قضايا وآراء

على خطى إعلام ثوري

أحمد قاعود
1300x600
1300x600
ثمة حاجة ملحة لاعادة النظر للاعلام كنسق اجتماعي ضمن بقية الأنساق التي يجب البحث في تطويرها في الفترة الحالية التي باتت إعادة النظر للكثير من الأمور و المفاهيم ضرورة حتمية و حاجة ملحة لمواكبة التغيرات المستمرة و الفجائية.

بعد ثورات الربيع العربي منذ حوالي أربع سنوات أصبحت المنابر الاعلامية أو بصورة أدق الدعائية فاعلا أساسيا و مهما في المشهد السياسي و الثوري ، وعنصرا قويا في يد الأطراف المسيطرة عليه ، وهو ما مثل تحديا كبيرا أمام الشعوب الراغبة في الحرية و التحرر من أنظمة إرهابية قمعية سيطرت ولا زالت علي عقول الملايين بوسائل دعاية فجة بعيدة كل البعد عن المهنية و الأخلاق الانسانية.

الثورات المضادة في العالم العربي و بترتيب من أجهزة الاستخبارات المحلية و الاقليمية و العالمية فطنت إلي أن وسائل الاعلام و صناعة صورة مزيفة قد تكون قوة أكبر و أكثر تأثيرا من الواقع علي الأرض خاصة لو كان سلمي ، كما حدث ولا زال يحدث في مصر ، و التي باتت أكثر النماذج فجاجة في تغول و فحش و بذائة وسائل الداعية و دعمها السافر للتحريض علي جرائم ضد الانسانية و ارتكاب فظائع لم تكن تخطر علي البال ، هذا النموذج أعاد إلينا أولي نظريات الاعلام وهي " الرصاصة السحرية " التي تفترض في الجمهور المتلقي للرسالة الاعلامية التساو في التأثر بهذه الرسالة ، وعدم تفكيره أو نقده لمحتواها ، وهو ماتبين جليا بمقارنة بسيطة لكيفية تعامل وسائل الاعلام مع القضايا الوهمية في عهد الرئيس محمد مرسي ، و تعاملها مع نفس القضايا بعد الانقلاب العسكري ، الأمر الذي يؤكد أن هذه الوسائل تدرك جيدا أنها تتعامل مع قطعان لا عقول لها و يسهل تحريكها و السيطرة عليها.

كل هذه الأمور توجب علينا جميعا كداعمين للحرية و الديموقراطية توجيه النقد لوسائل الاعلام التابعة أو المفترض فيها تأييد الثورة و التغيير الاجتماعي ، سواء انتمت هذه الوسائل أو انضوت تحت فكرة " الاسلام السياسي أو الثورة أو الداعم للحرية أو البعيد عن أصحاب المصالح " .

و في هذا الصدد هناك عدة نقاط عامة و تعليقات حول هذا الاعلام تحتاج بالضرورة إلي تفاصيل لا يسع المجال لذكرها :

- يجب الاشارة إلي أن وسائل الاعلام حاليا أصبحت جزءا من الفاعلين السياسيين ، و بات من الصعب ابعاد أي مؤسسة اعلامية عن فكرة التحيز لفكرة أو هدف ما ، و تنشأ المؤسسات للتأثير علي الناس وليس لمجرد نقل أخبار أو تقديم مواد للترفيه .

- الاعلام الذي يمكن وصفه أو وضعه في إطار " الثوري أو الاسلامي أو الداعم للحرية أو البعيد عن أصحاب المصالح " ضعيف و غير مؤثر و أسوأ ما فيه خطابه الانهزامي و فشله في بناء أجندة تقود الرأي العام و تدفع الأخرين للرد عليه و تفنيد خطابه ، و يكتفي بمتابعة و مجاراة وسائل الاعلام الأخري و العمل علي نفس أجندتها الاعلامية ، بدلا من صناعة أجندة خاصة بنفسه تكون خاصة بقطاع من الناس و تضم عليها أخرين وفقا لمهنيتها .

- يجب الاشارة أيضا إلي أنه لا توجد وسيلة اعلام علي وجه الأرض محايدة و انما وجدت أصلا للانحياز لفكرة و مفهوم و تهدف التأثير علي الرأي العام و دفع الجمهور لتأييد ما تطرحه من أفكار
- فكرة توجيه خطاب يشمل الجميع مقبولة نظريا ، لكن صدق الوسيلة و تدقيق الأخبار و تحري المهنية في تناول الخبر و معالجته هي من تجذب القطاعات الواعية من القراء الباحثين عن الحقيقة ، بينما محاولة ارضاء الجميع أو مجرد عرض أخبار دون سياسة مهنية و خطاب اعلامي قوي سيؤدي لتمييع الرسالة و اضعافها و عدم الحصول علي تأثير مرجو من الرسالة الاعلامية.

- تجدر الاشارة أيضا إلي أن التيار المنضوي تحت مسميات " الاسلام السياسي أو الثوري أو الداعم للحرية أو الراغب بصدق في بناء أمة محترمة " لم يلتفت إلي قوة وتأثير وسائل الاعلام التي أعادتنا خلال عامين فقط إلي أولي النظريات التي ظهرت في الاتصال الجماهيري وهي نظرية الرصاصة السحرية.

- التيارات الأخري خاصة الكارهة للاسلام و المعادية للحرية و الداعمة للصهيونية و أصحاب المصالح ، فهموا جيدا دور وسائل الاعلام و ضخوا لها المليارات و بالفعل جاءت نتيجة ذلك قوية حتي ولو لم يكن له أساس جماهيري أو مجرد حدث وقتي ، الا أنهم لا زالوا يسيطرون علي العقول رغم التردي اليومي في الأوضاع داخل مصر.

- وسائل الاعلام الثورية أو المناهضة للحكم العسكري ، خطابها سيئ جدا – باستثناء الجزيرة مباشر مصر – نظرا لاعتمادها سياسة تحريرية قوية و مهنية ولها أجندة خاصة بها.

- وسائل الاعلام المناهضة للحكم العسكري ، تسهم ودون قصد في اضعاف القضية بالاعتماد علي عدد محدود من الضيوف خاصة ممن أفرزتهم قناة الجزيرة ، وهو أمر يوحي بأن المناهضين للانقلاب قلة و نفس الوجوه في نفس القنوات و المصادر لا تختلف ، وهو أمر يجب أن يتغير تماما لصناعة مصادر متعددة ورافضة للانقلاب و قادرة علي الوصول للناس و ليس الاقتصار علي ما بنته وسيلة اعلام قوية.

- علي وسائل الاعلام بناء مصادر جديدة وخاصة بها و تبني حركات شبابية ودعمها للايحاء بالغضب الشعبي و التركيز علي القضايا الخدمية التي تجد صدي لدي قطاعات الشعب.

- وسائل الاعلام الجديدة يجب أن تكون مكانا لانتاج جيل جديد من الاعلاميين و الصحفيين الذين سيقودون فيما بعد معركة الوعي و التفسير للناس ، و يجب أن يكون الاختيار فيها جيدا ومن الرافضين لأحداث 30 يونيو ، وتبنيهم وتدريبهم ، اذ أن الاستعانة بأي اعلامي أيد في السابق جريمة 30 يونيو سيكون طعنة فيما بعد للمؤسسة خاصة و أن المهنة تقوم أساسا علي الشرف و المبادئ ، و يجب تطهيرها من أصحاب المصالح أو ممن لهم علاقات بأجهزة الأمن أو أي تصرف مشبوه.

- وسيلة الاعلام الجديدة يجب أن تكون مفسرة و معالجة لخلفيات الخبر و ليست مقتصرة علي نقله فقط حتي تؤدي رسالة في الوعي الجماهيري الذي تستهدفه.

- الاهتمام بالشباب و القراء و التفاعل بمختلف المواد هو من سيجعل الوسيلة مكانا تفاعليا يجد الباحثين عن الحقيقة فيه ضالتهم.
التعليقات (0)