مقالات مختارة

الطريق الممتد من أفغانستان إلى "داعش"

بولنت أرانديتش
1300x600
1300x600
كتب بولنت أرانديتش: من المفيد بمكان النظر إلى أفغانستان، حتى نفهم ما يحدث في العراق وسوريا والشرق الأوسط، وحتى نتمكن كذلك من التوصل بشكل صحيح إلى معرفة ما هية "داعش، وكيف ومن أين ظهر. هيا معاً نلقي نظرة سريعة على الطرق الممتدة من أفغانستان إلى "داعش":

في 2 أب/أغسطس من العام 1990، دخل العراق دولة الكويت بعد منتصف الليل، وتسبب احتلال "صدام حسين" لتلك الدولة، في تغيير موازين القوى بشكل كبير في المنطقة. واتضح في وقت لاحق أن "بوش الأب" كان يدعم بشكل خفي، الرئيس العراقي في هذا الأمر. وشهدت تلك الفترة تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة.

في تلك الأيام ذكرت الصحافة الأمريكية، أن تركيا يمكنها السيطرة على كركوك والموصل، فضلا عن أن بعض المسؤولين الأمريكان كانوا يشجعون تركيا على أخذ شمال العراق.. وفي تركيا قيل إن هذا الحوار دار بين الرئيس الأمريكي "بوش"، ونظيره التركي "تورغوت أوزال" الذي كان رئيسا لتركيا في تلك الفترة:
"بوش- سيد "أوزال" ادخلوا شمال العراق وكركوك..

أوزال- سيد "بوش" أنتم اليوم تقولون ادخلوا، وغدا تقولون اخرجوا.. 

بوش: هل خرج أحد من مكان دخله من قبل، لتخرجوا أنتم الآن إذا دخلتم العراق.. فأنتم مثلا دخلتم قبرص، هل خرجتم منها بعد أن دخلتوها؟"
من هذا الحوار نفهم أن الولايات المتحدة كانت تخطط لإقحام تركيا في العراق من جهة الشمال، لكننا فلتنا بأعجوبة من ألاعيب "بوش الأب". 
 
"جورج ووكر بوش" الإبن

"جورج ووكر بوش" أي بوش الابن ، تولى رئاسة الولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين بين عامي 2001-2009. وفي الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2001، دخل التحالف الدولي بقيادة أمريكا إلى أفغانستان، وكان الهدف المعلن حينها القضاء على حركة "طالبان"، وها نحن الآن في العام 2014، ولا زالت تلك الحركة قائمة كما هي، ولازال عدم الاستقرار مخيما على أفغانستان، بل إن هناك ملايين اللاجئين الأفغان يعيشون في باكستان.

وفي 20 أذار/ مارس 2003، تم تشكيل تحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، وتم احتلال العراق بشكل أدى إلى اضطرابات كبيرة في المنطقة بأكملها، وكان الهدف من هذا الاحتلال، إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بأكملها في ضوء المصالح الأمريكية. وكان "بول وولفويتز" مخطط الاحتلال، والعقل المفكر للمحافظين الجدد، يشدد على ضرورة اعتماد الولايات المتحدة على القوة العسكرية بكل حزم، وألا تتردد في التحرك بمفردها إذا لزم الأمر وذلك "من أجل إحباط محاولات تكوين مراكز قوى جديدة".

ولقد تصدى البرلمان التركي بقرار تاريخي له، لدخول الجيش التركي مع نظيره الأمريكي إلى البلدان الإسلامية، كما تصدى بالقرار ذاته لمرور الجنود الأمريكان من شمال البلاد، لدخول العراق، من أجل تلك العملية. وبدلا من هذا فتحت تركيا مجالها الجوي، وقاعدة "إنجيرلك" العسكرية بحكم أنها دولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ليترك "بوش الابن" سوريا والعراق بدون استقرار بذلك الاحتلال الذي خاضه من أجل تحرير العراق، وترك ملايين القتلى والمشردين ورائه.

واليوم الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في طريقه لأن يكون "بوش" آخر، في عامه الثاني من فترة الثانية لرئاسة البلاد. في طريقه لهذا من تلقاء نفسه أو مجبرا على ذلك، فهناك الدولة العميقة الأمريكية المتمثلة في جماعات السلاح والكيمياء والنفط، وهناك المحافظون الجدد أيضا. الشرق الأوسط مضطرب للغاية، ولا يوجد أي استقرار.

العراق وسوريا ممزقتان بشكل كبير، وثمة عصابات مسلحة تعتبر امتداداً لحركة "طالبان". فتنظيمات القاعدة و"داعش" و"جبهة النصرة" موجودة على الساحة. ووصل عدد اللاجئين في تركيا وحدها ما يقرب من 2 مليون لاجئ. وبكل تأكيد لن تقف تركيا موقف المتفرج حيال الاضطرابات التي تشهدها حدودها، ولن تسمح للآخرين بعمل توازنات في المنطقة على حسابها.
 
الخاتمة

من الواضح أن الحرب ضد "داعش"، ستستغرق سنواتٍ طويلة، وذلك بحسب قول الرئيس الأمريكي "أوباما" نفسه. وسواء شئنا أم أبينا، فإن الخسائر المادية والبشرية، وكذلك التهديدات المحدقة بالأراضي التركية، ستزداد مع مرور الوقت.

وإذا نظرنا للأمر من جهة أخرى، فنحن في زمان يتطلب تأسيس صداقات، لا تعميق العداوات، وذلك لأن من يقودون تلك الحملة يعيشون في أماكن بعيدة، أما نحن فأهل المنطقة، وننتمي لنفس الدين والحضارة الإسلامية مع جيراننا. وسنعيش مع أخوتنا للأبد لذلك أقول لابد من التفكير ألف مرة قبل التحرك، للحيلولة دون فرض أي رهان على مستقبل تركيا.

(عن صحيفة تقويم التركية، ترجمة "عربي21" 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)
التعليقات (0)