستيرات في منتهى القيافة وموثقة بأختام "تجنن"، ولو شككت في صحة الأختام بكفاءة، فستحصل على الدرجة الأكاديمية المنشودة بأقل من سعر التكلفة.

 وتفاديا لشبهة "إطلاق الكلام على عواهنه"، أدعو القراء الى أن يتابعوا معي ما جاء في مجلة روز اليوسف المصرية (بين يدي عدد منها يعود إلى العصر المباركي شرم الشيخي)، عن عميد إحدى  كليات اللغة العربية في جامعة مصرية، الذي ألف كتابا من  290 صفحة، وفرضه على طلاب السنة النهائية، والكتاب يحمل عنوانا جميلا "ملامح النصوص الأدبية في العصر الحديث"، ولنقرأ معا نصا شعريا لسعادة الدكتور العميد، ويتعلق بنصيحة تقدمها أم لبنتها يوم الزواج: اجتهدي أيتها الملكة العروسة/ وكوني أمام زوجك ننوسة/ وتناولي الطعام بالدبوسة/ وكوني دائما منه مكسوفة/ ولا يراك إلا منعوسة/ وخذي منه ألف بوسة/ فأنت ابنة مصر المحروسة/ دماؤك نقية أحموسة/ فتيهي يا أجمل عروسة/ ولا تظهري انك دائما مهروسة/ بل دائما حلوة كالبسبوسة/ فأنت مستديرة كالكوسة/ وقد حللت أزمة العنوسة/ بزواجك من السيادة الكربوسة!! أقسم بالله إنني نقلت الكلام أعلاه الذي يفترض أنه "شعر"، حرفيا من مجلة روز اليوسف التي أوردت اسم الدكتور المؤلف، وبشرتنا بأن الكتاب تم سحبه!! وتعمدت القسم لأن البعض قد يتهمني بأنني حاقد لأن موهبتي الشعرية وئدت في المهد بعد أن كتبت قصيدتي الشهيرة: من نارك يا جافي/ أنا طالب المطافي!! ومن حقي أن أحقد على الشاعر الدكتور العميد، فقصيدتي  ذات البيت الواحد هذه سليمة على الأقل من ناحية الوزن، وذوقي أرفع من أن أشبه حبيبة أوعروسا بالكوسة، كما أن كل ذي حس سليم يعرف ان تشبيه فتاة بالبسبوسة، ذمٌ أكثر من كونه مدحا لأن البسبوسة تصنع من شيء من فصيلة نشارة الخشب والأعلاف المجففة بعد غمسها في شحم السيارات والسكر!! وقد استعنت بالمنجد ولسان العرب ومختار الصحاح، لأعرف معنى بعض المفردات التي وردت في "قصيدة" الدكتور: أحموسة.. ننوسة.. كربوسة!! ويا ليت إحدى السيدات اللواتي يفهمن في فنون الإتيكيت وآداب الطعام تشرح لي مغزى تناول الطعام بالدبوسة التي أوصى بها السيد العميد في ملحمته الشعرية، كما أتمنى لو أفادني أحد أساتذة اللغة العربية ما إذا كان جائزا باسم (الحداسة) جر الفاعل وضم المضاف إليه!!

ومن الشعر إلى المسرح، فقد تضمن كتاب الدكتور العميد مسرحية "شعرية" اسمها سيناء، وسيناء - كما نعلم - ارتبطت في الوجدان المصري والعربي بالبطولات والتضحيات الجسام، بدءا بملحمة حفر قناة السويس على الطرف الغربي منها، وليس انتهاء بالحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل على ترابها، ولكن الدكتور الحداسي / الحداثي، يدعونا إلى سيناء مختلفة، وجاء في التوجيهات لأحد مشاهد المسرحية: ترفع الستار عن عربة إسعاف وصفارتها المعهودة، ويظهر فيها رجل عليه سمات الغنى ويجتمع عليه الكثير من الممرضين والممرضات، ثم يقطر لسان ذلك الرجل شعرا عذبا برائحة المجاري: أنا في الإنعاش/ بين أطراش/ الكل يريد النقود/ كأنني رجل هباش/ بعضهم يتحسس كرشي/ ويقول هذه أكراش/ ماذا أفعل فيهم؟/ أنا لست هواش/ قد انقلبت الدنيا/ وأصبحت أحراش!! .. هل تريدون المزيد؟ بلاش! (الكلمات الأربع الأخيرة من عندي)، هذا الشعر الرصين يستاهل بوء (بق) شعبان عبد الرحيم.

ثم تدخل على الرجل الغني المريض فتاة اسمها فيفي، لتبادل الحديث مع مدير المستشفى وتنطق شعرا: قد عرفته على البلاج/ قد  عرفته منتفخ الأوداج/ أأكشف سره الآن؟ أم أعيش في الجراج (كان من الأفضل ان يقول على لسان فيفي: أم أبيعه في سوق الحراج؟) هو يعشق الرقص/ هو يعرف الألواج (جمع لوج وتعني المقصورة في المسرح او السينما) أأدفع له الذهب/ وهو غير محتاج/ أرجو له الآن كل ألوان الانفراج/ آخذ منه دائما ثمن جلسات المساج (تذكروا ان الشاعر الدكتور العميد بتاع "أدب !!")، أنا أعرفه جيدا، إنه الرجل المزواج!! وتخرج هذه الفتاة وتدخل أخرى وتقول: هذا يحتاج لتنطيط/ هذا يحتاج لزعابيط/ هو من قبيلة طيط (نعم والله العظيم جاءت هكذا في القصيدة العصماء)/ إنه رجل عبيط (تعليق من جعفر: اللي اختشوا ماتوا.. من هو العبيط الحقيقي يا ترى؟)/ جسمه لا يليق له/ لسبب جدّ بسيط/ إنه يأكل كثيرا/ كل أرغفة السميط/ جسمه يتدلى منه/ ويخرج بعضه تفطيط/ هو ينام هكذا/ وهو يغط غطيط/ إنه رجل سليط!!

وعند سحب الكتاب من الكلية، اتهم العميد أصحاب القرار بالجهل والحقد وعدم معرفة التيارات الأدبية في العصر الحديث، وبعد قراءة كلامه هذا جاءني شيطان الشعر: ولا يهمك يا دكتور/ فأنت ديك وأنت "تور"/ ولا عليك يا "أستاز"/ طالما ان العتبة قزاز/ علمنا فنون "الحداسة"/ بس والنبي بدون نجاسة/ وبلاش من كلمة طيط الزفرة/ التي لا يحتاج فهم معناها إلى فك شفرة!!
التعليقات (0)