كتاب عربي 21

الانتفاضة التى يكرهها أبو مازن

محمد سيف الدولة
1300x600
1300x600
قال أبو مازن، أن الانتفاضة كانت كارثة دمرت الشعب الفلسطيني، وأنه لن يسمح بانتفاضة أخرى، ونحن نذكره بأن الانتفاضة التي يكرهها كل هذا الكره، هي التي أنقذت الأمة وأعادت إليها الثقة.

***

أتحدت بالطبع عن الانتفاضة التي تفجرت في فلسطين في 28 سبتمبر 2000 بعد اقتحام شارون للمسجد الأقصى، والتي استمرت عدة سنوات سقط خلالها 4000 شهيد، و40 ألف جريح فلسطيني، وأوقعت بإسرائيل خسائر جسيمة بلغت أكثر من 1000 قتيل و4000 جريح.

لقد أعادت هذه الانتفاضة المباركة الروح إلى الأمة كلها، فلقد جاءت بعد 10 سنوات عجاف، كاد اليأس أن يتسرب إلى نفوسنا بأنه لا قبل لنا بأعدائنا:

• ففي 1991 كان الأمريكان وحلفاءهم قد قاموا باحتلال الخليج العربي فيما سمى بحرب تحرير الكويت بمشاركة بعض الأنظمة العربية مثل مصر وسوريا والسعودية وقطر والإمارات والمغرب، وحاصروا الشعب العراقي 10 سنوات.

• كما كانت موازين القوى الدولية قد اختلت بشدة لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 وانفراد الأمريكان بنا وبالعالم كله، وما زاد الطين بلة هو هجرة مليون يهودي سوفيتي إلى فلسطين.

• هذا بالإضافة إلى ما حدث في 1993 حين وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو التي اعترفت فيها بإسرائيل وتنازلت عن حقها في 78 % من ارض فلسطين، وألقت سلاحها وتنازلت عن حقها في المقاومة وسط مباركة عربية رسمية تقودها مصر والسعودية بأوامر أمريكية.

• وبدأت حملات التحطيم المعنوي والتسفيه والتشهير والسخرية والشماتة من كل أولئك الذين رفضوا نهج كامب ديفيد والاعتراف بإسرائيل ورفضوا الاستسلام للأمريكان والتحالف معهم.

• وظهر الأمر حينها وكأن قوى الشر والاستعمار والعدوان قد انتصرت إلى غير رجعة.

• وانعكس ذلك على آلاف مؤلفة من شباب وكوادر وقيادات القوى الوطنية المصرية والعربية، فانهار بعضها واستسلم وانسحب من الحياة السياسية، وغير البعض الآخر ولاءه وانتماءه ونشاطه وتخلى عن المشروع الوطني الثوري، وشاع الحديث على نهاية الصراع العربي الصهيوني وانتصار إسرائيل وسيادة الولايات المتحدة واستحالة مواجهتهما، وتم عزل وحصار ومطاردة الصامدين المؤمنين والمتمسكين بشرعية التحرير والمقاومة وحتمية النصر، واتُهِموا بالإرهاب والتطرف وعدم الواقعية.

***

في هذه الأجواء البائسة تفجرت انتفاضة الأقصى كطوق نجاة انتشل الجميع من مستنقعات اليأس والإحباط والهزيمة والمهانة والاستسلام، فأعادت الروح إلى الأمة فأحيتها من جديد، خاصة وإنها قد جاءت بعد شهور قليلة من نجاح المقاومة اللبنانية في مايو 2000 في الانتصار على العدو الصهيوني، وإجباره على الانسحاب من لبنان بعد 18 عاما من الاحتلال.

لقد تمكنت انتفاضة الأقصى من ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية، فلقد ألهمت بطولاتها وعملياتها الاستشهادية وانتصاراتها الشعوب العربية، وأعادت ثقتها في أن اللامة لم تمت ولا يمكن أن تموت، كما أعادت الحياة إلى مشروع النضال والمقاومة، وحتمية مواجهة الهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني.

وسرعان ما تشكلت في العالم العربي حملات تضامن شعبية واسعة لنصرة فلسطين، وتراجع في لمح البصر خطاب التسوية والصلح مع إسرائيل، وانقلب السحر على الساحر وانعزل كل أصدقاء إسرائيل من المستسلمين والمطبعين.

وفى مصر تشكلت عشرات اللجان الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ضمت في صفوفها آلاف المصريين من كافة التيارات السياسية الذين نجحوا جنبا إلى جنب في تشكيل رأى عام شعبي قوى ضد إسرائيل يطالب بقطع العلاقات معها وطرد سفيرها وإلغاء كامب ديفيد، وانتشرت حملات التبرعات وقوافل الإغاثة، ونجحت هذه الحالة الثورية في تنظيم أكبر وأنجح حملات شعبية عربية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية منذ زمن طويل، مما أعاد للجميع الثقة في النفس وفى الناس وفى جدوى النضال والدأب والمثابرة، وأعاد إليهم الإيمان بعدالة قضيتهم وصحة مواقفهم، وبإمكانية النجاح والتقدم والانتصار وكسر كل القيود.

ومن هذه الروح التي بثتها انتفاضة الأقصى توالت وتولدت حركات وطنية متتالية ضد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 ثم ضد العدوان الصهيوني على لبنان 2006 وعلى فلسطين 2008/2009، ورويدا رويدا انتقلت هذه الحركات لمواجهة أنظمتها الحاكمة التي سكتت أو تواطأت مع الاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية بالإضافة إلى كل جرائمها الداخلية في مواجهة شعوبها، إلى أن تفجرت ثورات الربيع العربي بشرارة انطلقت من تونس الشقيقة ولحقتها مصر لتسقطا حكامهما المستبدين التابعين ولا تزال المعركة مستمرة....

***
وفى النهاية سيسجل التاريخ أن انتفاضة الأقصى المباركة كانت واحدة من اهم حلقات النضال الشعبي العربي في العصر الحديث، وانه كان لها دورا وتأثيرا كبيرا في إعداد الأرض المناسبة والظروف التي مهدت للثورات العربية فيما بعد.
ولكن الأهم من ذلك أنها أكدت حقيقة موضوعية يجب ألا تغيب عنا أبدا وهى أنه مهما اختلت موازين القوى وتصورت قوى البغي والعدوان أنها بلغت ذروة القوة والسيطرة والانتصار، فان النصر النهائي دائما ما يأتي به نضال الشعوب، وليس الخوف والتنازل والاستسلام والتنسيق مع العدو.

*****

القاهرة في 29 يونيو 2014

[email protected]
التعليقات (0)