ملفات وتقارير

قصص معاناة لا تنتهي لنازحي الموصل

معاناة النازحين في مخيم "الخازر" على مشارف مدينة أربيل - أرشيفية
معاناة النازحين في مخيم "الخازر" على مشارف مدينة أربيل - أرشيفية
 يجاهد محمد النعيمي "أبو بلال" من أجل إنهاء يومه بشق الأنفس في مخيم "الخازر" للنازحين على مشارف مدينة أربيل العراقية، حيث اجتمعت عليه محنتي فقدان البصر، والعيش في خيمة ملتهبة جراء ارتفاع درجات الحرارة العالية، والعواصف الترابية التي تجتاح المنطقة طول فترة النهار، في حين يسهر حفيده على حمايته في الليل خوفاً من تعرضه للدغات الثعابين والعقارب التي تنتشر في هذا المكان.

وصل النعيمي إلى مخيم "الخازر" مجبرا بعد أن ترك حي الكرامة في مدينة الموصل بسبب سيطرة مسلحي "تنظيم الدولة" في العاشر من حزيران الماضي على أغلب محافظة نينوى، بصحبة زوجة ولده المعتقل في بغداد وحفيده البالغ عمره 6 سنوات والذي يقوم بمهام المرافق لجميع نشاطات جده اليومية.

ويبدأ النعيمي يومه في مخيم "الخازر" المحاذي لمدينة أربيل شمال العراق بالاصطفاف في طابور الحمامات، التي لا يزيد عددها عن 30 حمام في المخيم البالغ عدد ساكنيه ما يقارب الأربعة آلاف نازح، ولا يضطر النعيمي الانتظار طويلاً لأن أغلب الموجودين يقومون بتقديمه للأمام هو وغيره من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وأما إفطار أبو بلال فهو بسيط من بقايا أطعمة ادخروها في اليوم السابق، في حين تكون وجبتهم الأساسية هي التي توزع مرة واحدة في اليوم ولا تتعدى مكوناتها الرز والمرق وبعض أرغفة الخبز، كما أن تسليته الوحيدة هي الاستماع إلى المذياع أو الجلوس أمام الخيمة وأحياناً يقوده حفيده في جولة بين أرجاء المخيم ويغتنمها غالباً في المرور بالمستوصف الصحي من أجل السؤال عن علاجات لأمراضه العديدة والمزمنة.

يبذل النعيمي مجهودا كبيرا من أجل النوم الذي أصبح عزيزاً في هذا المكان ومتعب له ولحفيده الذي يقوم بواجب الحراسة لجده خوفاً من تعرضه للدغات الأفاعي والثعابين التي تنتشر على أطراف المخيم في حين أصبح أمر الجرذان معتاد ولا يدعو للقلق.

ولا تختلف معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في مخيم "الخازر" عن معاناة أبو بلال، إلا بنوع الإعاقة إذ أن المحظوظ منهم يكون لديه معيل يساعده على شؤون حياته اليومية، وهو ما لم يتوفر لخالد الجحيشي الذي فقد ساقيه في الحرب العراقية الإيرانية وتوفي والداه ليبقى وحيداً في منزل مستأجر في حي الاصلاح بالجانب الأيمن من مدينة الموصل.

ويتكفل سكان الخيم المجاورة على مساعدة الجحيشي في دخول الحمام، ويحضرون له حصته من الطعام في حين خصصوا له أحد الأطفال الذي يقوم بمساعدته في دفع الكرسي المتحرك، والتجول على بعض المعارف الذين اصطحبوه معهم في رحلة الهروب من الموصل.

ويبين أحد جيران الجحيشي وهو أسعد الجبوري، أنهم يقومون بالتناوب على زيارته طوال فترة الصباح والظهيرة، ويقومون بإخراجه في فترة المساء الى ساحة وسط المخيم لتبادل الأحاديث والأخبار في محاولة للتخفيف عنه، ولكنه يعود للقول: نحن بحاجة لمن يخفف عنا حتى نقوم بهذا الدور لجارنا الجحيشي.

وبالرغم من الزيارات المستمرة التي تقوم بها المنظمات الإنسانية إلى مخيم "الخازر"، إلا أن الناشطة في مجال حقوق الإنسان ابتسام المزوري، تؤكد أن نشاط المنظمات يقتصر على توزيع المواد الغذائية أو الملابس وأنه ليس هناك تركيز على فئة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين هم بحاجة الى أدوية وتجهيزات طبية خاصة تساعدهم على ممارسة حياتهم.

وتوضح المزوري أن الأعداد المتزايدة للنازحين في أربيل وعموم مناطق إقليم كردستان تجعل من إغاثتهم أمراً صعباً للغاية ويتطلب تظافر جهود دولية مع إعطاء أولوية وتركيز أكبر على الحالات الإنسانية وفي مقدمتها ذوي الاحتياجات الخاصة.

ومن جهته، أكد عضو لجنة النازحين التي شكلها البرلمان العراقي النائب أحمد عطية، أن الأوضاع تعد مأساوية في مخيم "الخازر" وأنهم يعكفون على وضع حلول ناجحة لمعاناة سكان المخيمات وفي مقدمتها إرسال معونات عاجلة لهم وفي جميع المخيمات.

وبالرغم من تأكيد الجهات الإغاثية على صعوبة إيجاد إحصاء دقيق لعدد النازحين في العراق بعد أحداث الموصل في حزيران/ يونيو الماضي، إلا أن وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أكدت أن آخر تقديراتها تشير إلى وجود مليون و250 ألف شخص تركوا منازلهم في مناطق مختلفة جراء الاشتباكات مع "تنظيم الدولة"، وأن أغلب هؤلاء لجأوا إلى أقليم كردستان.

ولا يبدو محمد النعيمي مهتماً بكل تصريحات المسؤولين التي تتحدث عن أحوال النازحين، حيث نادى على حفيده ليأخذه في زيارة أخرى إلى المستوصف لعله يجد مسكنا يساعده في تهدئة آلام المرارة التي يعاني منها بشكل مستمر وتزداد لدى سماعه أي مسؤول يتحدث عن "الإحساس بمعاناة إخواننا النازحين".
التعليقات (0)

خبر عاجل