بورتريه

بورتريه.. الإبراهيمي في مهمة جديدة لإنقاذ بوتفليقة

بورتريه الإبراهيمي
بورتريه الإبراهيمي
اعتبر كثيرون تعيينه  في منصب مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية لحل الأزمة السورية مجازفة خطيرة، لكن بالنسبة لهذا الدبلوماسي المحنك لا توجد أزمة "بلا أمل"، غير أن استقالته المفاجئة من المنصب وضعته أمام الحقيقة المرة أن الأزمة "عصية على الحل".

يوصف بـ" صاحب المهمات المعقدة" من لبنان وهاييتي وجنوب إفريقيا وصولا إلى أفغانستان والعراق، وبأنه شخص حازم يعرف ماذا يريد.

لكن حتى هذا الرجل الدائم التفاؤل كان يعرف أنه يواجه وضعا ميئوسا منه في سوريا معترفا منذ البداية بأن المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع هناك "شبه مستحيلة" يقول: " أتولى هذه المهمة وعيناي مفتوحتان مع عدم وجود أي أوهام"، مردفاً إنه يشعر وكأنه يقف أمام "جدار من الطوب" باحثا عن شقوق ربما تسفر عن وجود حل.

يتهمه كثيرون بأنه المبعوث المفضل أمريكيا دائما في المنطقة الإسلامية، وبأنه ما دخل بلدا عربيا أو إسلاميا كوسيط إلا وانتهى باحتلاله.

ينتمي الأخضر الإبراهيمي لعائلة بسيطة كانت تشتغل في الزراعة وهو الطابع الغالب لبلدة العزيزية (جنوب الجزائر العاصمة ) التي ولد فيها عام 1934. ولأن الوالد صالح كانت أمنيته أن يرى أبنه في مقاعد الدراسة، ألحقه بزاوية البلدة لحفظ القرآن وتعلم أصول اللغة العربية.

مات والده مبكرا، فعاش الطفل الأخضر يتيما، وتكفل به أخواله الذين ألحقوه بإحدى المدارس الأهلية، ثم بعد إنهاء مرحلة الثانوية التحق بكلية الحقوق ومدرسة العلوم السياسية بالجزائر العاصمة، ثم انتقل بعدها إلى العاصمة الفرنسية في أيلول/ سبتمبر من عام 1955 لاستكمال دراسته.

أثناء وجوده في فرنسا اختارته جبهة التحرير الوطني التي كانت تناضل ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر ليكون سفير ثورة التحرير في اندونيسيا ومنطقة آسيا، فسافر إلى جاكرتا رفقة صديقه وزير الخارجية السابق محمد الصديق بن يحيى، ليكونا ممثلين لجبهة التحرير في المنطقة التي كانت تعيش زخم حركات التحرر.

استلم المهمة وهو في الثانية والعشرين من عمره، لتكون بداية مسيرة في الحياة العامة، فقد نقله هذا الموقع إلى القاهرة مبعوثا للحكومة الجزائرية المؤقتة، وعيّن أول سفير للجزائر المستقلة في مصر والجامعة العربية، ومن ثم الخرطوم  بين عامي 1963 و1970 ، قبل أن يعين سفيرا في لندن بين عامي 1971 و1979، وشكلت هذه المحطة الدبلوماسية بداية ارتباطه بالمحور الغربي الليبرالي والمنظومة الدولية.

دبلوماسي محنك يحفظ في ذاكرته وملفاته أسرار النزاعات والحروب، وهو الذي قضى ثلاث سنوات في بيروت تحت القصف والتهديد، من أجل هندسة اتفاق "الطائف" في عام 1991 بتكليف من قبل الأمين العام السابق للجامعة العربية الشاذلي القليبي، وهو اتفاق طوى 17 عاما من الاقتتال في لبنان، وهي المهمة التي قادته إلى تولي مقاليد الدبلوماسية الجزائرية عام 1991.

في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي كان عضوا في المجلس الأعلى للأمن القومي الجزائري، الذي ضم وزير الدفاع ورجل المرحلة القوي الجنرال خالد نزار، ووزير الداخلية الجنرال العربي بلخير، ورئيس الحكومة سيد أحمد غزالي، وهؤلاء هم من قرروا إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، وتعيين محمد بوضياف رئيسا للبلاد، وفرض حالة الطوارئ، وحظر جبهة الإنقاذ الإسلامية، بل إن كثيرا من المراقبين اعتبروا الإبراهيمي آنذاك أحد عرابي مرحلة الفراغ الدستوري والرئاسي التي تلت الانقلاب على الديمقراطية في كانون الثاني/ يناير عام 1992.

بدأ الإبراهيمي عمله رسميا مع الأمم المتحدة عام 1993 مع تعيينه مبعوثا خاصا إلى جنوب أفريقيا حتى حزيران/يونيو عام  1994، ومسؤولا عن بعثة المراقبين التي أشرفت على أول انتخابات ديمقراطية بعد القضاء على نظام التمييز العنصري، التي أفضت إلى تولي نيلسون مانديلا الحكم، بعد ذلك، ينتقل الإبراهيمي إلى ملفات شائكة وحساسة أخرى، إذ اختير مبعوثا خاصا إلى اليمن وزائير وهايتي في الفترة الممتدة بين عامي 1994 و1996.

سلك الإبراهيمي طريقا وعرا إلى حل صراعات معقدة فقد عين  بين عامي 1997 و1999 مبعوثا لأول مرة إلى أفغانستان التي كانت خارجة لتوها من السيطرة السوفيتية قبل أن يعود إليها في عهد حركة طالبان عقب أحداث أيلول/سبتمبر عام  2001 ليجد مهمته هذه المرة أكثر تعقيدا وتشابكا.
وتمتع بين عامي 2001 و 2004 بسلطة تامة على الجهود السياسية والإنسانية وإعادة الإعمار التي قامت بها الأمم المتحدة في أفغانستان البلد الذي أنهكته الحروب.

وأوكلت إليه مراجعة عمليات حفظ السلام في العالم انطلاقا من كونه مساعدا للأمين العام للمهمات الخاصة  في عام 2004 فاختير مبعوثا خاصا لكوفي أنان إلى العراق في الفترة الانتقالية التي تلت حرب عام 2003 وسقوط بغداد بأيدي القوات الأميركية.

لكن الأزمة التي تركت ندوبا في  مسيرته السياسية  كانت الأزمة السورية، محاولا إيجاد حل للأزمة السورية التي راح ضحيتها نحو 150 ألف شخص، وقد سعى الإبراهيمي عبر مفاوضات شاقة لجمع ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة في مؤتمرين اثنين عرفا باسم "جنيف1" و"جنيف2" وكان الإبراهيمي قد تعرض لانتقادات عدية من الحكومة السورية تحت بند "تجاوز مهمته" .

لكن الإبراهيمي يرد ذلك بان المعضلة الحقيقية في الأزمة السورية تكمن في "أن الحكومة السورية تعتبر أن هناك مؤامرة كونية ضدها وتشير إلى وجود إرهابيين، في حين أن المعارضين بأطيافهم يعتبرون أن النظام فقد شرعيته ولابد أن يرحل وان ما يحدث هو ثورة شعبية وجزء من الربيع العربي".

وتحت وابل من القصف الإعلامي قدم الإبراهيمي استقالته من منصبه الذي يغادره فعليا في نهاية أيار/مايو الحالي.

ورغم أن الإبراهيمي لم يقل الكثير حول استقالته إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أشار إلى أن الإبراهيمي لم يتلق الكثير من العون في مهمته، وأنه واجه الكثير من الصعوبات، مضيفا إلى أنه يعمل على إيجاد بديل له في أقرب وقت ممكن. 

ويتكهن كثيرون بأن يتولى الإبراهيمي منصب رئيس لجنة المشاورات السياسية في الجزائر المزمع أن يتم تعيينها من طرف الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في الأيام القليلة القادمة، كأول محطة من ورشة الإصلاحات التي تعهد بالقيام بها، بعد أن أوكل رئاسة الحكومة إلى مدير حملته الانتخابية عبد المالك سلال.

السمعة العالمية التي يتمتع بها وشبكة العلاقات الدولية التي استطاع أن ينسجها عبر مسيرته الطويلة من خلال مهامه المختلفة سواء في الخارجية الجزائرية أو لدى هيئة الأمم المتحدة تصب في صالح الإبراهيمي  وتخدم بوتفليقة أكثر. 

وعلى الجانب المقابل فقد كشف مقرّبون من رئيس حزب "المبادرة الوطنية الدستورية" التونسي، كمال مرجان، عن تلقّي مرجان عرضاً لخلافة الإبراهيمي، وأكدوا أنّ العرض جاء من بان كي مون.

ولم ينفِ مرجان وجود عرض لخلافة الإبراهيمي، لكنه أكد أنه "من بين مرشحين آخرين"، وأنّه لم يحسم أمره بالعودة إلى الأمم المتحدة التي عمل فيها منذ 1977 إلى عام 2005، عندما عاد إلى بلاده لتولّي وزارة الدفاع. وكان مرجان قد شغل، أيضاً، منصب وزارة الخارجية في حكومة محمد الغنوشي الأولى عام 2011 ، لكنه استقال بعد ضغط شعبي، باعتباره من وزراء الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وسرت شائعات في تونس، قبل سقوط النظام، عن خلافة مرجان لبن علي بدعم دولي وخاصة أميركي، إذ يصنّف الرجل على أنه رجل واشنطن في تونس.

فهل كان الإبراهيمي رجل واشنطن الذي يترك مكانه لرجل واشنطن الأخر ليكمل "المهمة المستحيلة " وليقف هو الأخر أمام "جدار من الطوب"؟! الإبراهيمي يريد مساعدة بوتفليقة الذي يبدو أنه سيكون واجهة إعلامية للسنوات الأربع المقبلة ومن خلفه الإبراهيمي والعسكر. 

وتبقى لعبة تقاسم الأدوار هي الحكم في مباراة كونية لا نهاية لها.
التعليقات (0)