مدونات

"رابعة".. هل تصبح بديلا لعلامة النصر المشهورة

إشارة رابعة وعلامة النصر المشهورة
إشارة رابعة وعلامة النصر المشهورة
في الرابع عشر من آب عام ألفين وثلاثة عشر، قامت قوات الجيش والشرطة المصرية بفض ميدان رابعة العدوية بقلب القاهرة، الذي أودى بحياة أكثر من ألف معتصم، حسب أقل التقديرات، وإصابة بضعة آلاف.

قبل فض الاعتصام ببضعة أيام، زاره وفد من الإتحاد الأوروبي، وتجول بالميدان وخرج ليؤكد أنه اعتصام سلمي غير مسلح، ولم يجدوا به أي مظهر من مظاهر التسلح، أو ما يؤكد أنه كذلك، هذا فضلاً عن أن المعتصمين أنفسهم، وجهوا أكثر من نداء لسلطة الانقلاب، لتفتيش الاعتصام للتأكد عما إذا كان مسلحاً أم لا.

وكان من الممكن، أن تقوم السلطة بتشكيل لجنة من خبراء السلاح، من الجيش والشرطة، للقيام بهذه المهمة، وزيارة الاعتصام في أوقات مختلفة، ودون إخطار المعتصمين مسبقاً، أي بشكل مفاجئ، وإن تأكدت اللجنة من تسلح المعتصمين، فحينها كان سيخرج الشعب المصري كله ضد هؤلاء المسلحين، ولفقد الاعتصام أي شرعية، أو تعاطف من أي مصري، ولانتهى الأمر وأصبح من حق السلطة فضه، بكل وسائل القوة.

 ولكن هذا لم يحدث، وطالما أنه لم يحدث، فما علينا سوى أن نقبل برواية وفد الإتحاد الأوروبي وتقديره، الذي أعلنه، وهو أن الاعتصام سلمي، وبذلك يصبح التوصيف القانوني لما حدث في يوم الفض، هو مذبحة إبادة جماعية غير مسبوقة في تاريخ مصر وشعبها.

بعد المذبحة خرج أحد المعتصمين رافعاً أربعة أصابع – الخنصر، البنصر، الوسطى، السبابة-  فيما كان إصبع الإبهام أسفلهم، في إشارة منه إلى اعتصام رابعة، حيث كما هو معروف أن رقم "أربعة" في اللغة العربية هو نفس حروف اسم العلم المؤنث "رابعة"، ولا يختلف هذا عن ذاك سوى في أن حرف الألف في رقم أربعة، يسبق الراء، في حين أن اسم "رابعة" تسبق الراء الألف.
وكان المعنى الكامن خلف رفع الأصابع الأربعة، هو أن اعتصام رابعة سيظل رمزاً للصمود والحرية والكبرياء الوطني، في وجه سلطة انقلاب غير شرعية قانونياً ودستورياً، وأن هدف الاعتصام، حتى وإن تم فضه، إلا أنه مستمر في الزمان، وإن لم يستمر في المكان.

كان يمكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد؛ ولكن أخذ الأمر منحىً مختلفاً، حين قام رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، برفع علامة رابعة "الأصابع الأربعة"، في أحد مؤتمراته الشعبية العامة، ليدلل بذلك على تعاطفه وتآزره مع معتصمي رابعة، ومع شهدائه وجرحاه ومصابيه، بعدها انتشرت العلامة، ورفعها الملايين في المظاهرات المناوئة لسلطة الانقلاب، وأصبحت رمزاً لها وشعاراً مميزاً لها عن غيرها من المظاهرات، للتأكيد على أن رابعة ستظل فعلاً مستمراً في الزمان، وهدفاً يسعى ملايين المتظاهرين لتحقيقه. 

ثم رفع العلامة بعد ذلك الرئيس البوسني، ومن بعده المستشار السياسي للرئيس السنغالي، والملايين من المتظاهرين الرافضين للانقلاب، في كل أنحاء العالم وفي جميع القارات، وكان يمكن أن يكون كل ذلك في إطار التعاطف مع معتصمي رابعة، ولا يتعدى الأمر هذا الإطار؛ ولكن حين شاهدت أطفال فلسطين يرفعون علامة رابعة في وجه المحتل الصهيوني، بدلاً من علامة النصر، التي يقال لها "عالمية"، وهي رفع إصبعي الوسطى والسبابة، بدأت أفكر في الموضوع بشكلٍ مختلف.

فمن المعروف أن أول من رفع ما يسمى علامة النصر – الوسطى والسبابة- هو رئيس الوزراء الإنجليزي ونستون تشرشل، الذي قاد بلاده للنصر في الحرب الغربية الثانية، حيث تبوأ منصبه بين عامي 1940، 1945، وكان أول من رفع إصبعي الوسطى والسبابة ليشير إلى حرف "V" اللاتيني، وهو أول حرف من حروف كلمة "Victory" الإنجليزية، التي تعني "النصر".

 ومن بعدها أصبحت هذه العلامة تشير إلى النصر بشكل عام؛ ولكن بعد استبدال أطفال فلسطين علامة رابعة بعلامة النصر الغربية "V"، وبعد اشتهار علامة رابعة في الكثير من البلدان، ورفع عشرات الملايين لها في جميع أنحاء العالم، تحولت علامة رابعة من مجرد رمز لاعتصام سلمي في مدينة القاهرة إلى علامة "إثنية"، وكلمة إثنية مأخوذة من كلمة يونانية هي "Ethnos" وهي تعني قوم أو جماعة أو شعب لهم صفات ثقافية، أو حضارية مشتركة تعبر عنها بشكلٍ خاص.

 ويمكن بعدها أن تصبح عالمية إن تبناها غير أصحابها الأوَل، فمثلاً الملوخية والكشري طعامان إثنيان مصريان، الجلباب الأبيض والعقال في الخليج، لباس إثني خليجي، الكيمونو الياباني لباس إثني ياباني، الماكدونالد والكنتاكي والجينز، أطعمة وملابس إثنية أمريكية.. إلخ. 

وبالتالي فعلامة رابعة وبمرور الوقت، ونظراً لرفع الملايين لها حول العالم، فضلاً عن أطفال فلسطين في وجه المحتل الصهيوني، أخذت الطابع الإثني، لتعتبر علامة الصمود والنصر في مواجهة السلطات الجائرة غير الشرعية، وليست علامة معبرةً عن جماعة أو طائفة بعينها، حتى وإن كانت كذلك في بداياتها، إلا أن تبني الملايين لها بما تحمله من رمزية ومدلول منحها الطابع الإثني بامتياز، وربما هذا يفسر سبب عداء سلطة الانقلاب في مصر لها، ومطاردة كل من يرفعها، ورد الفعل غير المبرر من قبل سلطة الانقلاب، لمجرد رفع أربعة أصابع لا غير!!! 

فسلطة الانقلاب التقطت المعنى والرمز وفهمته، حتى وإن كان بشكل غير واعٍ، إلا أن المعنى والدلالة وصلا لسلطة الانقلاب، وهو ما يكشف سبب العداء الهمجي لهذه السلطة لكل من يرفع أربعة أصابع من أصابع يده!!! 

لكل ما سبق، لا أستبعد أن تصبح علامة النصر "العالمية" الجديدة هي علامة رابعة، وأن يتم استبدالها بالعلامة المعروفة حالياً، التي رفعها ونستون تشرشل، وهي علامة "V"، لتصبح علامة رابعة، علامة إثنية أخذت طابعاً عالمياً، وربما تصبح كذلك في بضع سنين لا أكثر.

تحية إجلال لكل معتصمي رابعة، الذين قالوا لا في وجه كل الغاصبين، والهمجيين والمجرمين، والإرهابيين، والسفاحين.
ولنقرأ الفاتحة على أرواح هؤلاء الأبطال.

ملحوظة: كلمة "إثني"، قرأت معناها وتفسيرها وشرحها، أكثر من مرة، في عدة كتب للمفكر العظيم، عبدالوهاب المسيري رحمه الله.
التعليقات (0)