كتاب عربي 21

كليبتوكرات أفريقيا واشتماليو العرب

جعفر عباس
1300x600
1300x600
إذا كنت عربيا – إفريقيا فهذا ابتلاء عظيم، ولو جاز التعبير لأستحققت لقب "الشهيد الحي"، ويشكو العرب من فساد وبطش الحكام وانعدام الحريات، ولكنهم لو رأوا حال شخص مزدوج الولاء مثلي، وأفريقيته ثابتة ومتأصلة فيه كلون بشرته، لهان عليهم مصابهم، وقالوا: والله نحن في نعمة، وطبعا لا تصدر مقولة كتلك عن عربي، ما لم يكن عاجزا عن التمييز بين النعمة والنقمة، والقمح والقمع، ومع هذا فإن مصابنا كأفارقة جسيم وعظيم وأليم، وأمل مسلمي أفارقة في دخول الجنة كبير بإذنه تعالى لأنه لا يعذب عبده مرتين.

ولعل أقوى دليل على أن الأفريقي يفضل الموت على العيش في بلاده، ما نراه ونسمعه يوميا عن غرقهم بالمئات في البحر المتوسط خلال محاولات التسلل إلى أوروبا، وينجح البعض في الحصول على حق العيش في دولة أوربية، ويكتشف أن أهلها ينفرون منه، وكأنما كل أفريقي حامل لفيروس الإيبولا، وكأنما كل أسود مجرم أو مشروع مجرم، ومع هذا فإن التمييز الذي يعاني منه الأفريقي في أوربا أهون على قلبه من أن يعيش ذليلا ومهانا في وطنه.

قبل أيام وصل العديد من تنابلة أفريقيا إلى واشنطن، لعقد سلسلة من الاجتماعات مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأطلقوا على تلك الاجتماعات مسمى "القمة"، وهذه قمة البجاحة والوقاحة، فكون أوباما أسود البشرة، لا يعطي أولئك التنابلة حق رفع التكليف معه وأن يجعلوا رؤوسهم برأسه، وتستطيع أن تلعن خاش أوباما بكل اللغات بسبب سياساته الخارجية أو الداخلية، ولكنه ليس "حراميا"، وراتبه الشهري ومخصصاته معلومة، ولم يصل إلى كرسي الحكم متسللا بليل، أو فوق جماجم مواطنيه.

وعلى مدى قرون استحدث خبراء العلوم السياسية مصطلحات تصف أنظمة الحكم مثل التكنوقراطية و الديمقراطية والأوتوقراطية والأوليغاركية، ولكنهم  فوجئوا بأن العرب استحدثوا أساليب عجيبة للحكم تأخذ من الأنظمة المتعارف عليها أسوأ ما فيها، وحاروا في أمر تسميتها فأتاح لي ذلك أن أسهم في الفكر السياسي، بطرح مصطلح دقيق يصف معظم أنظمة الحكم العربي ألا وهو "الاشتمالية"، وهو كما شرحت مرارا خلطة تفوق خلطات "أبله نظيرة" من حيث التعقيد، لأنها تجمع بين الاشتراكية (أملاكك بل وأسرتك مشتركة بينك وبين الحكومة) والرأسمالية الشرسة، أما طبقة البشاميل التي تجعل النقيضين متماسكين فهي الشمولية.

أما بالنسبة لأفريقيا فلم يجد علماء السياسة صعوبة في تسمية أنظمة الحكم فيها، وجاءوا بكلمة كليبتوكراسي، والكليبتومانيا اضطراب نفسي يجعل المصاب به يسرق أشياء لا حاجة له بها، أو هو قادر على شراء أطنان منها دون أن يصاب جيبه بثقب، والكليبتوكرات هو الحاكم الحرامي.

ومن الممارسات المألوفة في أفريقيا أن تكون مع رئيس الدولة وحرمه أو حريمه، نسخ من مفاتيح خزائن البنك المركزي، أما الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، فقد تفوق على نظرائه الأفارقة بأن أرسل قواته الى الكونغو الديمقراطية ل"حفظ السلام"، كما جاء في إعلان رسمي، بينما كان تكليفهم الرسمي السرقة، ونهب الجنود الأوغنديون من الكونغو، معادن وأخشاب ومنتجات زراعية وصناعية تناهز قيمتها عشرة مليار دولار، وأوغندا بحاجة إلى من يحفظ السلام فيها، لأن فيها تنظيما مسلحا إجراميا يحمل اسم "جيش الرب"، ظل يمارس التخريب والقتل الجماعي والحرق، لنحو عشرين سنة.

وبسبب بشاعة جرائم هذه العصابة التي يقودها جوزيف كوني، تدفقت المساعدات على أوغندا بما يعينها على القضاء عليها، ولكن بات من الواضح أن موسفيني "مصحصح" ويعرف أنه بمجرد القضاء على جيش الرب، ستتوقف حنفية المساعدات عن التنقيط، ويبدو أن شاويش اليمن المخلوع علي عبد الله صالح  تعلم الصحصحة من موسفيني، وظل على مدى سنوات يصرخ: ما لم تساعدونا على القضاء على القاعدة فإن أمن العرب والغرب في خطر، وانهمرت عليه الأموال والأسلحة، وجعل من فزاعة القاعدة وسيلة للتكسب، متمنيا لها (للقاعدة) دوام الازدهار في جنوب اليمن بعيدا عن  العاصمة صنعاء.

والشاهد أيها العرب الأماجد هو أنه لو رأينا مصاب غيرنا،لهانت علينا مصائبنا، ومن باب الانصاف أن نقول إن الحرامي العربي الرسمي يسرق – مثلا – 70% من مخصصات إنشاء مستشفى أو شارع أو جسر، أو يشيد تلك الأشياء بالكرتون المسلح، بينما نظيره الأفريقي يسرق الجسر أو الشارع "ذات نفسه"، وبعبارة أخرى فالاشتمالية أقل ضررا بنسبة 0.005% من الكليبتوكراسي.
التعليقات (1)
أبو أحمد إفريقي عربي
السبت، 09-08-2014 05:53 م
القال رائع لولا كلمة الكليبتوكراسي)) التي لم استطع قراءتها فضلاً عن كتابتها فاضررت لنسخها خشية الخطأ)) المشكلة كيف يمكن تطبيقها وهي بهذه الصعوبة في النطق و الكتابة؟؟