كتاب عربي 21

الأحزاب التونسية.. الماركة واستحقاقات الحكم

لطفي زيتون
1300x600
1300x600
تقترب بلادنا بسرعة نحو تحقيق أمل راود التونسيين طويلا؛ وهو الدخول في العصر الديموقراطي الذي بدا لعقود طويلة أنه شديد الإغلاق أمام البلدان العربية، وتوشك بلادنا بعد أسبوعين أن تسجل اختراقا تاريخيا يرفعها إلى مصاف الدول المتحضرة التي يحكمها العقل لا الغريزة.

الحملة الانتخابية البرلمانية التي تجري هذه الأيام على امتداد الوطن تستدعي جملة من الملاحظات:
-يتبين يوما بعد يوم أن الأحزاب التي تميزت بسلوك احتجاجي خلال هذه السنوات الأربع التي تلت الثورة لم تنجح إلى حد الآن في تقديم بديل جاد وذي مصداقية قد يغري الناخبين.

-لئن مثل بروز أحزاب كبيرة نسبيا إلى جانب النهضة توفر شرط أساسي ليشتد عود الديموقراطية التونسية وتستعصي على الارتداد، كما مثل أملا للفئات التي تقف على الجهة الأخرى من مشروع النهضة الحزب الأكبر، فإن هذا الأمل يبقى معلقا أو مع إيقاف التنفيذ حتى تبرهن هذه الأحزاب أنها مؤهلة لحكم رشيد توافقي وليست مجرد جبهة رفض عدمية. 

- خطاب هذه الأطراف لا يجد إلى حد الآن ما يبشر به التونسيين إلا صراع الأنماط المجتمعية في استدعاء لأبشع ما مارسته وسوقته الديكتاتورية في تقسيمها للشعب إلى شعبين؛ أحدهما يضطهد الآخر مع ما خلفه ذلك من جروح عميقة.

- النهضة التي كان اختيار الشعب لها ذا أبعاد تتجاوز السياسي إلى السوسيولوجي لتمثل العمود الفقري أو الشقيق الأكبر، وها هي توصل البلاد إلى هذا العرس الديموقراطي على حساب مصالحها الحزبية حتى وصل الأمر إلى الانسحاب من الحكومة وهي ليست منة بل هو أقل الواجب لشعب حررها ورفع عنها الأغلال.

- أهم ما استفادته النهضة من تجربة الحكم؛ هو أنه يمكن أن تكون مناضلا ضد الاستبداد وشخصا نزيها، ولكن في الحكم المطلوب منك أشياء أخرى مثل المعرفة والكفاءة والرؤية والتخلص السريع من عقلية المعارضة والتلبس برداء رجل الدولة، الذي يغلب المصلحة العليا ويعامل المواطنين سواسية، ويستقطب كل من له كفاءة بقطع النظر عن انتمائه الفكري أو لونه السياسي.

- إعلاء المصلحة العليا يأتي في ذروة سنامه المحافظة على وحدة البلاد والشعب وتطمين كل الفاعلين، ومن هنا امتنعت النهضة عن الترشح للانتخابات الرئاسية؛ لأن الوضع لا يحتمل لا الهيمنة ولا التنافس الذي يؤدي إلى الاستقطاب. 

-على الأحزاب الأخرى أن لا تضيع الوقت في الرهان على تصويت عقابي للنهضة، أو الإفراط في الظهور بمظهر القوة المقابلة، لأن الشعب ينتظر مرحلة سياسية توافقية هادئة تعلي قيمة الوحدة وتنبذ الفرقة، وليس مشروع فتنة أو العودة للعبة الشد والجذب بين سلطة ومعارضة.

- التعويل على "الماركة" لن يصمد كثيراً أمام شعب ذكي يراقب النخبة التي ترشح نفسها للحكم ويسأل هل هي مؤهلة له وهل تملك برامج واقعية وهل ستندرج ضمن المشروع الوفاقي أم الأخرى. 

- محاولة الوقيعة بين النهضة وقاعدتها الثورية بالترويج لتحالفها مع رموز العهد البائد، يظهر المسافة بين حزب يحاول أن يكون في مستوى انتظارات الشعب وأطراف تختزل السياسة في بعد واحد؛ هو إقصاء الخصوم والاستحواذ على السلطة.

- الماركة المطلوبة اليوم هي الحزب القادر على الحكم وليس على الاحتجاج، على جمع العائلة التونسية وليس على تفريقها، وقد حفظت النهضة كل الدروس من تجربة الحكم القاسية وستفاجئ التونسيين مستقبلا بخطوات تكشف عن نضج قياداتها وقواعدها.  
التعليقات (0)