ملفات وتقارير

حبيب يدعو لإخراج الجيش والشرطة والقضاء من السياسة

نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، الدكتور رفيق حبيب (أرشيفية)
نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، الدكتور رفيق حبيب (أرشيفية)
  دعا الباحث السياسي المصري، والمفكر القبطي، ونائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، الدكتور رفيق حبيب، إلى إخراج مؤسسات الجيش والقضاء والشرطة من العملية السياسية بالكامل في مصر، مؤكدا أهمية "مأسسة" تلك المؤسسات على أسس مهنية، وحرفية صارمة، وإنهاء سيطرة طبقة القيادة عليها، بعد أن أدت إلى انحراف أدائها، ومشاركتها في الانقلاب العسكري، على حد تعبيره.

 وقال حبيب -في دراسة حديثة له، وضع مقتطفات منها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"-: "إن منظومة المحسوبية في مصر تضم أغلب المنتمين لمؤسسات الجيش والقضاء والشرطة، الذين كان لهم وضع مميز قبل الثورة، واعتبروا أن الثورة ضد مصالحهم، لهذا كانوا جزءا من الثورة المضادة في كل مراحلها، حتى مرحلة الانقلاب العسكري على الثورة".

 وشدد -في دراسته، وهي بعنوان: "الكتلة الثورية الحرجة.. الخصائص والمراحل"- على أن هناك العديد من الشروط التي تنجح الثورة، ومنها أن مسارها يستلزم وضع آلية للمصارحة والمكاشفة، لكشف كل ما حدث بعد ثورة يناير من تآمر على الثورة، وكل خطط الثورة المضادة، ومن شارك فيها، وما حدث قبل الانقلاب من عملية إفشال منظم للرئيس المنتخب، ومخطط الانقلاب العسكري كاملا.

 البداية معرفة الحقيقة

 المفكر المسيحي أكد في دراسته أن "معرفة الحقيقة جزء من بناء وعي ثوري قادر على حماية مسار الثورة، كما أن كشف الحقيقة بالقدر الممكن، يمكن أن يكون له أثر في فضح التضليل الإعلامي الذي تسبب في نجاح الثورة المضادة، والنزاع الأهلي، وشق وحدة المجتمع، حتى يعالج الزمن تلك الجراح الغائرة، التي تسبب فيها انحياز القوات المسلحة لفريق من المجتمع، ضد فريق آخر".

 وتابع حبيب أن كشف الحقيقة يعني أيضا كشف كيف تم توظيف مؤسسات الدولة، من أجل إقصاء تيار من المجتمع، وكشف ما تم من عملية تلفيق للقضايا، وإسقاط كل ما أتهم به أي فصيل من المجتمع بغير وجه حق، وإعلان براءة كل من لُفقت له قضايا لتشويه صورته، وكل من تعرض لادعاءات باطلة للنيل منه.

 3 خيارات للحراك الثوري أفضلها "استعادة الشرعية"

 وتحت عنوان "خيارات الحراك الثوري"، قال المفكر القبطي إن بديل "استعادة الشرعية" هو أحد البدائل الأقل تكلفة على المجتمع والحراك الثوري، لأنه يعيد شرعية دستورية، مما يجعل بناء مسار الثورة والديمقراطية مستمرا في إطار الشرعية الدستورية، وهو ما يتيح الدخول مرة أخرى في عملية سياسية منظمة، تعتمد على قواعد العمل السياسي الديمقراطي.

واستدرك بالقول: إن استعادة الشرعية يستهدف أساسا، ليس عودة شخص بعينه إلى السلطة، وهو الدكتور محمد مرسي، ولكن إفشال ما قام به الانقلاب العسكري من تقويض للعملية الديمقراطية، مما يؤمن مسار العملية السياسية من أي انقلاب آخر.."لأن نجاح الانقلاب العسكري، في تقويض العملية الديمقراطية، يفتح المجال أمام انقلابات أخرى في المستقبل"، على حد قوله.

 وأوضح أن بديل "الشرعية الثورية" يمثل البديل الثوري الكامل، إذ يستمر الحراك الثوري، حتى تسقط عمليا سلطة الانقلاب العسكري، وتصبح عاجزة عن الاستمرار تماما، مما يجبرها على تسليم السلطة لقيادة الحراك الثوري، التي تبدأ مرحلة انتقالية ثورية جديدة.

 وبينما يتميز هذا البديل بقدرته على إنجاز العديد من التحولات الكبرى في فترة قليلة، دون الالتزام بقواعد الشرعية الدستورية، من خلال الشرعية الثورية، التي تحميها قاعدة شعبية واسعة، لها إرادة نافذة، وكافية لفرض إجراءات التغيير الثوري على كل الأطراف، خاصة قوى الثورة المضادة.
 
إلا أن هذا البديل أعلى في تكلفته، برأي حبيب، إذ يتطلب من قوى الحراك الثوري أن تستمر، وتدفع ثمن التحرر،  وتصمد، حتى تفقد سلطة الانقلاب قدرتها على البقاء تماما، وهو ما يعني أن التكلفة التي يدفعها المجتمع تكون أكبر، بسبب استمرار المواجهة بين الحراك الثوري، والانقلاب العسكري، وتعدد المراحل الانتقالية التي يدخل فيها المجتمع.
 
أما البديل الثالث فهو العودة للمرحلة الانتقالية، لاستكمال ما تحقق في مرحلة التحول الديمقراطي من خطوات، كأن ما كان قبل الانقلاب مرحلة انتقالية لم تكتمل بعد، على أن يتم  استكمال مرحلة التحول الديمقراطي مرة أخرى، باتخاذ خطوات انتقالية جديدة، تشمل تعديل الدستور المستفتي عليه، وانتخابات برلمانية، ورئاسية جديدة، كأننا بصدد استعادة التحول الديمقراطي الذي بدأ قبل الانقلاب، حتى تستكمل عملية بناء النظام السياسي الجديد، لكن هذا البديل يستلزم توفر شروط عدة، تضمن حماية مسار الثورة، والتحول الديمقراطي، بحيث يتأكد الجميع من أن الانقلاب العسكري، هو آخر انقلاب على الثورة، بحسب تعبير رفيق حبيب.
 
أهداف الحراك الثوري
 
والأمر هكذا، رأى حبيب أن الحراك الثوري، لا يستهدف استعادة الشرعية في حد ذاتها، ولكن استعادتها كوسيلة لاستعادة الثورة والديمقراطية، وتأمين مسار التحول إلى دولة العدل والحرية، وكسر الانقلاب العسكري، وتحقيق التحرر والاستقلال الكامل للإرادة الشعبية، بدون أي قيد أو شرط، وإجهاض الثورة المضادة، مرة واحدة، وأخيرة.
 
هذا الحراك الثوري، كما يقول حبيب، أصبح يستهدف حماية حق المجتمع في اختيار الهوية التي تعبر عنه، فإذا كانت الهوية الإسلامية، هي الهوية المعبرة عن التيار السائد والغالب في المجتمع، فهذا يعني أن من حق المجتمع أن يفرض تلك الهوية على النظام السياسي، علما بأن اختيار الهوية العامة للدولة، حق حصري للمجتمع، وليس لأي فصيل فيه.
 
وتابع أن الحراك الثوري، لأنه يستهدف المصلحة العامة، فإنه يمثل تضحية من أجل المجتمع، ومن أجل الجميع، لذا فإن خياراته تستهدف تحقيق تحرر المجتمع كاملا غير منقوص، والديمقراطية كاملة غير منقوصة، وحق المجتمع في اختيار الهوية المعبرة عنه كاملا غير منقوص؛ ولكن بأقل تكلفة على المجتمع، أيا كانت التكلفة التي تدفعها جماهير الحراك الثوري.
 
كما أن الحراك الثوري -يتابع- يستهدف المصالحة، في حين أن الانقلاب العسكري يستهدف تعميق النزاع الأهلي، الذي يحتمي به.. لذا فالحراك الثوري يستهدف الوصول إلى أفضل وسيلة لتحقيق الثورة، دون تعميق النزاع الأهلي، بل ومن خلال وسائل تتيح المصالحة الوطنية.
 
وتختلف خيارات الحراك الثوري، برأي حبيب، عن خيارات سلطة الانقلاب، لأنه يستهدف بناء مجتمع حر ومتماسك، بينما تستهدف سلطة الانقلاب تفكيك المجتمع، لفرض سلطتها، مثل كل سلطة مستبدة، تتبنى منهج الاستعمار القائم على سياسة "فرق تسد"؛ أما الحراك الثوري، فيبنى على منهجية أخرى، وهي سياسة "توحد فتقوى"، أي: "قوتنا في وحدتنا".
 
آلية للعدالة الانتقالية
 
في الختام، حذر حبيب من أن نجاح الانقلاب العسكري في تقويض العملية الديمقراطية، يفتح المجال أمام انقلابات أخرى في المستقبل. وفي كل الأحوال، فإن تحقيق أهداف الثورة كاملة، هو هدف الحراك الثوري، أيا كانت الوسيلة، وكلما أتيحت وسيلة أقل تكلفة على المجتمع، وأفضل للمصالحة الوطنية، فإنها تكون خيارا أفضل، فالمهم أن تتحقق أهداف الثورة كاملة، ويتم تأمين مسار الثورة، من أي انقلاب آخر، ويتم أيضا تقويض قوى الثورة المضادة.
 
والأمر هكذا، خلص المفكر القبطي إلى أنه لا يمكن للثورة أن تنتصر، دون وضع آلية للعدالة الانتقالية، تتضمن آليات للمصالحة والمحاسبة، مما يحقق المحاسبة الكاملة والناجزة، لكل ما حدث من اعتداءات على الشعب المصري، منذ بداية ثورة يناير، بما في ذلك المحاسبة عن كل المجازر التي ارتكبت بعد الانقلاب العسكري، بما يرضي أسر الشهداء والمصابين والمعتقلين.
 
وتأتي هذه الدراسة لحبيب ضمن سلسلة دراسات أعدها، تناولت تحليل المشهد المصرى، وكيفية الخروج من الأزمة، وكسر الانقلاب العسكرى. وشملت: "كسر الإرادة..استراتيجية الانقلاب والثورة".. و"الفوضى أم الثورة.. أيهما يأتى أولا؟".. و"حرق مصر...مذابح الإبادة الجماعية".. و "امتحان الإخوان.. على أعتاب المشهد الأخير".. و"الحراك الثوري يجمع كل الاطياف الرافضة للاستبداد".. و"كسر الإرادة.. استراتيجية الانقلاب والثورة".
 
و"رفيق حبيب" مفكر مصري مسيحي من مواليد القاهرة عام 1959، وينتسب إلى الطائفة الإنجيلية. حصل على درجة الماجستير في الآداب عام 1985، ثم درجة دكتوراه الفلسفة في الآداب عام 1988. وقد عين مستشارا في الفريق الرئاسي للدكتور محمد مرسي، لكنه اعتزل العمل السياسي أواخر عام 2012، احتجاجا على موقعة الاتحادية، واستمر في موقعه نائبا لرئيس حزب "الحرية والعدالة".
 
ومن مؤلفاته: سيكولوجية التدين لدى الأقباط، والاحتجاج الديني والصراع الطبقي في مصر، والمسيحية السياسية في مصر، والمسيحية والحرب: قصة الأصولية الصهيونية الأمريكية والصراع على الشرق الإسلامي، والإحياء الديني: ملف اجتماعي للتيارات المسيحية والإسلامية في مصر، وتفكيك الديمقراطية، والمقدس والحرية، والتغيير: الصراع والضرورة، والدولتان ... الإسلاميون والدولة القومية، والأمة والدولة: بيان تحرير الأمة، وحضارة الوسط، نحو أصولية جديدة، وإحياء التقاليد العربية، وطريق النهضة: جدول أعمال الأمة.
التعليقات (0)