ملفات وتقارير

النظام السوري يهدد بتصفية عرقية وطائفية في الساحل

لقطة حديثة لكنيسة الأرمن في كسب
لقطة حديثة لكنيسة الأرمن في كسب
بينما يجري التخويف على مصير المسيحيين الأرمن الذين غادر معظمهم بلدة كسب بعد سيطرة الثوار عليها، ضمن سياق إثارة المخاوف بشأن الأقليات في سورية، صعّد الموالون للنظام السوري من تهديداتهم الطائفية في المناطق الساحلية بعد المعارك في الريف الشمالي للاذقية، مهددين السكان السنة ومتوعدين بترحيل التركمان الذين يتركزون في شمال اللاذقية.

وكانت فصائل بينها الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة وفصائل أخرى من الجيش الحر؛ قد أعلنت في 18 آذار/ مارس الماضي انطلاق معركة "الأنفال" لتحرير الساحل، بدءا من بلدة كسب التي تقع في جبل التركمان شمال اللاذقية، على الحدود مع تركيا. وقد تمكن الثوار منذ ذلك الوقت من السيطرة على بلدة كسب والمناطق المحيطة بها وصولا إلى شاطئ البحر للمرة الاولى منذ انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011. كما أعلن الائتلاف الوطني السوري والمجلس العسكري الأعلى دعمه لمعركة الساحل، متعهدين بتقديم دعم مالي وعسكري.

وبعد الهجوم المفاجئ في الساحل، انطلقت حملة تهديدات ذات طابع طائفي من جانب الموالين لنظام بشار الأسد. وعلاوة على التهديدات التي أطلقها قائد بارز في الميلشيات التابعة للنظام السوري مع تعمده إهانة الراية التي تحمل شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله" والدوس عليها بالأرجل، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بتهديدات تتوعد مؤيدي الثورة بالساحل.

ووجه حساب باسم "علي نجيب" على الفيسبوك "إنذارا الى جميع أهالي وسكان اللاذقية" قائلا: "نحن أسود جبال العلويين... نحن أنصار علي.. نحن وحوش صفين... نحن فرسان الوغى... نحن من غير التاريخ... أقسم بالله وآل بيته العظماء ان تجرئتم هنا بل التحرك ضمن المدينه لنجعلكم تروا البحر من من مدخل اللاذقية ونسحق الصغير قبل الكبير، ولنتربع على انقاض بيوتكم أينما حلت".

وتوالت التعليقات المشابهة لهذا "الإنذار"، مع عبارات التخوين لكل من يدعو إلى "ضبط النفس" أو "التهدئة" من جانب الموالين للنظام.

ويشار إلى أنه إضافة إلى سكان الساحل الأصليين من السنة، هاجر الآلاف من المدن الأخرى، وخصوصا من حلب، إلى الساحل بسبب المعارك في مناطقهم، وهو ما دفع أحد النشطاء للتعليق بأن هؤلاء باتوا "دروعا بشرية" أو"رهائن" يستخدمهم النظام السوري.

وفي تسجيل فيديو يظهر "معراج أورال" المعروف باسم "علي كيال"، وهو أصلا علوي من تركيا لكنه برز كأحد قادة ميلشيات الشبيحة في الساحل بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية. وفي التسجيل يبدو أورال وهو يهدد ويتوعد تركيا والمجموعات المقاتلة، قبل أن يلتقط راية ترفعها الكتائب المقاتلة وهي باللون الأسود وتحمل عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، رغم أنها لا تحمل اسم أي فصيل.

واشتهر أورال بعد دوره في المجازر التي ارتكبتها قوات النظام السوري والميليشيات الموالية له في بانياس ومحيطها في محافظة طرطوس الساحلية، وأبرزها في أيار/ مايو الماضي.

على أن التهديدات بحق معارضي النظام السوري اتخذت منحى آخر، مع التوعد بترحيل التركمان السوريين في شمال اللاذقية بعد اتهامهم بالعمالة لتركيا.

وقال أحمد جقل، العضو التركماني في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، إن التهديدات تكثفت بعد دخول الثوار بلدة باير بوجاق في جب التركمان.

وذكر جقل أنه "بعد تحقيق الثوار التركمان مع الفصائل الإسلامية تقدما في بلدة كسب والسيطرة على المرصد 45 وقرية السمرا، هاجم أنصار النظام التركمان، ومن بين ما طالبوا به ذبحهم وطردهم خارج البلاد، واغتصاب نسائهم، لأنهم من البقايا العثمانيين، ويعملون لتنفيذ أجندة الحكومة التركية التي لها مطامع في سورية".

وأوضح جقل في تصريحات لوكالة الأناضول أن "الاتهامات التي أطلقها أنصار النظام ضد التركمان بالعمالة والتبعية لتركيا، بأنها مجرد افتراءات لا أساس لها من الصحة"، لافتا إلى أنها "تصريحات عدائية تعكس ذهنية النظام".

وقال إن "التركمان في سورية وطنيون وشاركوا في الثورة ضد النظام منذ أيامها الأولى، وأنهم يعملون بالتوازي مع بقية أطياف الشعب السوري والمعارضة المسلحة في مختلف مناطق التراب السوري"، مؤكدا أن "التركمان مع وحدة التراب السوري، ومطالبهم هي الحصول على حقوقهم بالمساواة مع بقية أطياف الشعب".

من جهتها، أكدت الكتلة الوطنية التركمانية، أن "تهديد النظام بتهجير التركمان ليس إلا لغة عرقية بغيضة يطلقها من نافق لعقود بحماية الأقليات بعد أن أصبح على هاوية البقاء".

وحمّلت الكتلة في بيان "النظام بمسؤولية حفظ أمن تركمان سورية عموما والساحل خصوصا"، مشددة على أن "التهديد لن يردع الثوار أبدا في طريقهم".

ودعت الكتلة "عقلاء الطائفة العلوية بأن يبدأ الحل من عندهم، من خلال إعمال مبضع الجراح في آل الأسد، لتخليص الطائفة من أفعالهم، والدخول في المصالحة الوطنية كطرف له من التمثيل ما يناسبهم ومن الأمان ما يكون للسوريين جميعا"، على حد وصفها.

ودعت الكتلة "المجتمع الدولي والقوى الإقليمية، إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على المدنيين في الساحل السوري من بطش النظام، وبشكل خاص التركمان"، مضيفة أن "التركمان عاشوا قرونا طويلة إلى جانب العلويين والمسيحيين في المنطقة، ولهم علاقات حسنة معهم، وصداقات لا تزال مستمرة، وأن صراعهم مع النظام فقط جراء ممارساته".

وفي هذا السياق، قالت الهيئة الشرعية في جبل التركمان إن "مواطنين اثنين من تركمان مدينة اللاذقية، قتلا ذبحا على يد قوات الدفاع المدني التابعة للنظام والمعروفة بالشبيحة، في حي علي جمال (التركماني) بقلب المدنية".

وأوضحت الهيئة أن "شابا وطفلا ذبحا في الحي انتقاما من الجيش السوري الحر وبطولاته، خصوصا بعد بروز اسم التركمان في المعارك الأخيرة في الساحل".

وأوضحت الهيئة أن المعركة في جبل التركمان "أكدت للعالم أنّ نظام بشار الأسد، لا يمكن أن يكون حاميا للأقليات، ولا للأديان، بل يسعى من خلال سياسته القذرة إلى خلق أعذار واهية، يسعى من خلالها إلى تسويق سياسته القمعية والإجرامية للمجتمع الدولي".

الأرمن:

وفي المقابل، يسعى النظام السوري ووسائل الإعلام الموالية له، لا سيما قناة الميادين اللبنانية، على التركيز على السوريين الأرمن الذي اضطروا لمغادرة بيوتهم في كسب بسبب المعارك، مع ترويج إشاعات عن استهداف المنازل والكنائس في المنطقة، كما يجري ترويج أوصاف من قبيل ان ما يجري بانه "مذبحة جديدة ضد الأرمن" في محاولة لإثارة الرأي العام العالمي.

ورد الثوار بتسجيلات مصورة تثبت بوضوح أن الدير في البلدة لم يتعرض لأي ضرر سواء كان من الداخل أو الخارج، بما في ذلك الصلبان على مدخل الكنيسة أو داخلها، مذكرين في الآن ذاته بمئات المساجد التي دمرها النظام السوري جزئيا أو كليا. كما ذكّر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ردا على الادعاءات بـ"هجرة" بضعة عشرات من العائلات الأرمنية في كسب، بسبعة ملايين "سني" هجرّهم النظام السوري من بيوتهم في المدن السورية.

من ناحية أخرى، اعتبر عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري فايز سارة أن "حملة النظام العسكرية الشرسة التي يشنها على أهالي جبل التركمان محاولة غير مقبولة يسعى من خلالها للقضاء على المكونات الثقافية التي أغنت الحضارة السورية على مدى التاريخ".

وقال سارة، وهو عضو مسيحي في الائتلاف: "إنّ المفارقة في معارك الساحل السوري، هي عدم تعرض الجيش الحر لأحد من أهالي المنطقة أو لدور عبادتهم، في حين هناك حملة همجية يشنها الأسد على المكون التركماني في المنطقة، وهذه المفارقة تبيّن للعالم أنّ الثوار السوريين، هم من يسعى لحماية ما يسميهم نظام الأسد بالأقليات". وأضاف في بيان وزعه المكتب الإعلامي للائتلاف أن "نظام الأسد هو الذي يقتل الأقليات بحجة الإرهاب، وبالتالي فإنه لا يشكل خطرا على ثقافة الإنسان السوري وحسب، بل على الثقافة العالمية والإنسان بالمنطقة بشكل عام"، على حد تعبيره.

وأوضح سارة أنه "كان على نظام الأسد أن يتعلم ثقافة القتال من الجيش السوري الحر، الذي سيطر على "كسب" دون أن يتعرض لأحد من أهالي الأرمن، ولا حتى لكنائسهم ودور عبادتهم في المنطقة، مركزا قتاله فقط على قوات الأسد وبعض المرتزقة الذين يستعين بهم  النظام".

ودعا سارة مقاتلي الجيش الحر إلى "الثبات على عدم تعرضهم لأيّ كان من أهالي المدن الساحلية بما فيها منطقة كسب، التي تضم أحد أهم المعالم التاريخية في العالم، والتي يشكل الأرمن أحد مكوناتها الثقافية التي أغنتها على مدى العقود الماضية".
التعليقات (0)