مقالات مختارة

تحقيق ديفيد كاميرون عن الإخوان قد يرتد سلبا عليه

روز ماري هوليس
1300x600
1300x600

إذا أدى التحقيق إلى حظر الجماعة، فقد يرضي ذلك السعوديين، لكنه سيهمّش الملايين الذين لم يعتنقوا العنف في السابق.

سيندم ديفيد كاميرون على دعوته للتحقيق في وضع الإخوان المسلمين. فهذه خطوة انتهازية سترتد سلبا عليه. وعلى ما يبدو فالدفع باتجاه التحقيق جاء من المخابرات البريطانية، وليس من وزارة الخارجية التي تعي مخاطر تهميش صفوف وقيادات حركة إسلامية ظلت حتى اليوم تصنف على أنها حركة معتدلة نسبيا ولا تميل إلى العنف. 

ويطرح اختيار السفير البريطاني في السعودية (سير جون جينكنز) لتولي التحقيق العديد من الأسئلة حول دور السعودية في التأثير على حسابات كاميرون. فحكام السعودية ينظرون للإخوان المسلمين كجماعة تمثل المنافس الأقوى لهم في التأثير على السنّة في المنطقة، وحتى لو دعمت الرياض القوى التي تسعى للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، فإنها مع ذلك لا تريد أن يحل مكانه المتعاطفون مع الإخوان المسلمين.

وكان كاميرون نفسه يدعم المعارضة قبل أن يجبر على الاعتراف بأن ما يطلق عليها قوى المعارضة المعتدلة ليست قادرة على هزيمة كل من الأسد والقوى المتطرفة داخل المعارضة، ما يعني أنه لن يتم والحالة هذه إنهاء التراجيديا بالانضمام للسعوديين وشيطنة الإخوان المسلمين. 

وقد يتجه التحقيق مع ذلك نحو إرضاء السعوديين الذين لم يخفوا غضبهم من حلفائهم الغربيين وموقفهم المتساهل من الأسد فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية، وفي الوقت نفسه تفاوضوا مع إيران التي تعتبر المنافس الأكبر للسعوديين، حول مشروعها النووي.

وكما أعلن، فالتحقيق في وضع الإخوان المسلمين سيفحص مزاعم الحكومة المصرية حول مسؤولية الحركة عن الهجوم الإرهابي على سياح كانوا على متن حافلة مصرية في شباط/ فبراير. 

وستقوم المخابرات المصرية، بلا شك بتزويد نظيرتها الاستخبارات البريطانية بمن فيها مدير الاستخبارات الخارجية – أم أي6 – جون سويرز، السفير السابق في القاهرة، ستزوده بما تملك من رؤية حول الموضوع. وبلا شك سيحصل رجلنا في الرياض الذي سيقود التحقيق على معلومات من مصادر سعودية، أما الإخوان المسلمون فلا يُعرف من سيقدم روايتهم للتحقيق.

كذلك طلب من التحقيق تحديد القيم وفلسفة الحركة، ليس بالضرورة لأجل وضع الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات التي تصنفها الحكومة بالإرهابية، ولكن من أجل فهم "طبيعة من نتعامل معهم". والسؤال ممن ستستمع اللجنة وتأخذ المعلومات؟ هناك الكثير من المواطنين البريطانيين الذين يمكنهم وصف معتقدات وطموحات الإخوان المسلمين، لكنهم لا يريدون توريط أنفسهم.

فالمعيار الذي ستصنف بناءً عليه الحركة سيكون مرتبطا بقانون الإرهاب 2000. وسيركز على التورط في أفعال ذات صلة بالإرهاب، ولكن التحقيق سيدرس "طبيعة ومدى نشاطات الحركة"، "التهديد المحدد الذي تمثله على المملكة المتحدة"، وكذلك "الحاجة لدعم بقية أفراد المجتمع الدولي في مجال الحرب الدولية ضد الإرهاب".

وفيما بينهم سيقوم السعوديون والمصريون، بلا شك بتقديم قضية مقنعة ضد الإخوان في كل الملامح، وقبول الحكومة بنقاشهم والاعتراف به سيكون غير منطقي، خاصة إذا لم يتم أخذ الصورة على اتساعها بنظر الاعتبار.

تعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة كبيرة بملايين الأتباع، ليس فقط في مصر حيث نشأت قبل قرن من الزمان، ولكن في كل أنحاء الشرق الأوسط وما بعده. وظهرت قوتها من خلال قدرتها على الوصول للسلطة، بما في ذلك الرئاسة المصرية بعد سقوط حسني مبارك. 

وقد نظمت وزارة الخارجية (البريطانية) ولعدة سنوات مبادرات لتشجيع الإصلاح السياسي في مصر، والاعتراف بكل أشكال الطيف والرأي العام، وعندما اندلعت الثورة عام 2011، لم تقم الحكومة البريطانية بالدفاع عن مبارك، وعلى خلاف ذلك حاولت التكيف مع النظام الجديد.

 وكما اتضح، فلم يسمح الجيش فقط بوصول مرشح الإخوان محمد مرسي للرئاسة، لكنه قام بتنظيم عملية الإطاحة به. والآن خلعت القفازات كلها، فلم تحظر جماعة الإخوان المسلمين فقط، بل سجن أعضاؤها وصدرت على بعضهم أحكام بالإعدام أيضا، وفي ظل هذه الظروف فليس من الغرابة أن يبحث بعضهم عن ملجأ لهم في الخارج، بما في ذلك بريطانيا.

وإذا كان بعض هؤلاء المنفيين يخططون للانتقام أو يعملون على إيجاد طرق للعودة إلى السلطة في مصر، فيجب أن لا يكون ذلك مثيرا للدهشة أيضا. ومع ذلك فقوانين مكافحة الإرهاب البريطانية كافية وقادرة على التعامل مع أي حالة بعينها. وعندها ما الداعي لفتح تحقيق حول قيم وفلسفة الحركة يحمل تداعيات قانونية؟

لقد صنع رئيس الوزراء لنفسه مصيدة ووقع فيها، ففي حال وجد تحقيقه أرضية تستدعي تصنيف الإخوان كحركة إرهابية، فإنه سيهمِّش الملايين ممن لم يؤمنوا يوما بالعنف في المقام الأول. وإذا توصل التحقيق إلى أن قيم وفلسفة الإخوان المسلمين لا تمثل مشكلة، فلن يرضى السعوديون، وسيظهر التحقيق كمهزلة.

روز ماري هوليس: أستاذة دراسات الشرق الأوسط بجامعة سيتي في لندن، ومديرة البحث سابقا في "تشاتام هاوس" للشؤون الدولية. نشرت المقال في الغارديان.
التعليقات (0)