كتاب عربي 21

بايدن.. يجب أن يعتذر أولا للشعب السوري

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
مهمة السياسيين ذوي الوجهين كانت أسهل بكثير قبل ثورة التكنولوجيا الحديثة والاتصالات وقبل أن يصبح بإمكان أي واحد من المستمعين إلى كلماتهم أن يسجلها بالصوت والصورة وينشرها عبر الإنترنت، وقبل أن يتمكن أي متابع من قراءة ما تنشره صحيفة محلية في بلد يبعد عن بلده مئات الكيلومترات من خلال موقعها الإلكتروني. 

ولعل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يكن في خلده أن خطابه الذي ألقاه في جامعة هارفرد حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيخرج من أروقة الجامعة بهذه السرعة لتثير ضجة كبيرة، ولذلك أطلق العنان للسانه ومخيلته وقال: "مشكلتنا الكبرى كانت حلفاءنا في المنطقة. الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات وغيرها. ولكن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لذلك شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد"، وزعم أن أردوغان اعترف بخطئه في هذا الشأن خلال لقائهما الأخير في نيويورك. 

واللافت أن بايدن هو نفسه قد قال قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في مناظرة تلفزيونية شارك فيها مع خصمه الجمهوري بول راين المرشح لنيابة رومني، إنهم يعملون مع الأتراك والأردنيين والسعوديين لتحديد فصائل المعارضة السورية التي تستحق الدعم لتشكِّل بعد إسقاط النظام حكومة مشروعة، مؤكدا أن النظام سيسقط. وبمعنى آخر، ما كان يراه بالأمس صوابا ويفتخر بالمشاركة فيه أصبح اليوم في نظره خطأ لا يغتفر.

هجوم بايدن في خطابه بجامعة هارفرد على تركيا والسعودية والإمارات كان صادما إلا أن الرد التركي عليه لم يتأخر، وعبَّر رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بشدة عن استيائه من تصريحات بايدن قائلا: "إذا كان بايدن قد قال هذا الكلام فهذا يجعله بالنسبة لي رجلا من الماضي"، وطالب نائب الرئيس الأمريكي بتقديم الاعتذار لتركيا.

وبعد هذا الرد القوي، اضطر بايدن للاتصال برئيس الجمهورية التركي ليقدم له اعتذارا على تصريحاته التي اتهم فيها تركيا بتدريب وتمويل "منظمات إرهابية" في سوريا، ولم يمض يوم واحد على هذا الاعتذار حتى جاء اعتذار ثان من واشنطن لدولة الإمارات ثم أعقبه باعتذار ثالث للمملكة العربية لسعودية.

نائب الرئيس الأمريكي كان عليه أن يقدم اعتذاره أولا إلى الشعب السوري قبل أن يعتذر لتركيا والإمارات والسعودية، لأن ما جاء في خطابه بجامعة هارفرد يعني أن الولايات المتحدة ما زالت تتمسك برئيس النظام بشار الأسد وأنها غير صادقة في دعم ثورة الشعب السوري وخياره، وغير مبالية بمقتل عشرات الآلاف من المدنيين في مجازر النظام. وأما حديثه عن إشعال حرب بالوكالة بين السنة والشيعة فيعكس قمة النفاق الأمريكي في ظل تجاهل واشنطن المجازر المروعة التي ترتكبها المليشيات الطائفية في العراق وسوريا بتمويل وتسليح الحكومتين العراقية والإيرانية.

الولايات المتحدة شاركت في ذبح الشعب السوري من خلال الحظر الذي فرضه على وصول الأسلحة المتطورة إلى الثوار، وبالتالي تتحمل جزءا من مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في سوريا. وأما في العراق فهي المسؤول الأول عن تدمير البلاد وتسليمها إلى المليشيات الطائفية المدعومة من طهران. 

مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريرا بعنوان "جو بايدن هو الرجل الصادق الوحيد في واشنطن" وقالت إن "اعتذار نائب الرئيس الأمريكي لتركيا والإمارات يظهر مخاطر قول الحقيقة عن طريق الخطأ"، ما يعني أن هناك من يؤيد ما جاء في خطاب بايدن بجامعة هارفرد ويراه عين الحقيقة. 

سواء كانت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي مجرد زلة لسان أو تصريحات مقصودة يؤمن صاحبها بصحة ما قاله، فإن إدارة أوباما مدينة للشعب السوري بالاعتذار بسبب مسؤوليتها في إطالة عمر النظام وسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا. والرد التركي العنيف على هذيان بايدن أثبت نجاعته ودفع هذا الأخير إلى الاعتذار لتركيا. وعلى ممثلي الثورة السورية أن يطالبوا واشنطن بتقديم الاعتذار للشعب السوري كما قدمت لتركيا والإمارات والسعودية، وأن لا يمنحوا للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة تأييدا مجانيا، بل أن يشترطوا عليها بإلحاح السعي إلى إسقاط النظام السوري وخطوات ملموسة بهذا الاتجاه تظهر صدق النوايا بوضوح. 
التعليقات (0)