سياسة عربية

رسالة من غزة بقلم الطبيب النرويجي مادز غيلبيرت

يعمل غيلبيرت متطوعا في مستشفى الشفاء في قطاع غزة - أرشيفية
يعمل غيلبيرت متطوعا في مستشفى الشفاء في قطاع غزة - أرشيفية
نشر موقع "ميديل إيست مونيتور" البريطاني رسالة من الطبيب النرويجي مادز فريدريك غيلبيرت بعث بها من غزة إلى أصدقائه.

يذكر أن غيلبيرت من مواليد عام 1947وناشط في الحزب الثوري الاشتراكي. حصل على الدكتوراه في الطب من جامعة أيوا، وهم متخصص في التخدير وفي طب الطوارئ. انخرط منذ عام 1970 في الحراك المتضامن مع الفلسطينيين، وقضى فترات طويلة يعمل متطوعاً في مخيمات اللاجئين في لبنان وفي المناطق المحتلة، والآن يعمل متطوعاً في مستشفى الشفاء في قطاع غزة. 

نص الرسالة: 

أصدقائي الأعزاء

كانت الليلة الماضية عسيرة جداً. نجم "الغزو الأرضي" لغزة عن إصابة المئات كانت تأتي بهم السيارات محملين بعضهم فوق بعض، وقد تقطعت أوصال بعضهم ونزف البعض الآخر بغزارة وقضى بعضهم نحبه. رأينا في هذه الليلة كل أنواع الإصابات في كل الأعمار، وكلهم فلسطينيون مدنيون، كلهم أبرياء. 

الأبطال من طواقم الإسعاف والطواقم الطبية في جميع مستشفيات غزة يعملون على مدار الساعة في نوبات تستمر بلا توقف ما بين 12 إلى 24 ساعة، شابت رؤوسهم مما يرون من أهوال وبسبب الإجهاد والظروف غير الإنسانية التي يضطرون للقيام بمهامهم فيها، وذلك رغم أنهم في مستشفى الشفاء لم يتلقوا رواتبهم منذ أربعة أشهر، ومع ذلك، يعملون بكل إخلاص وتفان، ويجهدون في محاولة لفهم ما لا يفهم من فوضى الأبدان الممزقة، والأعضاء المبتورة، والبشر ممن يمشون ومن لا يمشون، من يتنفسون ومن لا يتنفسون، من ينزفون ومن لا ينزفون، نعم، كلهم بشر. 

والآن، يعامل هؤلاء تارة أخرى كما لو كانوا حيوانات من قبل "أكثر جيوش الأرض أخلاقاً!"

أنحني احتراماً للجرحى، وأنا أراهم يبدون عزماً وثباتاً أسطورياً رغم الألم الشديد، ورغم المعاناة، ورغم الصدمات. وأنحني احتراماً وإعجاباً بطواقم العاملين والمتطوعين. قربي من الصمود الفلسطيني يمنحني القوة، مع أنني ينتابني شعور عابر من حين لآخر بالرغبة في الصراخ بأعلى صوتي، بأن أعانق شخصاً ما بحرارة، بأن أنتحب، أشتم رائحة جلد وشعر الطفل الدافئ المدرج بدمائه، لعلي أحمي أنفسنا عبر ضمة لا تنتهي، ولكن لا نملك فعل ذلك، ولا يملكون. 

وجوه رمادية مغبرة، يا إلهي، لا، ليس من جديد. حمولة أخرى من العشرات من المصابين والنازفين، مازلنا نشق عباب بحيرات من الدم باتت تغطي أرض قسم الطوارئ، وهنا كومة من المستلزمات الطبية ولفائف الشاش التي تقطر دماً تنتظر تنظيف المكان منها. نعم، عمال النظافة في كل مكان، يعملون بجد وسرعة للتخلص من الدماء المسفوحة والأنسجة والشعر والملابس وأنابيب الحقن الوريدي المستخدمة، إنها فضلات الموت، وكلها بحاجة لأن تنقل من ههنا، حتى نتجهز من جديد، ونعيد الكرة من جديد. وصلنا في مستشفى الشفاء أكثر من مائة حالة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ما يكفي لشغل مستشفى جيد الإعداد جيد التجهيز والتدريب. ولكن هنا … لا شيء من ذلك تقريباً: فلا كهرباء، ولا ماء، ولا مستلزمات طبية، ولا عقاقير، ولا شرائط لاصقة، ولا معدات، ولا شاشات. كل ما هنا علاه الصدأ كما لو كان وارداً من متاحف مستشفيات الأمس البعيد. ولكنهم، مع ذلك لا يشكون، إنهم أبطال بحق. يقومون بمهامهم رغم كل شيء، بعزيمة وتصميم خارق للعادة. 

بينما أكتب هذه الكلمات، وحيداً مستلقيا على سرير، وتنهمر من عيني الدموع، أسمع رشقات مدافع الزوارق الحربية المتربصة بنا على مسافة قصيرة من الشاطئ، وأسمع هدير طائرات الإف 16 وأزيز الطائرات الكريهة من غير طيار والتي يسمونها هنا الزنانات، وأصوات عموديات الأباتشي، وكلها من صنع وتمويل الولايات المتحدة الأمريكية. 

السيد أوباما، هل لك قلب؟

أدعوك لأن تأتي وتقضي ليلة واحدة، فقط ليلة واحدة، معنا في الشفاء، ربما متخف على شكل عامل تنظيف. 

أنا متأكد مائة بالمائة أن ذلك لو حصل فهو كفيل بتغير مجرى التاريخ

لا أحد يملك قلباً وسلطة بإمكانه أن يغادر بعد قضاء ليلة في مستشفى الشفاء دون أن تتوفر لديه العزيمة على وضع حد للمذابح التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. 

إلا أن من لا قلوب لهم ومن لا يعرفون إلى الرحمة طريقاً حسبوا حساباتهم وخططوا لهجوم "ضاحية" جديد على غزة. 

ستستمر أنهار الدم في التدفق في القادم من الليالي، فأنا أسمعهم يشحذون أدوات القتل والدمار. 

أرجوكم، افعلوا ما تستطيعون، لا يجوز لهذا الحال أن يستمر

مادز غيلبرت 
أستاذ في الطب ورئيس قسم الطوارئ الطبية
مستشفى جامعة شمال النرويج
التعليقات (2)
ن
السبت، 10-10-2015 11:38 م
إنَّا لله وإنا إليه راجعون. اللهم اهدِ هذا الطبيب ، وانصر عبادك
د. محمود الزهيري
الأربعاء، 23-07-2014 11:51 ص
إلي الانسان الشريف د. مادز غيلبرت آرجو وأتشرف آن اتتقبل مني خالص إمتناني لأشرف معاني الانسانية التي تمثلها