ملفات وتقارير

ندوة في لندن: ضغوط خارجية وراء لجنة مراجعة الإخوان

من اليمين: مها عزام - أنس التكريتي - اللورد ماكدونالد - منى القزاز. والصورة قبل انضمام أوبورن للندوة (عربي21)
من اليمين: مها عزام - أنس التكريتي - اللورد ماكدونالد - منى القزاز. والصورة قبل انضمام أوبورن للندوة (عربي21)

أجمع مشاركون في ندوة أقيمت في لندن لمناقشة قرار الحكومة البريطانية بإجراء مراجعة حول أنشطة الإخوان المسلمين في بريطانيا؛ على أن القرار اتخذ استجابة لضغوط خارجية، محذرين من "الرسائل الخاطئة" التي يرسلها الإعلان عن هذه المراجعة، وخصوصا أنها قد تعطي ذريعة للسلطة الحاكمة في المنطقة لتعزيز قمعها تجاه الجماعة ومؤيديها.

وشارك في الندوة التي نظمتها "مؤسسة قرطبة"؛ مجموعة شخصيات، بينها اللورد البريطاني كين ماكدونالد، والصحفي في جريدة الديلي تلغراف بيتر أوبورن.

وكان رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون قد أعلن مطلع نيسان/ أبريل الماضي عن تشكيل لجنة لمراجعة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، وذلك بعد قرار السلطات الحاكمة في مصر والسعودية والإمارات بإعلانها "جماعة إرهابية".

وهدفت الندوة التي أقيمت مساء الأربعاء؛ إلى طرح أسئلة من قبيل ما إذا كانت هذه المراجعة تشكل تهديدا للحريات في بريطانيا، وما إذا كانت تصب في صالح الانتهاكات لحقوق الإنسان في الخارج. كما حاولت الندوة بحث ما إذا كان قرار كاميرون هو نتيجة ضغوط من "أنظمة غير ديمقراطية" في الخارج.

وقال رئيس مؤسسة قرطبة أنس التكريتي إن أحد الجوانب التي تعطي أهمية لمناقشة قرار المراجعة هو "الإعلان - بحد ذاته - عن المراجعة دون أن تكون هناك أية معلومات" تدعو لهذا الإجراء. وقال إن من الضروري مناقشة مستقبل هذه المراجعة وما يتوقع أن يصدر عنها.

اللورد ماكدونالد:

وأشار اللورد ماكدونالد من جهته؛ إلى أن رئاسة لجنة المراجعة أسندت إلى جون جينكنز سفير بريطانيا في السعودية "المعروف موقفها من الإخوان المسلمين"، موضحا أنه يفترض أن يقدم تقرير بنتائج المراجعة إلى كاميرون بحلول نهاية تموز/ يوليو القادم.

لكن اللورد ماكدونالد، وهو مدير سابق لمكتب الادعاء العام في بريطانيا، سارع إلى استبعاد وجود أي صلة للإخوان المسلمين بالعنف، وقال إنه "سيكون متفاجئا" لو ظهر عكس ذلك، لافتا إلى أن الإخوان وحزب الحرية والعدالة المنبثق عنهم شاركوا في العملية السياسية وصولا إلى فوز محمد مرسي كأول رئيس مدني منتخب في مصر.

 وأشار في المقابل إلى "الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب في مصر"، وإلى حالات الاعتقال والتعذيب وأحكام الإعدام في مصر بعد الانقلاب، مؤكدا أنه تجب إحالة هذه الجرائم المرتكبة من قبل "نظام (المشير عبد الفتاح) السيسي" إلى محكمة الجنايات الدولية، وأن على الحكومة البريطانية أن تأخذ هذه الجرائم بعين الاعتبار.

وأوضح اللورد ماكدونالد أن الحكومة البريطانية تحرض على القول بأنها تسعى لإجراء "مراجعة" وليس "تحقيقا" تجاه أنشطة الإخوان المسلمين في بريطانيا، وأن الأمر يتعلق بالإخوان المسلمين بشكل عام وليس بمصر فقط، قائلا إنه أمر طبيعي لإعادة تقييم سياسات الحكومة. لكنه أشار في الوقت ذته إلى أن "فكرة هذه المراجعة ما تزال غامضة"، رغم إشارته إلى التأثير الخارجي في هذه المسألة، لا سيما من قبل السعودية التي "ترتبط مع بريطانيا بعلاقات تجارية هامة".

واتفق اللورد ماكدونالد مع طرح من أحد الحضور، معتبرا أنه يفترض بالفعل وجود أرشيف لدى الحكومة البريطانية عن جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي من المفترض أنها تعرف تاريخها وأنشطتها، لكنه رأي في نفس الوقت أن "الإخوان ليس لديهم ما يخفونه"، معبرا عن ثقته بأنهم سيتعاونون مع اللجنة المكلفة بالمراجعة.

ورأى اللورد ماكدونالد أن المراجعة يجب أن تراعي ثلاث نقاط: الأولى أن "بريطانيا لديها تاريخ طويل في منح اللجوء السياسي"، والثانية أن "الإخوان المسلمين التزموا بمبدأ العمل السياسي السلمي"، والثالثة أن بريطانيا التزمت بحماية مبادئ من قبيل حرية العمل السياسي والديمقراطية حول العالم.

ونبه اللورد ماكدونالد إلى أن على الحكومة البريطانية أن "تنظر للمستقبل" وهي تتخذ قرارات تتماشى مع رغبات حكومات إقليمية، وألا تبني فقط على "اللحظة الراهنة"، مذكرا بأنه قبل الربيع العربي لم تستطع الأجهزة الغربية توقع مع جرى، وبالتالي فإنه من الممكن "أن تتبدل الأوضاع في السعودية أو مصر في أي لحظة".

بيتر أوبورن:

أما أوبورن الذي انطلق بالتذكير باعتقال الصحفيين في مصر بعد الانقلاب معتبرا أن ذلك يشوه "سمعة مصر"، فقد تحدث بسخرية عن عن تكليف السفير البريطاني في السعودية بإجراء المراجعة، معتبرا أن ذلك دليل على دور السعودية ودول خليجية أخرى في الضغط لإجراء هذه المراجعة.

وفسّر أوبورن الضغوط الخليجية على بريطانيا بأن دول الخليج تشعر بالخطر من الإخوان، بالنظر إلى "طبيعة أنظمة الحكم غير الديمقراطية" في هذه الدولة.

وخلص أوبورن إلى أن قرار كاميرون بإجراء المراجعة "لا يستند إلى مخاوف داخلية (بريطانية)، بل إلى الضغوط الخارجية"، وهي الخلاصة التي أجمع عليها الضيوف الأربعة في الندوة.

لكن أوبورن رأى في ذات السياق؛ أن هناك إشكالية في الفهم والتواصل بين القوى السياسية الرئيسية في بريطانيا والمنظمات الإسلامية الكبرى.

المتحدثة باسم الإخوان:

وكانت المتحدثة باسم الإخوان المسلمين في بريطانيا منى القزاز قد قدمت عرضا في بداية الندوة عن جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتها، منذ تأسيسها وحتى فوزها بالانتخابات ووصولها إلى الحكم بعد ثورة يناير في مصر.

وقالت القزاز إن الديمقراطية بالنسبة للإخوان المسلمين "ليست تكتيكا"، بل "مبدأ وفكرة". وشددت القزاز على تمسك الجماعة بالسلمية ورفض العنف، مستذكرة مقولة المرشد العام للجماعة محمد بديع: "سلميتنا أقوى من الرصاص". واتهمت في المقابل سلطات الانقلاب بممارسة القمع "ليس ضد الإسلاميين فحسب، بل ضد غيرهم أيضا". و"هذا العنف من جانب السيسي يهدف إلى تحقيق أجندته السياسية"، كما قالت القزاز.

ووالد القزاز وشقيقها معتقلان في مصر منذ الانقلاب، وهي تعتقد أن والدها اعتقل بسبب نشاط ابنته في بريطانيا.

ولفتت القزاز، ردا على سؤال من جانب الحضور، إلى أن الإخوان المسلمين كان لهم تواصل مع الحكومات الغربية، وقالت إن قيادات إخوانية التقت مسؤولين بريطانيين قبل أربعة أيام من الانقلاب في مصر.

كما أكدت القزاز أن الإخوان المسلمين لعبوا دورا في عملية السلام في المنطقة، مشيرة إلى أن الرئيس محمد مرسي عمل على تثبيت وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أعلنت حكومته التزامها بجميع معاهدات السلام الموقعة مع إسرائيل.

مها عزام:

من جهتها، قالت الباحثة المصرية مها عزام، المتخصصة في قضايا "الإسلام السياسي"، إن "هناك مساعي من جانب السلطات المصرية والحكومات الخليجية لتجريم الإخوان المسلمين"، لكنها قالت إن الإخوان "سيكونون سعداء على الأرجح للتعاون مع لجنة المراجعة لأن ليس لديهم ما يخفونه".

ومها عزام هي رئيسة منظمة "مصريون أجل الديمقراطية - الممكلة المتحدة"، ونائبة رئيس "التحالف الدولي للمصرين في الخارج".

وقالت عزام إن بريطانيا التي "أعلنت دعمها للربيع العربي والتحول الديمقراطي (..) ليست مضطرة لتطبيع علاقاتها مع حكومات غير ديمقراطية". وبينما أشارت إلى أن هناك "موازنة بين المصالح والقيم"، أضافت أن "الناس في بريطانيا تريد أن ترى هتماما بالقيم الديمقراطية".

ولفتت عزام إلى أن المصالح الغربية لم تتعرض للخطر خلال حكم مرسي، مشيرة على سبيل المثال إلى الملاحة في قناة السويس. لكن في المقابل، "هناك عدم استقرار وتوجه نحو الحكم العسكري الآن".

وأوضحت عزام أنه "من الضروري توجيه رسالة إلى الحكم الجديد في مصر بأنه ليس لديه الشرعية من الشعب المصري، وأنه ليس لديه الشرعية من المجتمع الدولي أيضا".

وقالت عزام إنه "ليس هناك ما يبرر إطلاق مراجعة تجاه الإخوان المسلمين لأنهم لم يتورطوا في أي عنف". واعتبرت أن القرار البريطاني "يسيء لسمعة الإخوان في المجتمع البريطاني"، كما يرسل رسالة خاطئة هي بمثابة "حصانة لقمع الإخوان في المنطقة العربية".

وقالت إن من يقفون وراء قرار المراجعة هم "مجموعة صغيرة مرتبطين بالعسكر في مصر، مستغلين المخاوف من الإسلام"، معتبرة أن الحكومة البريطانية تستمع للسفارة المصرية في لندن. ونبهت إلى أن تطبيع العلاقات مع حكم العسكر في مصر يعني تقييد أنشطة الإخوان في بريطانيا.

ودعت عزام إلى "رفع الصوت من المنظمات الحقوقية والسياسية بألا تكون الحكومة البريطانية والديمقراطية أداة للضغط على الإخوان الذين أعلنوا تمسكهم بالعملية السياسية والابتعاد عن العنف، وفي نفس الوقت التقارب مع حكومة العسكر".

وأكدت عزام من جهة أخرى؛ أن "سنة واحدة من حكم الرئيس محمد مرسي ليست كافية للحكم على الإخوان المسلمين"، مشيرة في الآن ذاته إلى أن "هناك أسئلة أمام جميع الأطراف، بمن فيهم الإسلاميون والعلمانيون الليبراليون، للإجابة عليها". وقالت إن على "جميع هذه الأطراف أن تقرر ما إذا كانت تريد الديمقراطية أو العودة للديكتاتورية".

وشككت عزام بالأرقام التي طرحها مؤيدو الانقلاب عن أعداد المتظاهرين الذي خرجوا ضد مرسي قبل الانقلاب، ووصفتها بأنها "مفبركة". ورأت أن عدد المتظاهرين لا يتجاوز المليونين بالمجمل.

وحاولت عزام بناء مقارنة بين سلوكيات الإخوان المسلمين في ظل "الديكتاتورية" وخلال فترة التحول الديمقراطي، وقالت إنهم على الدوام رفضوا الديكتاتورية والحكم الديني. واستغربت توجيه اتهامات للجماعة بــ"الانفصال عن المجتمع والتحالف مع الخارج"، رغم أنها "منذ تأسيسها مرتبطة بالمجتمع"، حسب تقديرها.

وقالت عزام إن الإخوان المسلمين "عندما بدأ الربيع العربي شاركوا في الثورات، وأسسوا بعد سقوط حسني مبارك حزبا سياسيا، وانخرطوا في اللعبة الديمقراطية"، مضيفة: "حل الإخوان في المقدمة في جميع الانتخابات التي خاضوها وصولا إلى فوز محمد مرسي بالرئاسة".

وتابعت: "كانت هناك اتهامات عن سعي الإخوان للانفراد بالسلطة وتجاوز الديمقراطية، لكن تبين أن ذلك لم يكن صحيحا، والآن نحن نعود للحكم العسكري". وقالت: "نرى الآن رجلا عسكريا قويا يريد أن يقفز للسلطة ويُفشل العملية الديمقراطية". وشددت على أن "المواجهة الآن هي السلطوية والديمقراطية، وليس بين الديمقراطية والإخوان".

وأشارت عزام إلى أن "الإخوان المسلمين تمسكوا بالسلمية ولم يسعوا لتجاوز الآليات الديمقراطية والاحتجاج السلمي رغم تعرضهم للقمع والمجازر والمطاردة". وأضافت: "بالنظر إلى حالة الإخوان في السلطة أو تحت الديكتاتورية.. في الحالتين ظلوا سلميين ورافضين للعنف".

كما أكدت مها عزام أن الإخوان خلال فترة حكمهم "لم يسعوا إلى تصدير قيمهم أو تصدير الثورة" إلى الدول الأخرى. ومع ذلك فإن هناك "حكومات في المنطقة تسعى لوأد الديمقراطية".

وأوضحت عزام أن حكومة مرسي أو أنصاره لم يكونوا فقط من الإسلاميين. ولفتت إلى أن وقوف جميع مؤسسات الدولة ضد مرسي والإخوان يكذب الاتهامات بأن مرسي "عين رجاله في هذه المؤسسات" و"أسلمة الدولة".

وقالت إن "هناك تحديات أمام كل الديمقراطيين في مصر، وليس فقط أمام مرسي أو الإخوان"، موضحة أن هذه التحديات تتمثل أساسا "في الفاسدين في الداخل وبعض الأطراف الإقليمية".

التكريتي:

وأوضح التكريتي من جهته؛ أن قضية جماعة الإخوان في مصر هي "القضية المحورية" الآن، بالنظر إلى أن نظيراتها في الدول الأخرى، مثل حركة النهضة في تونس، "ما زالت أوضاعها معقولة".

وقالت التكريتي إن مؤسسته تسعى لمساعدة المؤسسات البريطانية على الفهم وأن تكون أكثر قدرة على "التعامل مع المتغيرات في المنطقة" العربية.

وتحدث التكريتي عن المراجعة البريطانية بشأن أنشطة الإخوان، وقال إن "الانطباعات التي أعطاها إعلان المراجعة خطيرة". وأضاف: "هناك إشكالية تواجه القيم الديمقراطية.. الآن التحقيق يستهدف الضحية".

وألمح التكريتي إلى أن إطلاق مراجعة تجاه الإخوان المسلمين يعني اعترافا بالانقلاب في مصر. وقال: "هناك مشكلة في التعاطي السياسي (..) القبول بالانقلاب على رئيس منتخب يعني أن القوة على حق وليس السياسة أو الديمقراطية".

وذكّر التكريتي بالتجربة الجزائرية، حيث عانت البلاد من حرب أهلية لعشر سنوات؛ بعد إلغاء الجيش لنتائج الانتخابات التي فازت فيها جبهة الإنقاذ في التسعينيات من القرن الماضي. كما أشار إلى الحصار الذي تعرض له الفلسطينيون بعد انتخاب حركة حماس. ورأى أن الأمر ذاته يتكرر الآن في مصر بعد فوز الإخوان. وتساءل": هل هناك تحد بين الديمقراطية الغربية والديمقراطية في المنطقة العربية؟".

ورأى التكريتي أن "الإسلاميين ينخرطون في العملية الديمقراطية ويفوزون، ولا يمكن إقصاؤهم". وحذر من أن محاولات إقصائهم سيرسل رسالة "خطيرة"، وهو أن "العمل السياسي لا يفيدـ وأن الصحيح هو منهج القاعدة والعمل المسلح".

وقال التكريتي إن "كثيرا من قادة الإخوان قبل الربيع العربي عاشوا أو نشأوا في بريطانيا، ولم يكونوا موضع سؤال أو تحقيق في أي مرحلة من المراحل".

من جهته، قال عضو في الفريق القانوني الدولي للإخوان المسلمين إنه "ليست هناك خشية من المراجعة بحد ذاتها، ولكن نراقب أي سلوك أو منحى غير سليم في العملية، ولذلك كلّف الإخوان فريقا قانونيا" بالمتابعة. وأوضح أن الإخوان قرروا "منذ البداية التعامل بشكل بانفتاح كامل مع المراجعة".


(صورة خاصة - عربي 21)
التعليقات (0)