كتاب عربي 21

التنافس في مرضاة النظام القديم

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
لماذا انتهت المعارضة التونسيةإلى التنافس على ترضية نظام بن علي و أزلامه ؟ هذا السؤال  في الإمكانيات المهدرة أو هو تبرير القناعة والرضا بالمقسوم أو الاستسلام للوقائع باعتبارها   ذكاء الواقعية الخلاق. وهو يطرح في أعقاب مراحل وبداية أخرى ويؤشر على نهايات عادة ما تكون تعيسة لكنها  تبرر بنصف الكأس السفلى. هل كان أمام الثورة التونسية  إمكانيات أخرى لخلق واقع آخر ؟ بصيغة أخرى أين حصل الخلل الذي يؤدي الآن إلى معاينة الإمكانيات المهدرة أو المحتملة  وهو السؤال الذي يؤدي إلى  سؤال آخر هل يمكن بعد إعادة اطلاق ثورة جديدة تبدو الآن كحلم بعيد المنال؟

التبرير بأن الثورة  فاجأت الجميع ذات شتاء قاس كشف  أن النخب السياسية كانت على قدر كبير من الهشاشة  التنظيمية والفكرية  مما جعلها تقبل بنصف الحل السلمي (وتتنازل عن كل الحل الثوري) بمنح قياد المرحلة الانتقالية للنظام السابق نفسه. لكن السؤال العذر هو لماذا كانت هذه النخب بهذه الهشاشة في التنظيم وإعداد البدائل لكل الاحتمالات. الإجابة أو التبرير الموالي كان هو الدكتاتورية  التي لم تسمح لأحد بفعل شيء لكن الاعتذار للنخبة  وتبرير عجزها بالدكتاتورية الماحقة. يهين هذه النخبة ولا يرفعها  لأنها تصدت لمهمة  كانت دونها. فلا هي أفلحت في زعزعة النظام ولا  أعدت بدائل  نظرية وعملية  لاحتمالات سقوطه من غير  جهدها. 

من هنا يصبح الإعذار لها هو  تبرير لفشلها ما قبل الثورة  ولفشلها بالخصوص في ما بعد الثورة  بداء من تسليم القيادة للنظام السابق في شخص رئيس برلمان النظام السابق الذي غطى الاستئصال والمحق.  وصولا إلى  السعي في مرضاته بحماس فياض على أبواب نهاية المرحلة الانتقالية. وهذا الفشل يؤدي الآن إلى الاحتراب وعلى أرضية حددها النظام السابق لخدمته ليعود  إلى قياد الدولة  وتفريغ  الثورة من مضامينها الاجتماعية و الثقافية. 

وهن النخبة المعارضة خاصة والنخب عامة أمام النظام السابق  وأمام استحقاقات الثورة  له تفسيرات كثيرة  ولكن يمكن إجمالها في عنوان هام.

هشاشة المعارضة السابقة

هذه المعارضة السياسية  بكل أطيافها ومسمياتها الحزبية  الظاهرة والكامنة تنحدر من عصر الإيديولوجيات التمامية المغلقة التي منعت التفكير  بشكل عملي في  قراءة المجتمعات و تخيل البدائل فوقعت في الجمود الفكري والتنظيمي و انتهت عاجزة عن التفكير والفعل. وبقي أمامها إرضاء عدوها القديم لحفظ بقائها والاكتفاء بفضلة كرمه.

 عجز الفعل ترجم سابقا في استلحاق جزء منها بالسلطة ورشوتها بفتات المغانم فيما سهل  تشريد جزء آخر منها في المنافي والطريف أن المعارضات  حاربت بعضها لصالح السلطة أكثر مما فعلت السلطة بكل  شق منها. لقد خاضت تحت تأثير الإيديولوجيا التي ختمت على عقولها وأفكارها معارك السلطة  فصفت بعضها فيما السلطة (النظام) يترشف قهوته ويفلس البلد. وانصرفت عن قراءة الواقع  وتطوراته  وبناء شبكات الفعل السياسي المعارض(تعتبر حركة 18 أكتوبر هنا استثناء في الفعل السياسي  يثبت قاعدة العجز ولا يؤشر على ذكاء بنيوي) لذلك فوجئت بالحراك الشعبي ولم تستوعبه وكل ما فعلته أنها حرفته لصالح مغانم بسيطة وسريعة ولم تفلح في  بلورتها ضمن مطالب الثورة  عامة  ثم  وقفت على عجزها في القيادة   فسلمت أمرها من جديد لعدوها القديم معلية حديث المجتمع المدني و النضال النقابي لكن ضد من ؟

 النتيجة الظاهرة  الآن  أن كل  الحراك السياسي غير الثوري يصب  ضد مطالب الثورة  الاجتماعية والسياسية التي أطلقت سراح هذه النخب  من عجزها فأعادت إنتاج فكرها وسلوكها التمامي الإقصائي ولم تتقدم إلا لمزيد من خدمة عدوها الأصلي  الذي زعمت  مقاومته منذ نصف قرن.  

هذه الجماعات ولأنها  تشكلت على قاعدة الأفكار التمامية (الأصولية)  فإنها على المستوى الفكري  و لم تطور أية قراءة  للواقع  التونسي  و للسبب الحقيقي الذي اطلق الثورة  التي سمحت لها بالحرية والكلام والتنظيم. وكان الحفاظ على فكرها  الجاهز منجاة لها من التفكير  والبناء وإعادة النقد الذاتي أمام تغيير معطيات الواقع. ولأنها فاشلة في القراءة والتنظم حول بدائل فعالة فهي تقع الآن في المحظور السياسي بإعادة  تقديم  القيادة لخصمها مانعة  نفسها من فرص تجديد النخبة  و تجديد الفعل. 

كان اليسار  عنوان المشروع الاجتماعي (الطبقي) وكان تراث العمل النقابي يؤشر على ذلك أو يرشد إليه لكن لما تبلورت إمكانيات الحرية ودعم الفعل الشعبي المتجه إلى العدالة  الاجتماعية  تحول العمل النقابي بقيادة اليسار المحترف إلى خدمة الطبقة الوسطى المرفهة نسبيا فشهدنا نضالات الفئات الوسطى من الأطباء وأساتذة الجامعة  و القطاع البنكي  والضمان الاجتماعي بما جعل التحسن النسبي  في المداخيل ينتهي عند هذه الفئة (41 بالمائة من زيادة الإنفاق العام في رواتب القطاع العام)  صحيح انه تم إدماج فئات واسعة من العمالة الهامشية في المناولة في القطاع العام (عمال البلديات وغيرهم) لكن ذلك لم يكن ضمن تحسين شروط اجتماعية  خلاقة للثروات بل تم تحميل التحسن على مقدرات القطاع العام  المرهق أصلا و المعروف هذا القطاع العام مكلف بتحمل كلفة الدولة الاجتماعية الموروثة في حدودها الدنيا المتبقية من برنامج الإصلاح الهيكلي  الذي كرسه النظام السابق فظهر العجز وسيتكرس في المستقبل المنظور بعجز عن ضمان استمرار مجانية  التعليم العام والصحة الأساسية الدنيا. وسيؤدي إلى فشل بقية مؤسسات القطاع العام الاقتصادية  في توفير عائد  يرفد الميزانية العامة وسيكون الحل الوحيد المتاح هو  التفويت فيها ضمن سياق الخوصصة التي هي جوهر الإصلاح الهيكلي ضم منوال تنمية تابع فشركات النقل العام ومنها الناقل الوطني المدين بأربع مرات حجم رأس ماله بسبب فساد النظام السابق وبسبب الزيادة المجحفة في الانتدابات عبر التدخل النقابي المباشر. وفي مقابل زيادات مجحفة في رواتب الفئات العليا تم استحداث شكل تشغيل  غير منتج يستنزف القطاع العام تحت مسميات شركات التنمية  والتشجير وبالمصادفة أغلبها في المناطق الاشد جفافا لإغماض عيون فقيرة متطلعة إلى ثمرات ثورة اجتماعية دفعت فيها فلذات أكبادها.   

لقد تم تبرير المطالبة بزيادة عالية في رواتب أساتذة الطب والأستاذة الجامعيين  وهم فئة كبيرة من الطبقة الوسطى التونسية بفارق الأجور بينهم وبين نظرائهم من بلدان المغرب العربي (الجزائر والمغرب) ولكن دون اعتماد المقارنة مع سلم الأجور المحلي. وكان للنقابة  المسيسة دور  حاسم في ابتزاز هذه الزيادة بالضغط على سير السنة الجامعية التعليمية عامة . لقد قادت النقابة  التي تقع تحت سيطرة اليسار  التمامي جملة من الإضرابات السياسية  الوحشية انتهت بتوجيه الميزانية لصالح الفئة التي كانت في حماية وضعها غير المزري (لا أقول المرفه). بالمقارنة  بمن هم دونها  وهي لا تزال مطمئنة إلى ما بين أيديها وفوق ذلك هي الفئات التي لم تتحمس للثورة  ووقف قطاع كبير ضدها. (لقد وجهت الزيادات لمن يريد استبدال سيارته بأخرى عوض أن توجه لمن يبحث عن قوت يوم)

لماذا فعلت النقابة اليسارية (التي طالما تغنت بمقترحاتها الاجتماعية) ذلك ؟  لقد كان هدف إسقاط حكومة الترويكا (وعمقها النهضوي) عدوها اللدود  هو الهدف الأول والوحيد وقد أفلحت في إيصال الوضع الاقتصادي إلى حافة الإفلاس الكامل مما سهل المزيد من الضغط الخارجي على العدو الداخلي  فحجب الممول الخارجي أقساط القروض الأجنبية فوجد الحكومة   نفسها عاجزة تسلم السلطة صاغرة لمن يليها دون أن تقر النقابة ويسارها النقابي بأنها أخطأت الهدف وأصابت المشروع الاجتماعي في مقتل والأخطر في هذه النتائج أنها  ستهدد الوضع الاجتماعي في السنوات المقبلة اذا أن نسب الزيادة  تفوق بكثير نسب النمو الاقتصادي الذي تم بموازاتها وقد عجزت الدولة  عن تحسين وضع الاستثمار الاقتصادي ذي البعد الاجتماعي و أعيد إنتاج التقسيم السابق بإغناء الفئات الحضرية وتفقير الهوامش الريفي والبدوي الذي كان يعاني قبل الثورة.

هل كان يمكن معارضة  ذلك ورفض الزيادات ؟ نعم كان ذلك ممكنا لكن معارضة الزيادات لهذه الفئة  كان يعني  فشل الحكومة فشلا كليا في السيطرة على الحركة الإضرابية المتفشية بعناد تخريبي.  المعارضة ضمن مشروع وطني كانت تعني أولا  التحاور حول الأوليات التي اقترحتها الثورة  وهو حوار كان يجب أن يسبق الحوار الوطني بل كان هذا موضوع الحوار الوطني الحقيقي والمطلوب طبقا لخطة الثورة لكنه حوار كان  يقتضي التواضع لمطالب الثورة  أولا وليس لمطالب الجماعات السياسية المتمسكة والمطالبة بها. كان حوار يقتضي مراجعة المسلمات التمامية الأصولية  التي تشكلت حولها هذه الجماعات. لكنها لم تفعل عن عجز  وجهل وغطرسة وشخصنة. لقد كان استئصال الخصم مقدم على بناء الوطن والثورة.  

لم يكن المطلب الاجتماعي أولية لدى أي طرف سياسي لأن الجميع كان يعمل طبقا للأجندة السابقة للثورة أي الاحتراب السياسي بواسطة النقابات أو بواسطة الأجهزة الحكمية فانتصرت مطالب الفئات الأكثر تنظما نقابيا و تملك أن تتحول بسرعة إلى لوبي اجتماعي وسياسي وأجلت أو ألغيت عمليا مطالب الفئات الأحق بالتحسين في شروط الوجود الاجتماعي والفاقدة لكل سلاح نقابي أو نضالي يسمح لها بالتكتل والعمل المطلبي . ومن بين فجوات هذا الاحتراب السياسي بين مكونات المعارضة السابقة التي صار جزء منها في السلطة  خرجت طبقة راس المال الفاسد دون أن تضار مصالحها (وهي الطبقة التي كانت السند الحقيقي للنظام السابق) فالإضرابات كانت دوما في القطاع العام. والحلول في التوظيف(الانتداب)  كانت في القطاع العام ولم يبذل رأس المال الخاص أي جهد حقيقي في بلورة بدائل تشغيلية يعتد بها حتى رأيناه يشارك من موقع الفاعل في إعادة توجيه الثورة عبر حضوره بنقابة الأعراف في توجيه الحوار الوطني نحو المزيد من اللبرالية  المتوحشة فلم تتم محاسبة رأس المال. وعندما تم التفطن إلى مسألة التهرب الضريبي المزرية ظهرت أصوات كثيرة  تحيل المحاسبة  بما في ذلك  الاستدراك الضريبي والعفو إلى  ماكينة العدالة الانتقالية التي سيكون مهمتها إجراء مصالحات غير علنية  تبقى على مكاسب الطبقة  المرفهة دون تحميلها أية مسؤولية ترفد الميزانية الاجتماعية. بل أن بعضها يتربص الآن بمؤسسات القطاع العام منتظرا البدء في التفويت في المؤسسات التي سيتم تفليسها  طبقا لتقاليد اللصوصية القانونية.

أخطاء الماضي  وشياطينه 

أن أكبر الأخطاء التي سادت بعد الثورة  ودلت على التكلس الفكري وعلى الفقر المعرفي السياسي وجمود القراءة هي مواصلة توظيف النقابة سياسيا  بعد أن سمحت اللحظة التاريخية  بتحريرها من السياسي لصالح الفعل النقابي الاجتماعي طبقا لنماذج تطور العمل النقابي في الاشتراكيات الديمقراطية فلم تصبح النقابة شريكا  في الحكم بل ناصبت النظام الجديد العداء ضمن خطة الاحتجاج السابقة والتي كانت مبررة في السابق  بانغلاق الوضع السياسي تحت الدكتاتورية الغاشمة.

إن تسييس النقابة قبل الثورة  كان مبررا ومقبولا  لأنها المتنفس الوحيد للقوى الاجتماعية والسياسية  تتحصن داخلها لتناوئ سلطة لا تسمح بالمعارضة أما بعد الثورة  فقد  دل التحصن بالنقابة على ضعف فادح في قدرة اليسار على التحشيد  خارج النقابة  وتجميع شارع سياسي موال لفكره وبرامجه التي دارت باستمرار حول التظاهر بخدمة الفئات الاجتماعية الضعيفة لكنه لم يكن في ذلك إلا منافقا لهذه الفئات فباسمها خدم دائما الفئات الأعلى اجتماعيا  وهي الفئات التي ينتمي إليها النقابيون الأقوياء عامة.(وقد تبين بعد الثورة أن أغلب النقابيين يملك شركات مناولة في اليد العاملة (مقاول أنفار).

 في موازاة ذلك تصرف التماميون الإسلاميون كفرقة مهددة بالقتل  فتمسكوا بالسلطة  بشكل غريزي بيقين  ظاهر لو أفلتت من بين أيديهم سيتعرضون للاستئصال ثانية على  يد نفس اليسار المتحالف ضدهم مع النظام السابق لعقود طويلة. هذا التمسك الدفاعي بالوسيلة الوحيدة المتاحة مع ضعف كبير  في  المناورة السياسية  و التمكن من الإدارة الرشيدة (وهو امر ناتج عن سنوات القمع السابقة ) أدى إلى التفريط أمام الضغط النقابي في المشروع الاجتماعي لصالح الفئات الأعلى وعملوا على البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة متذعرين بشرعية  انتخابية  لا شك فيها ولكنها لم تكن  ذات جدوى عند غرمائهم لكنهم  انتهوا إلى  انسحاب تحت يافطة وفاق وطني يخفي الرعب الاستئصالي القادم. الذي يتجلى الآن  في عمل  منهجي تحت يافطة تطهير الإدارة  من النهضويين بمنطق  أنهم سرطان سكن مفاصلها  وليسوا من أصحاب الحق فيها. (سيعاد استثمار شعور القهر  انتخابيا لكنه غير ذي جدوى في المدى المنظور فالتمركز في الدولة العميقة  مجد أكثر من البكاء من ظلم الإقصاء المنهجي ).

و لكن النتيجة التي تنتهي إليها الجهتان هي الآن بالتقرب زلفى من النظام القديم في محاولة مستميتة لمنع تحالفه مع الغريم الابدي في هذا التنافس رابح واحد هو النظام القديم.  الذي يجد نفسه متربعا  في وضع مريح سياسيا إذ ينجو من المحاسبة على ما فات ثم يضع شروط التحالف معه لا عليه مستقبلا وليس كما كان الأمر في أول الثورة وهي لحظة التقارب الوحيدة بين اليسار والإسلاميين (والتي تم استذكار تحالف 18 أكتوبر )  والتي دفعت الفعل إلى  مدى  جيد  أوشك أن  يغير النظام بشكل جذري (طبعا لا تزال  اتفاقيات ليلة تصعيد قيادة من النظام القديم بتواطؤ  كامل من اليسار النقابي في ختام القصبة الثانية  غامضة لدى الكثيرين وهو الانقلاب  الأكبر على المسار الثوري رغم الخروج بمشروع التأسيس ).

مقدمات خاطئة = نتائج خاطئة

القراءات خاطئة لمطالب الثورة  ولواقع البلد أدت إلى مقدمات  خاطئة في الفعل السياسي وأنتجت خطيئة الجلوس مع النظام السابق للتفاوض معه على بقائه سليما  أولا ثم تمكينه ثانيا من مكاسبه القديمة ثم طمعه في استعادة مكانته القديمة بكامل عدتها المالية  والسياسية. وهو الآن في وضع من يمنح حق البقاء لمن كان وقف في موقع المحاسب بالثورة قبل سنتين.(مازالت شقوق المعارضة  تتخيل أنها في وضع من يمنح الحق للنظام القديم)  ولن نعدم صوتا يساريا وإسلاميا  يقولان في ذات الوقت وبتبجح غريب : إن العمل مع التجمع (عنوان النظام القديم)  أفضل بكثير من مراجعة العداوة الأزلية مع خصمي الإيديولوجي الأزلي . والجميع الآن يبحث عن سبل التحالف مع النظام السابق الذي أعاد تماسكه  لمرحلة الانتخابات و إدارة البلد بعدها. 

لقد تم  تناسي  مطلب المحاسبة  ومطلب تجديد النخب عبر العزل السياسي وصار الفصل 15 من القانون الانتخابي عنوان ترضية النظام السباق الذي يتبغدد مطالبا بالمزيد ومزايدا بخبرة إدارة   أدت إلى الكوارث التي أدت إلى الثورة. لقد صارت مثالبه التي ثار عليها الناس هي  مكارمه التي يستجديها السياسيون  الآن  وهو لعمري خطأ كل النخب السياسية  التي كانت تعارضه قبل الثورة فانتهي باستعادتها إلى حضنه وصار تبجحه بتاريخه عنوان الديمقراطية القادمة.

 هل كان بالإمكان أفضل ما كان ؟ وهل كانت تلك الكتلة التاريخية ممكنة؟   

 لقد صار  الحديث الذي  انتشر قبل الثورة عن الكتلة التاريخية  وضرورة تشكلها لقيادة الثورة عبر تجاوز خطاب الإقصاء المتبادل بين اليسار والإسلاميين  حديث ذكريات  وانتهت مبادرة 18 أكتوبر إلى نكتة يمكن تذكرها لكن لا يمكن إعادة روايتها وإذا رويت لا تضحك أحدا. 

في ظل فكر تمامي  أيديولوجي متكلس ويدور حول مسلماته العقائدية كان ذلك ولا يزال مستحيلا وما لم تحدث هذه المراجعات  ومن الجميع وبالتوازي وبشكل جماعي فإن النهايات الظاهرة الآن هي إعادة إنتاج النظام السابق بطبقته المرفهة وبراس ماله الفاسد وبوجوهه السياسية  الوقحة التي لا  تقدم حتى اعتذار لفظي لترضية كبرياء أهالي الشهداء بل تغالي في الغزل بالنظام البائد.

إعادة النظام السابق تتم الآن بجهد المعارضين السابقين وسيتم تسليم الصندوق الانتخابي للمال الفاسد الذي جمعه دون رقيب ولا حسيب. وسيكون ذلك بدعوى  ترك الحرية للناخب دون رؤية المسلمة التاريخية أن ليس للناخب الجائع حرية كبيرة  بين المال الفاسد و الصندوق الفقير.  ومن نفاق هذه المعارضات الآن أنها تكبر رأي المواطن أمام الصندوق وتوكل إليه عزل النظام السابق  لكنها لا تكبر أبدا رأي هذا المواطن وتعود إليه في الشارع بل هي الآن في مرحلة تبرير التضييق على الحريات التي يمكن أن  يستعيد بها الشارع المبادرة منها ويحاسبها على  التفاوض باسمه على غير مصلحته.

كيف سيكون شكل النظام السياسي بعد الانتخابات التي يشارك فيها النظام السابق على قوائم كل الأحزاب وقد اتخذ له مسميات جديدة؟
نتوقع قيام (أو إعادة إنتاج وهو الأصح ) نظام ليبرالي  شرس وتابع يعيد إنتاج منواله الاقتصادي  غير التنموي وغير الاجتماعي الذي عاش به لربع القرن الماضي وستكون الذرائع ليس بالإمكان أحسن مما كان وسيكون التبرير بالوضع الدولي غير الملائم دوما حاضرا لدى كل الجهات لكن النظام السابق الذي خلق خميرة الثورة  والانفجار سيعيد إنتاج الخميرة نفسها. وسيكون القطاع العام الذي تكفل بالحد الأدنى الاجتماعي سابقا مرهقا حتى الإفلاس  وسيكون جهاز الحكم جاهزا لقمع كثير ومنهجي لكن تلك الخميرة ستحتاج فقط إلى قادح صغير لكن هذه المرة نرجح إفلات الأمور من نخبة تمامية متكلسة وعاجزة عن لم أطرافها . نعم لقد تم بنجاح منقطع النظير وعبر إعلام  قذر ومخترق وعبر شرطة فاسدة  استنزاف الشارع وتيئيسه من احتمالات الثورة. واليأس الآن اقرب إلى النفوس من  الأمل  حيث تتجلي في نسب عالية من نية مقاطعة التصويت القادم احتجاجا على السياسيين و خوفا منهم خاصة وهم يهددون بالسيناريو المصري.

وهذا للأسف الجميل يدخل في باب الحلم أكثر مما يدخل في باب التوقع السوسيولوجي والهدف القادم  سيكون النظام السابق نفسه لكن ستحسب النخب المأدلجة في النظام القديم وستسوقها الثورة في من تسوق. كثير من النخب الآن يقف في موضع العاجز المترقب وعينه على الشارع اليائس المحبط ولا يملك وسيلة لإيقاظه من كبوته غير التحسر على الإمكانيات المهدرة  لكن رب إحباط يحرر صاحبه من إحباطه. ولن يكون المستقبل للتنافس في مرضاة النظام القديم. ومن لم يأخذ هذا بعين الاعتبار فسيكون جزء من النظام القديم. فالثورة لم تخرج أبدا عن كونها حلما منفلتا من كل الرقابات.
التعليقات (1)
حسام حسين
السبت، 05-04-2014 09:03 م
مقال عبقري وجاد